«، لكن عندما سأل أحدهم رامسفيلد عن رأيه في القوة اللينة أجاب: «لا أعرف ما الذي تعنيه»، ذلك ان أحد معايير رامسفيلد يتمثل في ان «الضعف أمر استفزازي» وهو محق في ذلك الى حد ما. فكما لاحظ اسامة بن لادن، فإن الناس يحبون رؤية الخيول الجامحة، لكن القوة، كأداة للتأثير على الاخرين، تتمثل بأساليب كثيرة والقوة اللينة ليست مرادفاً للضعف، بل على العكس من ذلك تماماً، إذ ان عدم الاستخدام الفعال للقوة اللينة هو الذي يضعف الولاياتالمتحدة في الحرب على الارهاب. القوة اللينة هي القدرة على تحقيق ما يريده المرء عن طريق جذب الاخرين، بدلاً من تهديدهم أو الدفع لهم. وهذا قائم على الثقافة والمثاليات السياسية والاجراءات السياسية، وعندما تقنع الاخرين كي ينصاعوا لما ترغب فيه، فأنت لست مضطراً للانفاق كثيراً في استخدام سياسة العصا والجزرة ليسيروا في ركابك. لذلك فان القوة الصلبة، القائمة على الاجبار، والمشتقة من القوة الاقتصادية والعسكرية، لاتزال تشكل أمراً جوهرياً في عالم مسكون بدول تعمد للتهديد ومنظمات ارهابية. لكن القوة اللينة تستحوذ بشكل متزايد على أهمية أكبر لدى منع الارهابيين من تجنيد أنصار جدد وتحقيق التعاون الدولي اللازم لمواجهة الارهاب. والولاياتالمتحدة هي أقوى من أي دولة اخرى عرفها العالم منذ الامبراطورية الرومانية، لكنها، كما روما، ليست دولة لا تقهر ولا معصومة من الجروح. ودمار روما لم يأت من جراء ظهور امبراطورية اخرى، وانما من جراء هجوم موجات من البرابرة والارهابيين العصريين، الذين يعتمدون على تقنيات متقدمة، هم البرابرة الجدد، حيث لا تستطيع الولاياتالمتحدة وحدها ملاحقة جميع المشبوهين على انهم قادة »القاعدة« ولا إعلان حرب عندما يحلو لها بدون توسيع نطاق العداء ليمتد الى دول اخرى. لقد كانت الاسابيع الاربعة للحرب العراقية دليلاً دامغاً على القوة العسكرية الصلبة للولايات المتحدة، التي قضت على طاغية شرير، لكنها لم تقض على قابلية الولاياتالمتحدة لتلقي ضربات من الارهاب، كما دفعنا ثمناً باهظاً فيما يتعلق بقوتنا اللينة لجذب الآخرين. فبانتهاء الحرب، اظهرت استطلاعات الرأي هبوطاً واضحاً في شعبية الولاياتالمتحدة، حتى في دول مثل بريطانيا واسبانيا وايطاليا، التي ساندت حكوماتها الحرب. وانهار احترام الولاياتالمتحدة في البلدان الاسلامية، التي يعتبر دعمها ضرورياً لتعقب اثر الارهابيين والاموال التي يستخدمونها والاسلحة الخطيرة التي يوظفونها. مع ان الحرب ضد الارهاب ليست صدام حضارات الاسلام ضد الغرب بل هي حرب بين المتشددين الذين يستخدمون العنف لفرض رؤيتهم وغالبية معتدلة تريد اشياء من قبيل فرص العمل والتعليم والرعاية الصحية والكرامة، والولاياتالمتحدة لن تكسب إلا اذا كسب المعتدلون. والقوة الاميركية اللينة لن تجذب اسامة بن لادن ولا المتشددين أبداً، ولا يمكن التعامل مع هذه الفئة إلا عن طريق استخدام القوة الصلبة. لكن القوة اللينة ستلعب دوراً حاسماً في جذب المعتدلين وإبعاد شبح تجنيد أنصار جدد للمتشددين. وفي 2003، ذكر تقرير لمجموعة استشاريين من الحزبين الاميركيين ان الولاياتالمتحدة لم تنفق سوى 150 مليون دولار في الدبلوماسية العامة في الدول الاسلامية، وهو مبلغ قوم بأنه غير مناسب بشكل فظيع. وصحيح ان الانفاق المخصص لبرامج الدبلوماسية العامة لوزارة الخارجية وللمحطات الاذاعية والتلفزيونية العالمية الاميركية يصل الى مليار دولار. وهو المبلغ نفسه تقريباً الذي تنفقه بريطانيا وفرنسا، البلدان اللذان لا يتجاوز حجمهما خمس حجم الولاياتالمتحدة وميزانيتهما العسكرية تعادل 25% فقط من الميزانية العسكرية الاميركية، وصحيح ان أحداً لا يقصد التلميح الى ان تنفق الولاياتالمتحدة في اطلاق الافكار المبلغ نفسه الذي تنفقه في اطلاق القنابل، لكن الحقيقة هي انه يبدو أمراً غريباً ان تنفق الولاياتالمتحدة 400 ضعف في القوة الصلبة، مقارنة بما ينفقه على القوة اللينة. فلو أنفقت الولاياتالمتحدة 1% فقط من ميزانيتها العسكرية على القوة اللينة، فان انفاقها الحالي في هذا العنصر الحاسم للحرب ضد الارهاب سيتضاعف اربع مرات. واذا أرادت الولاياتالمتحدة كسب هذه الحرب، فسيتعين على قادتها التوفيق بشكل أفضل بين القوة الصلبة والقوة اللينة للحصول على »قوة ذكية«. \r\n «إلبايس»