\r\n فهذا البلد لا يزال يعيش في ظل اوضاع تتسم بالتوتر. \r\n \r\n وهناك حرب ضروس تدور رحاها في الاقاليم المختلفة وخاصة الجنوبية حيث عادت طالبان للساحة الافغانية وبقوة بعد ان تمكنت من اعادة تنظيم صفوفها. \r\n \r\n مضى الآن ما يقارب الاربعة أشهر على ذلك التصويت دون ان تتم اقالة الوزير مما اثار غضب الغالبية البرلمانية ويعود السبب الى أنه يتمتع بحماية الرجل الذي عينه وهو حامد قرضاي. \r\n \r\n يقول الرئيس قرضاي ان التصويت لم يكن قانونيا وانه كان وراءه دوافع سياسية. في المقابل اتهم النواب الرئيس باحتقار الدستور وتقويض أسس الديمقراطية في البلاد. \r\n \r\n هذا النزاع يقدم الدليل على وجود ذلك التوتر القوي القائم بين ادارة قرضاي وأمراء الحرب والمجاهدين السابقين الذين يريدون امتلاك قدر أكبر من السيطرة على صنع السياسية واتخاذ القرار. ويهدد هؤلاء بشل البرلمان ودفع البلاد نحو ازمة سياسية. \r\n \r\n معارضو قرضاي هددوا بمقاطعة البرلمان اذا لم تتم اقالة الوزير رانجين وادفار سبانتا. وقد هدد حوالي 50 عضوا بتقديم استقالتهم فورا اذا ما استمر الرئيس بالتمسك بمواقفه. \r\n \r\n يقول ودير صافي في كلية العلوم السياسية في جامعة كابول «ان ما يحدث يعد أمرا خطيرا بالنسبة للشعب وللبلاد ككل. واذا استمرت هذه المواجهة ما بين السلطة التشريعية والتنفيذية فإن ثقة الشعب بالقيادات المنتخبة ستهتز». \r\n \r\n بعد سقوط نظام طالبان في عام 2001 اعتبر قرضاي وهو من الغالبية البشتونية من السكان نفسه موحدا للبلاد وحاول ان يظهر بمظهر من يترفع عن السياسات العرقية والطائفية ليكون زعيما لكل الافغان وليس لفريق منهم. \r\n \r\n خلال عملية اعداد مسودة الدستور الجديد دافع قرضاي عن نظام رئاسي قوي يكون قادرا على تحطيم نفوذ وسطوة أمراء الحرب مما يتطلب تجميع السلطات في يد الرئيس. في المقابل نجد ان الجماعات العرقية الاخرى وخاصة في الشمال التي تدافع عن نظام برلماني قوي مع تعيين رئيس للوزراء أملت في ان يؤدي ذلك الى تحطيم سيطرة البشتون التاريخية على السلطة في افغانستان. \r\n \r\n في النهاية تم اقرار النظام الرئاسي وحقق قرضاي ما كان يسعى اليه. \r\n \r\n يقول دبلوماسي غربي في كابول تحدث بشرط عدم الكشف عن شخصيته نظرا لحساسية الموضوع «هناك رؤية خاصة لقرضاي تتمحور في وجود حكومة قوية يشرف عليها بنفسه مع عدم تمكين البرلمان من لعب دور قوي باعتباره السلطة التشريعية». الرئيس قرضاي نفسه كان عرضة لانتقادات قوية حيث يتهمه الكثيرون بعدم الكفاءة وعدم القدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة. اضافة الى ذلك هناك فساد حكومي يستشري على كافة المستويات والاصعدة اضافة للازدهار النشط لزراعة وتجارة المخدرات. \r\n \r\n ويقول الكثيرون ان الخدمات العامة في البلاد شبه مدمرة ولم يحدث فيها اي تحسن. \r\n \r\n أما الأفغان العاديون فيواجهون ظروفا معيشية صعبة حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بصورة كبيرة وبقيت البطالة عند مستويات عالية. وزاد الطين بلة تمكن طالبان من إعادة تنظيم صفوفها في الجنوب حيث تخوض معارك شرسة وهي تضغط الآن باتجاه العاصمة. \r\n \r\n ثقة الرأي العالم في قرضاي تبخرت في الوقت الذي تصاعدت فيه المعارضة له داخل الحكومة ويقودها قادة إقليميون يشعرون بالتهميش. خلال فترة رئاسته الانتقالية، التي استمرت لثلاث سنوات، أوجد قرضاي مجلسا للوزارة يعكس بصورة عادلة الفصائل والمجموعات السياسية والعرفية التي تشكل الطيف الافغاني، اضافة لقادة عسكريين قادوا القتال ضد الاحتلال السوفياتي، ثم شاركوا في الحرب ضد طالبان. \r\n \r\n هذا الوضع لم يستمر طويلاً، حيث عمل قرضاي خلال عملية تشكيل مجلس الوزراء الثاني على تنظيف المجلس من امراء الحرب وأحل مكانهم وزراء من التكنوقراط مما غير من ميزان القوى وجعله يميل باتجاه كفة البشتون من أصحاب التوجهات العربية وعلى رأسهم قرضاي نفسه. \r\n \r\n في مارس الماضي، شكل برلمانيون وسياسيون آخرون ائتلافاً سياسياً اطلقوا عليه اسم الجبهة الوطنية، هذه الجبهة ضمت بصفة اساسية أعضاء سابقين في التحالف الشمالي، وهم من غير البشتون الذين سبق لهم ان قاتلوا ضد طالبان، ويشكل هذا الائتلاف تحدياً كبيراً لرؤية قرضاى الخاصة بالحكم، وقد وعد أعضاء الجبهة الوطنية بالعمل على إحداث سلسلة من التغييرات الدستورية والانتخابية التي من شأنها ان تضعف سلطات الرئاسة وتعطي المزيد من النفوذ والتأثير للأحزاب السياسية الأخرى، ويبدو ان هذه الجبهة عاقدة العزم أيضا على الاطاحة بوزير الخارجية سبانتا. \r\n \r\n حصل سبانتا على تعليمه في الغرب وهو احد التكنوقراط وابعد نفسه عن السياسات القبلية ولم يكن هناك أية علاقات تربطه بأمراء العرب والمجاهدين السابقين في البرلمان، وكان يعارض منح العفو العام عن جرائم الحرب التي ارتكبت خلال العقود الثلاثة من النزاع الافغاني. \r\n \r\n يقول مؤيدوه إنه أغضب ايضاً بعض السياسيين نتيجة رفضه تعيين حلفائهم واقاربهم في مناصب دبلوماسية أو وزارية عالية. \r\n \r\n خلال الربيع الماضي اتهم سبانتا ووزير شؤون اللاجئين من قبل الكثيرين البرلمانيين بالفشل في وقف طرد 50 ألف لاجئ افغاني من إيران بمن فيهم الكثير من العمال الافغان الذين توجهوا إلى إيران للبحث عن فرصة عمل فيها، وفي العاشر من مايو صوت 248 عضواً في مجلس النواب على اقالة وزير شؤون اللاجئين من منصبه وذلك وفقاً للدستور الذي يسمح للبرلمان باستدعاء الوزراء للتحقيق معهم، بعدها بيومين صوتت الغالبية في المجلس ضد استمرار سبانتا في شغل منصبه كوزير للخارجية. \r\n \r\n قبل قرضاي استقالة وزير شؤون اللاجئين ووعد بتعيين وزير بديل عنه ولكنه رفع أمر وزير الخارجية للمحكمة العليا في البلاد، وقد ايدت المحكمة قرار الرئيس بالابقاء عليه في منصبه مما شكل صفعة للنواب، ورد البرلمان على ذلك بالقول إن قرارالمحكمة العليا غير ملزم، واصر كل طرف على موقفه، ومن الجدير بالذكر أنه لا يوجد في افغانستان محكمة دستورية، وان كان الدستور يشير إلى لجنة يمكن ان تقوم مقام تلك المحكمة لحين انشائها، ولم تشكل حكومة قرضاي تلك المحكمة حتى الآن، ولم تسع حتى لتشكيلها. \r\n \r\n وذكر صالح محمد زيجستاني عضو الجبهة الوطنية أنه واحد ضمن مجموعة من 50-60 عضواً في البرلمان يهددون بترك البرلمان إذا لم يقل قرضاي وزير الخارجية سبانتا، ويقول «إذا لم تعر السلطة التنفيذية أي اهتمام لقراراتنا فماذا بوسعنا ان نعمل»، ويضيف «إذا استقال 60 عضوا» في البرلمان دفعة واحدة فإن البرلمان سينهار». \r\n \r\n وفي مقابلة أجريت مع وزير الخارجية الافغاني في الأسبوع الماضي، قال إنه قدم استقالة مرتين للرئيس قرضاي ولكنه رفض، وأضاف انني مازلت وزيراً للخارجية، انني اتمتع بدعم الرئيس». \r\n \r\n هذا التجاذب ما بين البرلمان والرئاسة والحكومة لا يمكن ان ينظر اليه على انه ظاهرة صحية تدل على آلام ميلاد الديمقراطية في هذا البلد. \r\n \r\n وذكر عبدالله عبدالله وهو وزير سابق للخارجية وعضو في التحالف الشمالي أن افغانستان هشة للغاية وليس لديها القدرة على تحمل مثل هذه المواجهة. \r\n \r\n «يتوجب على جهة ما ان تضع حداً لهذه المواجهة، على الجميع أن يتحلى بالمسؤولية، وان يظهر قدراً أكبر من المسؤولية والتعقل، ليس من مصلحة أحد ان يستمر في تجاذب حبل السلطة إلى أن ينقطع». \r\n \r\n هكذا تعيش افغانستان، صراع سلطة جنبا إلى جنب مع حرب نشأ عنها احتلال أجنبي. \r\n