\r\n \r\n وفي هذه الصيغة أو المعادلة النظيفة, فُهمت \"الحقيقة\" على أنها تعني العنف والقوة - مثلتها كل من الهجمات الإرهابية التي أسقطت برجي مركز التجارة العالمي مع وابل من الأجسام المتساقطة والركام والحطام المحترق, كما مثلها الرد الأميركي المخطط له في أفغانستان ثم في العراق لاحقا. بالنسبة للمحافظين الجدد, كانت\" الحقيقة\" هي القنابل والدماء والنيران - والصدمة والرعب . \r\n وفي مقالة في مجلة \" نيويورك تايمز \" الأميركية اُستشهد بها كثيرا في عام 2004, تحدث الصحفي رون ساسكيند عن حوار تم في عام 2002 مع مستشار رفيع المستوى لبوش - يُعتقد على نطاق واسع أنه كارل روف - مضيفا بريقا زائدا إلى مقولة كريستول المأثورة, موضحا أن \" الحقيقة \" يمكن أن تعني أشياء مختلفة لأناس مختلفين\". \r\n وكما يروي ساسكيند القصة على لسانه : \" قال مساعد الرئيس إن الرجال من أمثالنا هم \" فيما نسميه المجتمع القائم على الحقيقة \" , والذي عرفه على أنه الناس الذين \" يعتقدون بأن الحلول تنبع من دراستك الحكيمة للحقيقة المميزة\". أومأتُ برأسي وتمتمتُ قائلا شيئا عن مبادئ التنوير والتجريبية (الاعتماد على الملاحظة والتجريب أو المذهب القائل بأن المعرفة مستمدة من التجربة). فقاطعني قائلا \"ليست هذه هي الطريقة التي يعمل بها العالم الآن. نحن امبراطورية الآن, وعندما نتصرف, ننشئ حقيقتنا وواقعنا الخاص. وبينما تدرس تلك الحقيقة - بحكمة, كما تشاء- سنتصرف ثانيةً, منشئين حقائق ووقائع أخرى جديدة, يمكنك أن تدرسها أيضا, وهذه هي الطريقة التي نتعامل بها مع الأشياء. نحن فاعلون في التاريخ ... وأنتم, كلكم, سيُترك لكم فقط أن تدرسوا ما نفعله نحن\". \r\n وتلك التعليقات قد هزأ بها على نطاق واسع منتقدو إدارة بوش. يا لها من عجرفة في تخيل أن رؤيتهم وأفعالهم يمكن أن تعيد تشكيل العالم وفقا لرغباتهم وأهوائهم! وبالنسبة لكثير من الناس, فإن الأحداث الأخيرة, في العراق, وفي أماكن أخرى, إنما أثبتت هذا الاحتقار المبكر لفهم المحافظين الجدد ل\" الحقيقة \". \r\n فهذا الأسبوع, على سبيل المثال, شهد أحدث تقرير تقييمي للاستخبارات الوطنية الأميركية والذي يمثل إجماع وجهات نظر وآراء الست عشرة وكالة استخباراتية في الولاياتالمتحدة الأميركية. وتقدم الوثيقة رواية للعالم الذي نعيش فيه الآن: نهوض \" القاعدة \", وحركة إسلامية متطرفة تنمو سريعا , وتصاعد في التهديدات الإرهابية العالمية وعنف خارج عن السيطرة في العراق. \r\n ولذا فإنه من المفهوم أن كثيرا من منتقدي الإدارة الأميركية يخلصون الآن- ببعض القناعة - إلى أن مفهوم المحافظين الجدد عن كيف تعمل وتجدي\" الحقيقة \" قد تم نزع الثقة عنه دائما. إذا أمكن للامبراطوريات أن تختار أن توجد وتنشئ حقائقها ووقائعها, فلماذا لم توجد وتنشئ امبراطورية بوش الأميركية عالما مستقرا وأكثر سلما ؟ ولماذا نحن لسنا أكثر أمنا عما كنا قبل 11/9 ؟ لقد ضلل وخدع المحافظون الجدد أنفسهم في تخيل أنهم يمكنهم أن يسيطروا على الواقع, ولكن في النهاية, أليسوا هم الأشخاص الذين قد غُلبوا وخسروا ؟ \r\n لقد أثبت كلام ساكسيند عن \" مستشار بوش رفيع المستوى \" كونه أكثر صحة من كونه أكثر خطأ. فالإدارة الأميركية قد أوجدت وقائع لتضاهي وتماثل بها رؤاها الأكثر إظلاما, معيدةً تشكيل العالم بسرعة وإتقان ملحوظين كما ترى هي . \r\n وفي عام 2001 , أشار عتاة الإدارة الأميركية إلى أن أسامة بن لادن قد نافس أدولف هتلر في الخطر الذي شكله على الأمن الأميركي وأصروا على أن قوة \" القاعدة \" كانت كبيرة بمكان بحيث أنه لا شيء مطلوب غير \"حرب عالمية على الإرهاب\". \r\n وفي ذاك الوقت, كما يقول الخبراء, لم يكن ببساطة هذا الوصف ل\"القاعدة\" حقيقيا. فلم تكن أكثر من كونها جماعة مغمورة معزولة من السفاحين المتطرفين, الممولين جيدا والخطيرين على نحو متقطع, ولكن المحدودين نسبيا في جاذبيتهم العالمية والإقليمية السياسية. وفي 11/9 , حالفهم الحظ - ولكن بالرغم من النجاح غير المتوقع لهجومهم على الولاياتالمتحدة, لم يكونوا يشكلون تهديدا قاتلا وشيكا محدقا على الأمة الأميركية. \r\n أما اليوم فالأمور مختلفة .. وبفضل السياسات الأميركية, أصبحت \" القاعدة \" التهديد العالمي الواسع الذي تخيلت الإدارة الأميركية أنه سيكون في عام 2001 . إن أساليبنا الخرقاء في الاعتقال والاستجواب وغزونا غير المبرر وغير المنصوح به للعراق قد أغضب قطاعات واسعة من العالم الإسلامي, مغذيا التطرف والشعور المعادي لأميركا. واليوم, لم تعد \" القاعدة \" تنظيما وحيدا. إنها الآن لها فروع منتشرة في العالم, ولها عصابات جديدة من الإرهابيين حول العالم الذين يعتنقون مبادئ \" القاعدة \"بفخرٍ. \r\n في عام 2003 , لم يكن هناك أي تحالف بين صدام حسين و\" القاعدة \", ولم تكن هناك أية جماعات إرهابية مرتبطة ب\" القاعدة \" في العراق. أما اليوم, وبفضل أعمال الإدارة الأميركية, أصبح العراق مركزا رئيسا لتدريب وتجنيد \" القاعدة \", وقد أعلن \" معهد التعليم القومي \" الأميركي أن \" القاعدة \" في العراق هي واحد من أكبر التهديدات للسلام والأمن الأميركيين. \r\n أهلا بحقيقة وواقع المحافظين الجدد! \r\n لقد كان مساعد بوش رفيع المستوى الذي تحدث عنه ساسكيند محقا على طول الخط. فعندما تتصرف امبراطورية ما, فهي توجد وتنشئ وقائع جديدة - أيا كانت للأفضل أم للأسوأ - وعلينا أن ندرس نحن تلك الوقائع الجديدة.. وأن نتعايش معها للأسف. \r\n \r\n روزا بروكس \r\n أستاذ القانون بجامعة جورج تاون الأميركية \r\n خدمة \" لوس أنجلوس تايمز \" خاص ب\" الوطن \"