فهناك بدائل عملية ممكنة، والنموذج الألماني من بينها. فألمانيا الآن واحدة من أسرع البلدان نمواً في منطقة اليورو. وهذا يعني أن ألمانيا تدير الأمور علي الوجه السليم. \r\n \r\n يتلخص ذلك في اكتساب المزيد من القدرة علي المنافسة في الأسواق العالمية. وبطبيعة الحال، لم تكتسب ألمانيا هذه القدرة عن طريق الصدفة، بل لقد كان ذلك نتيجة لإعادة هيكلة نظام الشركات علي نطاق واسع طيلة السنوات العديدة الماضية، الأمر الذي أدي إلي زيادة إنتاجية العمالة، ورفع استعداد النقابات العمالية لتقبل زيادات متواضعة في الأجور. \r\n \r\n لقد استغرق الأمر سنوات عديدة حتي تحول تحفظ النقابات العمالية إلي قدرة عالية علي المنافسة، إلا أن هذا هو ما حدث في النهاية. \r\n \r\n حتي في ظل هذه الفترة من التفاؤل المتزايد بشأن الاقتصاد الألماني، ما زالت النقابات العمالية تبدي قدراً كبيراً من الاعتدال. فمؤخراً أبدت \"آي جي ميتال\"، وهي النقابة الصناعية الأضخم في ألمانيا والتي تضم 3.4 مليون من العاملين في مجال تصنيع المعادن والإلكترونيات والسيارات، استعدادها لقبول زيادة سنوية في الأجور لا تتجاوز 3.3% عن العامين 2007 و2008 وهي التسوية التي تعتبر \"متوازنة ومعقولة\" علي وجه العموم. \r\n \r\n تستطيع نقابات القطاع العام أيضاً أن تؤثر علي مدي قدرة أي دولة علي المنافسة في الأسواق العالمية، ولو علي نحو غير مباشر. وفي السنوات الأخيرة أظهرت هذه النقابات أيضاً قدراً كبيراً من التعاون في ألمانيا، علي الرغم من بعض المخاوف بشأن صعوبة المفاوضات الخاصة بالأجور في العام القادم. \r\n \r\n إن النموذج الألماني يشكل قدراً عظيماً من الأهمية بالنسبة لفرنسا وساركوزي في هذه المرحلة الحاسمة. فبينما يزعم العديد من المحللين أن فرنسا تستطيع التحرك إلي الأمام بتبني النموذج الليبرالي الأنجلو أميركي الجديد، إلا أن نجاح ألمانيا يؤكد بوضوح أن المزاعم التي تقول إن نموذج السوق الحرة هو القادر فقط علي جلب الرخاء والازدهار ليست أكثر من ادعاءات زائفة. ذلك أن النظام الشركاتي المستنير، والذي تعمل النقابات في ظله بشكل كامل علي دعم أهداف النمو والمنافسة، قادر علي جلب الرخاء الاقتصادي فضلاً عن تقديم أنظمة أكثر ابتعاداً عن المركزية. (تشكل السويد مثالاً آخر يؤكد هذه الحقيقة). \r\n \r\n إنه لأمر في غاية الأهمية بالنسبة لساركوزي رجل السياسة الراغب في الإنجاز حقاً أن يدرك أن النموذج الألماني قابل للتطبيق في فرنسا بشرط تبني النمط السليم من الزعامة السياسية. أما تحويل فرنسا إلي صورة من أمريكا وهو المسار الذي لا يجد قبولاً إلا بين قِلة قليلة من الفرنسيين فهو مجرد حلم بعيد المنال ولن يقود فرنسا في النهاية إلا إلي الفشل والاضطرابات. \r\n \r\n هناك عدد من العلامات الأولية المشجعة التي تؤكد أن ساركوزي يتجاهل النداءات الصادرة عن معسكر الليبرالية الجديدة والمطالبة بإحداث تغيير ثوري. والحقيقة أن اختياره للرجل المعتدل فرانسوا فيلون رئيساً لوزراء فرنسا يؤكد اهتمامه بتحقيق نتائج حقيقية، وأنه يخطط لسلوك طريق التطور الطبيعي ولا يعتزم مصارعة طواحين هواء التغيير الثوري. \r\n \r\n من بين الدروس الأخري التي يتعين علي ساركوزي أن يتعلمها من ألمانيا أن دولة الشركات المستنيرة تحتاج إلي زعامة سياسية مشجعة ونقابات عمالية لينة العريكة. ولسوف نجد أن المستشارة الألمانية آنجيلا ميركيل لا تلقي الخطب الرنانة في الهجوم علي اليورو القوي ومسألة تفويض البنك المركزي الأوروبي بمسئولية استقرار الأسعار. \r\n \r\n بل إنها علي العكس من ذلك، تؤيد استقلال البنك المركزي الأوروبي، كما كانت حريصة علي إبلاغ النقابات العمالية والشركات الألمانية أنها ستضطر إلي التعايش مع عملة قوية وسياسة نقدية مضادة للتضخم. \r\n \r\n إلا أن هذا لا يعني أن ميركيل رأسمالية تؤيد نظام السوق الحرة فالقليل من الأدلة يشير إلي ذلك. بل إنها ببساطة تدرك أن الهجوم علي اليورو والبنك المركزي الأوروبي من شأنه أن يرسل إشارات غير سليمة إلي اقتصاد يحتاج إلي صيانة قدرته علي المنافسة. \r\n \r\n الحقيقة أن سلوك ساركوزي أثناء حملته الرئاسية كان مخزياً في هذا السياق. فقد كان دائم الإصرار علي تحميل اليورو القوي المسئولية عن ضعف أداء الصادرات الفرنسية، والتأكيد علي تفضيله لبنك مركزي أوروبي خانع سياسياً ولا تتجاوز صلاحياته النمو الاقتصادي واستقرار الأسعار. وكثيراً ما كانت الهجمات التي شنها علي جون كلود تريشيه رئيس البنك المركزي الأوروبي شرسة وذات طبيعة شخصية. \r\n \r\n فضلاً عن ذلك فإن هذا السلوك يتعارض مع الرغبة في تحسين قدرة فرنسا علي المنافسة. فما الذي يحمل الفرنسيين علي تطبيق إصلاحات مؤلمة ما دام زعيمهم المنتخب حديثاً قد وعدهم بحمايتهم من العملة القوية ومقاومة أي زيادة مستقبلية في أسعار الفائدة؟ ولم لا ينتظرون حتي يتمكن ساركوزي من تخفيض قيمة اليورو وإجبار البنك المركزي الأوروبي علي تخفيض أسعار الفائدة؟ \r\n \r\n يؤكد تريشيه أن ساركوزي قد عكس مساره منذ فاز بالانتخابات، وأنه لن يستمر في الضغط علي البنك المركزي الأوروبي لحمله علي توسيع نطاق صلاحياته. وإننا لنأمل أن يكون تريشيه مصيباً في هذا الرأي. \r\n \r\n إن ما أعلن عنه ساركوزي حتي الآن يتلخص في اعتزامه تخفيض الضرائب علي الدخل، وإصلاح النقابات التابعة للقطاع العام، وتقديم إعفاءات ضريبية عن العمل الإضافي. وهذه هي بالتحديد خطوات الإصلاح المتدرجة النافعة والعملية التي يتعين علي الرئيس الفرنسي الجديد أن يتبناها. \r\n \r\n كانت أول رحلة خارجية قام بها ساركوزي، بصفته رئيساً جديداً لفرنسا، هي زيارة المستشارة ميركيل. وإننا لنأمل أن يكون قد أنصت إليها بانتباه. ذلك أن قيام محور فرنسي ألماني جديد قادر علي جعل فرنسا أكثر قدرة علي المنافسة هو ما تحتاج إليه أوروبا في الوقت الحالي بالتحديد. \r\n \r\n \r\n \r\n حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2007. \r\n \r\n www.project-syndicate.org \r\n