\r\n ورغم مناشدة رئيس البرلمان للنواب بالتزام الهدوء والجلوس في مقاعدهم، فإن الصخب استمر دون هوادة لينفض الاجتماع بعد عشر دقائق إثر عجز رئيس البرلمان على فرض الهدوء. والأكثر من ذلك أنها ليست المرة الأولى التي يشهد فيها البرلمان مثل هذه الأحداث، بل هي المرة الثالثة في أقل من أسبوعين. كما أن الحادثة لم تكن مجرد ضريبة بسيطة للانتقال الديمقراطي، بل تعكس صورة جديدة عن واقع الانشقاقات التي يعيشها المشهد السياسي في نيبال، الذي مازال يتخبط للخروج من مرحلة التمرد \"الماوي\" وتأسيس قواعد جديدة لدولة ديمقراطية. \r\n وتُعزا هذه الانشقاقات، حسب المراقبين، إلى المظالم القديمة التي مازالت تشعر بها الجماعات العرقية والأقليات اللغوية المختلفة في البلاد والمكانة التي ستحظى بها داخل نظام خضع دائماً لسيطرة الطبقات العليا المتحدِّرة من منطقة التلال. يُشار إلى أن البرلمانيين الذين أثاروا ذلك الصخب في البرلمان وينتمون إلى سكان السهول في المناطق الجنوبيةالشرقية من البلاد، نظموا انتفاضة قمعتها الشرطة بقسوة. ويبدو أن الطبقة السياسية التي يشارك فيها \"الماويون\" بعد انضمامهم إلى الحكومة قد أُخذت على حين غرة بالنظر إلى كثرة الشكاوى التي يتعين معالجتها. وفي هذا الإطار صرح \"رام بوديل\"، وزير السلام والمصالحة في الحكومة قائلاً \"نحن في وضع سيئ\"، مضيفاً أنه لم يتوقع مواجهة مطالب كثيرة من أوساط عديدة بعد فترة وجيزة على استعادة الديمقراطية. وقد أوضح ذلك بقوله \"قد تكون تلك المطالب مشروعة، لكن لم يكن مفترضاً أن تخرج بهذه القوة\". \r\n وكأن المشاكل لا تنتهي في هذا البلد حديث العهد بالديمقراطية فقد جرت في اليوم التالي على حادثة البرلمان أمور فاقمت من الصعوبات التي تواجهها الحكومة. فعندما حاول الوزير \"بوديل\" التحدث أمام حشد من الناس في إحدى الساحات بالعاصمة تخليداً لذكرى استرجاع الحكم الديمقراطي، رشقه البعض بقنينات المياه الفارغة وصرخوا في وجهه. وفي الساحة التي شهدت الحادثة المؤسفة تجمهر مجموعة من الشبان المنتمين إلى عصبة الشباب الشيوعي التي كانت تحارب النظام في السابق. أما اليوم فهم يقولون إن مهامهم الجديدة التي أوكلت إليهم هي حفظ الأمن كإنهاء الهياكل غير القانونية، وتنظيم حركة المرور وملاحقة رجال العصابات، فضلاً عن التصدي لما يطلقون عليه \"القوى الرجعية\". وهو ما يعني في بعض الأحيان تعطيل الاجتماعات السياسية للقوى الحزبية الأخرى، أو مضايقة الخصوم السياسيين. وتأتي هذه الحوادث في خضم التطورات المتسارعة التي تشهدها نيبال، حيث اضطر، قبل عام من هذا التاريخ، الملك \"جيانيندرا\" الذي فرض سيطرة مطلقة على الدولة، إلى إرجاع الحكومة إلى برلمان منتخب تحت ضغط المظاهرات الحاشدة التي اجتاحت الشوارع. \r\n وعقدت الحكومة المنبثقة عن البرلمان المنتخب صفقة مع المتمردين \"الماويين\"، منهية بذلك حرباً دامت 11 عاماً، مقابل قيام \"الماويين\" بتسريح المقاتلين ووضع السلاح تحت مراقبة الأممالمتحدة. بعد ذلك تم وضع دستور جديد، ثم تسلمت حكومة انتقالية إدارة الدولة شارك فيها \"الماويون\" أنفسهم بعدما قايضوا القتال ببدلات الشيوعيين المعروفة. وعلى امتداد السنة الماضية تم التخلص من الرموز القديمة، حيث صيغ نشيد وطني جديد، وتم حذف عبارة \"ملكي\" من اسم القوات المسلحة النيبالية، ومن شركة الطيران التي تملكها الدولة، كما تعهدت الحكومة بفرض ضرائب على ممتلكات الملك. ويبقى الموضوع الأهم الذي يثير مشاكل عديدة هو انتقال الدولة إلى النظام الفيدرالي مع ضمان نوع من الاستقلال الذاتي للجماعات العرقية في البلاد. ويعتبر هذا الموضوع مصدراً دائماً لعدم الاستقرار، لاسيما في ظل المظاهرات الحاشدة التي تنظمها الجماعة العرقية في جنوب شرق البلاد التي تشتكي من أن أهالي التلال يمارسون التمييز ضدهم. \r\n ومع أن المشاكل الحالية لا ترقى إلى خطر اندلاع نزاع أهلي بين المناطق المختلفة في نيبال، إلا أن الأسئلة الوجودية ما فتئت تتناسل من قبيل: ما هي نيبال الجديدة؟ وماذا يعني أن ينتمي الشخص إلى نيبال؟ وقد أدى السجال المحتدم حول هذه القضايا إلى إهدار موعد مهم في عملية السلام إثر تأجيل موعد إجراء انتخابات كانت مقررة في شهر يونيو المقبل إلى أجل غير مسمى. وقد حدد الهدف من هذه الانتخابات في اختيار أعضاء جدد في البرلمان وإعادة كتابة الدستور المتوقع أن يفصل في العديد من المواضيع ومن ضمنها ما إذا كان يتعين على نيبال الحفاظ على الملكية، أم إلغاؤها. ويعتبر إلغاء الدستور الحالي أحد المطالب المهمة التي يركز عليها \"الماويون\" المشاركون في الحكومة باعتباره الخطوة التي تحدد الطابع \"الجمهوري\" للبلد كما يطمحون. وقد تعهد \"الماويون\" باستئناف ما يسمونه حركتهم الشعبية لتحقيق مطالبهم، لكن بطريقة سليمة هذه المرة خوفاً من تدخل الملك. وفي هذا السياق يقول \"بابورام باتاري\"، وهو أحد أعضاء الحزب الشيوعي النيبالي: \"إن التحدي الأساسي الذي يواجهنا هو عودة رموز القوى الرجعية، لأنهم سيديرون عجلة التاريخ إلى الوراء\". وفي تصريحات أدلى بها عضوان في الحكومة النيبالية أشارا إلى احتمال تنظيم الانتخابات التشريعية المؤجلة في شهر نوفمبر المقبل عندما تسمح بذلك الأجندة الاجتماعية المضطربة والرزنامة المناخية القاسية في ذلك الوقت من السنة. \r\n \r\n سوميني سينجوبتا \r\n مراسل \"نيويورك تايمز\" في نيبال \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\" \r\n \r\n