\r\n فقد اقترح ساركوزي، على سبيل المثال، إنشاء وزارة للهجرة والهوية الوطنية. على نحو مماثل، وعلى الرغم من حرص رويال على التمييز بين الحس الوطني والنزعة القومية، إلا أنها تنجرف بعيداً عن مبدأ الأممية الدولية الذي اعتنقه الحزب الاشتراكي منذ أمد بعيد، فتدافع عن "البؤساء" وتقترح أن كل المواطنين لا بد أن يحملوا الأعلام الفرنسية في اليوم الوطني. أما بايرو فإنه ينتقد "الهوس القومي" لدى منافسيه، إلا أنه يؤيد إلغاء حق الحصول على الجنسية الفرنسية بالمولد بالنسبة للقادمين من جزيرة مايوتي الفرنسية، وذلك بسبب تدفق أعداد هائلة من النساء الحوامل إلى الجزيرة. \r\n \r\n ومن جانبه، أعرب زعيم أقصى اليمين جون ماري لوبان عن سعادته البالغة بهذا التطور. الحقيقة أن الحوار بشأن الهوية الوطنية ليس بالشيء الجديد. إلا أن المشكلة تكمن في أن الهوية الفرنسية كانت تتألف دوماً من عناصر متناقضة، بل ومتخاصمة في بعض الأحيان، مثل التقاليد الكاثوليكية والعلمانية الفرنسية، والإيديولوجية الثورية والميل إلى المحافظة، والمظاهر الثقافية لمواطنيها من القرويين وأبناء الطبقة العاملة. \r\n \r\n كان المؤرخ إرنست رونان، وهو أول من فكر في مسألة الهوية الوطنية في أعقاب هزيمة فرنسا في الحرب الفرنسية البروسية في العام ،1871 قد دافع عن الأمة باعتبارها "روحاً واحدة" مؤلفة من شقين. الشق الأول يتلخص في "الميراث الخصب من الذكريات" الذي يضرب بجذوره في الماضي، أما الشق الثاني الذي يرتبط بالحاضر وتمهيد الطريق إلى المستقبل، فإنه يتألف من الإرادة المشتركة من جانب المواطنين لبناء حياتهم المشتركة معاً. ولقد أعطى رونان أولوية كبرى لهذه الإرادة في الحياة المشتركة التي تسمو فوق أي تعريف عرقي وتضع الفكرة الفرنسية عن الأمة في تباين مباشر مع فكرة "أمة الشعب" التي تكاد تكون عنصرية، والتي هيمنت على التقاليد الألمانية. \r\n \r\n واستناداً إلى وجهة النظر هذه فإن الهوية الوطنية تشكل "مفهوماً روحانياً" يعتمد على التاريخ المشترك ومجموعة من القيم. وبعض هذه القيم راسخ في نوع من المسيحية العلمانية، وبعضها الآخر في المعتقدات الثورية التنويرية المرتبطة بحقوق الإنسان، والمساواة، واللغة الفرنسية، والمدارس العلمانية، وفكرة مسؤولية الدولة عن المصالح المشتركة وتطبيق المبادئ الجمهورية. \r\n \r\n وهذه النظرة إلى الهوية الوطنية التي تسمو على العرق، واللون، والأصل، والدين هي التي أصبحت محلاً للنزاع الآن. وتتغذى أزمة الهوية التي تؤرق فرنسا الآن على اقتران وتزامن العديد من العوامل: العولمة وما نتج عنها من شكوك، والاتحاد الأوروبي الذي يقلص من حريات الزعامات الوطنية، والهيمنة الاستراتيجية الأمريكية التي أدت إلى تراجع الموقف الفرنسي في العالم، ونهوض القوى الآسيوية. \r\n \r\n وكل هذا يشكل تحدياً خطيراً للمفكرين الذين يستهزئون أحياناً بفكرة الأمة ذاتها، فيزعمون أننا نسكن الآن عالم "ما بعد القومية". وهم يرون أن الهوية الوطنية لا بد وأن تُهجر لمصلحة الهوية الأوروبية، حتى ولو لم يكن الشعور بالانتماء إلى أوروبا راسخاً بين شعوب الاتحاد الأوروبي. \r\n \r\n إلا أننا على النقيض من ذلك، سنجد أن الارتباط بين الهوية والهجرة، الذي امتنع أقصى اليمين عن الاعتراف به منذ أمد بعيد، ما زال قوياً، فضلاً عن الحدة المتزايدة التي تكتسبها هذه القضية بسبب عجز فرنسا عن انتهاج سياسة فعّالة لاستيعاب المهاجرين من إفريقيا وإدماجهم في المجتمع الفرنسي. ولكي يزداد الطين بلة، فعلى الرغم من انحصار الدين والثقافة تاريخياً في الحيز الشخصي في فرنسا، إلا أن بعض المطالب الدينية قد أقحمت نفسها الآن على الحياة العامة، كما أثبت النزاع بشأن ارتداء الفتيات المسلمات لغطاء الرأس في المدارس. \r\n \r\n والآن تطفو إلى السطح مشكلة الارتباط بين الهوية الوطنية والتعددية الثقافية، على نحو يكاد يكون متماثلاً في المملكة المتحدة، وهولندا، والدنمارك وهي البلدان التي اختارت سياسة التعددية الثقافية منذ أمد بعيد، على النقيض من فرنسا. وفي الولاياتالمتحدة، الدولة التي تشتمل على جاليات ضخمة من المهاجرين، نجد أن المجتمعات قادرة على صياغة هوية ثقافية قوية وحس وطني راسخ عميق. وكانت هذه هي الحال في فرنسا، التي شيدت بفضل موجات متعاقبة من الهجرة. إلا أن التكامل في فرنسا، على النقيض من الولاياتالمتحدة، لا يقوم على الاستيعاب بل على الرغبة في تعزيز التجانس حيث تتوحد الأمة في "كيان واحد لا يتجزأ". \r\n \r\n اليوم، وفي هذا العالم الذي تغير بفعل العولمة، أصبح لزاماً على فرنسا أن تواجه ذلك التحدي العصيب المفروض عليها، والذي يتلخص في صيانة المبادئ التي تشكل صميم الهوية الفرنسية، وفي الوقت نفسه تلبية رغبة بعض مواطنيها الجدد في الاحتفاظ بهويتهم الخاصة، والتي قد تتعارض في بعض الأحيان مع هذه المبادئ. إن الحوار القائم اليوم بشأن الهوية الوطنية ينبع في الأساس من هذا التوتر، وعلى هذا فليس من المدهش أن تتحول مسألة الهوية الوطنية إلى قضية مركزية للحملة الانتخابية. إلا أننا في هذه المناقشة نجازف بالقيم التي بَنَت فرنسا، بل والقيم التي بَنَت والتي سوف تظل تبني أوروبا. \r\n \r\n \r\n \r\n * مؤلف كتاب "مائة كلمة وكلمة عن الديمقراطية الفرنسية"، وهو عضو في مجلس الدولة وأستاذ بمعهد الدراسات السياسية في باريس. والمقال ينشر بترتيب مع "بروجيكت سنديكيت" \r\n