السؤال الكبير الذي يطرح نفسه هو: لماذا اخذت اميركا كل هذا الوقت الطويل من اجل التحرك ضد ايران مع العلم ان الانشطة الايرانية ليست وليدة الأمس بل بدأت مع غزو القوات الاميركية للعراق؟ \r\n \r\n كان العراق على الدوام هدفا رئيسيا للاجهزة الاستخبارية الايرانية منذ الخمسينيات في زمن الشاه الراحل محمد رضا بهلوي واستمر ذلك الى عهد الجمهورية الاسلامية التي اطاحت بالشاه في عام 1979. علاقات ايران القوية والموجودة منذ زمن طويل مع شيعة العراق بطش بها صدام حسين وكانت ايران على الدوام هي الملاذ الذي يلجأ اليه الشيعة الذين حملوا السلاح في وجه صدام. \r\n \r\n عندما سقط نظام صدام حسين في ابريل 2003 انهار الأمن على طول الحدود العراقية-الايرانية البالغة 1200 كيلومتر وصحب ذلك تغلغل ايراني واسع النطاق في العراق. ففي سبتمبر 2003 على سبيل المثال اعتقلت قوات الأمن العراقية 12 مشتبها به ايرانيا في بغداد قيل إنهم كانوا يخططون لشن هجمات بالقنابل. في أغسطس 2004 اعتقل 30 من الايرانيين كانوا يقاتلون الاميركيين الى جانب ميليشيا مقتدى الصدر في جنوب العراق. قبل ذلك ضبطت شاحنتان محملتين بالاسلحة كانتا مرسلتين الى احدى الميليشيات قرب الحدود الايرانية. \r\n \r\n من الواضح ان الاستخبارات الايرانية لها اصدقاء كثيرون في الكثير من المناصب العليا في العراق. والاعتقالات الأخيرة تؤكد ذلك والغريب انه كلما مارست اميركا ضغوطا اقتصادية وعسكرية ودبلوماسية اكبر على ايران ازداد تقرب الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة في العراق من ايران. \r\n \r\n يقول كينت كاتزمان وهو متخصص في شؤون الشرق الأوسط «الهدف الاساسي لاستراتيجية ايران في العراق هو فرض سيطرتها على الحكومة من خلال الحركات الاسلامية الشيعية التي يمكنها من وجهة نظر ايران ان تزاوج ما بين السياسة الخارجية العراقية والايرانية». \r\n \r\n الغريب ان الحملة الايرانية لزعزعة الاستقرار في العراق لقيت القليل من الاهتمام خارج المنطقة. كانت تحدث بعض عمليات الاعتقال من حين لآخر، ولكن من الواضح ان العملاء الايرانيين كانوا يعملون تحت وهم ان الولاياتالمتحدة ليست راغبة في استعداء ايران في الوقت الذي كان يحاول الغرب اقناعها بالتخلي عن طموحاتها النووية. \r\n \r\n ولكن اتخاذ موقف متشدد تجاه ايران اصبح ضروريا عندما قرر الرئيس بوش ضمن مبدأ «التصعيد» الذي اخذ به ان يتحرك ضد الميليشيات الشيعية التي كانت تذبح المسلمين السُنة وتعوق الجهود الاميركية لاستقرار العراق. ولا يخفى على احد ان هذه القوات كانت تتلقى الدعم والتمويل من حكومة طهران أو العناصر المتشددة فيها مثل الحرس الثوري وبالتالي اصبحت الاجواء مهيأة لسماع قعقعة السلاح. البعض في الكونغرس يتخوف من ان يطلق ذلك شرارة الحرب مع ايران مباشرة أو من خلال دفع ايران لتحريك مؤيديها أو وكلائها لخوض معارك بالنيابة عنها مع الولاياتالمتحدة واسرائيل في الاراضي الفلسطينية ولبنان. \r\n \r\n لقد اتخذ بوش موقفا متشددا من ايران ولكن: الى أي حد يمكنه الذهاب في ذلك؟ الاجابة عن هذا السؤال لا تزال غامضة. \r\n \r\n وينكر وزير الدفاع الاميركي الجديد ان يكون قد تم اقرار أي خطط لشن هجمات عسكرية ضد ايران، ولكن في ظل ارسال المزيد من القوات الى المنطقة وارسال انظمة الصواريخ المضادة للصواريخ الى الدول العربية الحليفة في الخليج فانه لا يخفى على أحد ان الصراع يمكن ان يتصاعد في أي لحظة ليتحول الى حرب بين الطرفين. \r\n \r\n يقول مارتن انريك مساعد وزير الخارجية السابق والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط «سيكون لذلك تداعيات خطيرة. ومادام الرئيس خلع قفازيه فانني اعتقد ان الايرانيين ايضا سيخلعون قفازاتهم». \r\n \r\n تقول كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الاميركية ان الرئيس أمر قبل عدة اشهر بالتحرك ضد اجهزة الاستخبارات الايرانية الناشطة في العراق على اعتبار ان تلك الاجهزة كانت تقدم العون لشن الهجمات ضد الاميركيين ويقول المسؤولون الاميركيون ان حوالي 200 جندي اميركي وبريطاني قتلوا وجرح حوالي 600 جندي آخر نتيجة لانفجار العبوات الناسفة المتطورة المصنعة في ايران والتي تهرب الى العراق عبر المستنقعات الجنوبية وعلى طول نهر دجلة. \r\n \r\n وبالرغم من انه لا توجد أدلة قوية على مشاركة الايرانيين في شن أي هجمات الا ان ادارة بوش صعدت في 26 يناير من مواقفها لتشمل الترخيص بقتل افراد اجهزة الاستخبارات الايرانية اذا ما وجدوا وهم ينشطون في العراق. \r\n \r\n خلال الأشهر الماضية تداولت الصحف الكثير من التقارير عن أسر القوات الاميركية لعملاء ايرانيين في العراق، الا ان واشنطن لم تؤكد ذلك ابدا. ويقال انه تم استجواب أولئك العملاء وأخذ بصماتهم واجراء تحليل الحمضي النووي لهم قبل اطلاق سراحهم بهدوء. ظهرت قضية العملاء الايرانيين النشطين في العراق بقوة الى السطح في ديسمبر عندما تم الاعلان عن اعتقال خمسة من الايرانيين في غارتين شنتا على بغداد في 24 ديسمبر وغارتين أخريين شنتا داخل مدينة أربيل الكردية الواقعة في شمال العراق في 11 يناير وأدت الى اعتقال ستة ايرانيين. \r\n \r\n حسبما ذكر «حزب الدعوة» وهو اقدم حزب اسلامي في العراق ويرتبط بعلاقات قوية مع ايران فان الايرانيين الذين اعتقلوا كانوا ضباط ارتباط بين مجلس الأمن القومي الايراني ومنظمة بدر الجناح العسكري للمجلس الأعلى للثورة الاسلامية في العراق وهو من أكثر الجماعات الشيعية قوة ونفوذا. \r\n \r\n خلال الغارات التي شنها الأميركيون على بغداد، ذكرت أجهزة الاستخبارات الاميركية انها عثرت على خطط شن هجمات من قبل اعضاء من انصار السُنة وهي جماعة جهادية سُنية ظهرت في المنطقة الكردية العراقية على انقاض منظمة انصار الاسلام التي كانت ترتبط بعلاقات مع طهران قبل الغزو الاميركي في مارس 2003. ولا تزال جماعة انصار السُنة تنشط داخل المنطقة الكردية في شمال العراق. \r\n \r\n الاتحاد الوطني لكردستان وهو احد تنظيمين كرديين رئيسيين ويرأسه جلال الطالباني أول رئيس غير عربي للعراق كان له على الدوام ارتباطات بايران ومع النخبة الاستخبارية فيها وهذه العلاقة تعود الى ايام التمرد ضد النظام البعثي. اثنان من الايرانيين الخمسة الذين ألقي القبض عليهم في بغداد في ديسمبر حضروا الى العراق بدعوة رسمية من الطالباني وهذا يفسر لنا سبب غضبه على اعتقالهم. \r\n \r\n تنفي ايران الاتهامات الاميركية وليس من الواضح ما اذا كانت الغارات الاميركية قد أدت الى تراجع الأنشطة الايرانية. المسؤولون الاميركيون يشكون في ان العملية التي ادت الى مقتل خمسة جنود اميركيين في 20 يناير والتي قام بها مهاجمون يرتدون الزي العسكري الاميركي تمكنوا من التسلل الى مجمع اميركي آمن في كربلاء جاءت كعملية انتقام للاعتقالات التي تمت للايرانيين في بغداد وأربيل. واذا كان ذلك صحيحا فانه يمثل ردا ايرانيا ولمرة واحدة. \r\n \r\n التورط الايراني في كربلاء يحمل في طياته مخاطر التصعيد الذي ربما ينزلق الى وضع لا يمكن السيطرة عليه ليصل في النهاية الى حرب شاملة بين البلدين. ومن غير المحتمل ان تسعى القيادة الايرانية للدخول في مواجهة مع الولاياتالمتحدة بالرغم من الورطة العسكرية الاميركية في العراق. \r\n \r\n تعتقد طهران ان الزمن في صالحها اذا قررت ادماء أنف الولاياتالمتحدة، ولكن اذلال الولاياتالمتحدة من خلال شن الهجمات عليها في العراق يحمل في طياته مخاطر الكشف عن البنية التحتية الاستخبارية الايرانية القوية في العراق وهو أمر تتجنبه طهران وان كان مغريا لها. \r\n \r\n والحقيقة ان الولاياتالمتحدة في العراق تجد الآن نفسها تخوض حربا تدافع فيها عن نظام يسيطر عليه الشيعة ويرى نفسه ومستقبله من خلال وجود تعاون وعلاقة قوية مع طهران التي تصفها ادارة بوش بأنها احدى دول «محور الشر». \r\n