\r\n \r\n وبأنه في حال غياب \"السلام الأميركي\"، فإن البديل سيكون الفوضى. بيد أن التصرفات الأخيرة للرئيس الفنزويلي هوجو شافيز تشكل المثال الأوضح على المتغيرات الجديدة التي بات يواجهها صناع السياسة الخارجية الأميركية على مستوى العالم. ومع ذلك، ولأسباب متعددة فمن غير المرجح أن يتسلم هوجو شافيز شعلة قيادة العالم حتى وهو يبشر بثورته التي ستكتسح أميركا اللاتينية بالتعاون مع بعض الأطراف الدولية الأخرى. \r\n وكضابط سابق في الجيش كان شافيز وراء العملية الانقلابية الفاشلة ضد حكومة \"كارلوس أندري بيريز\" الفاسدة. لذا يبدو أقرب إلى الصورة النمطية للرجل العسكري في أميركا اللاتينية الذي يتحول إلى سياسي شعبوي منه إلى زعيم ثوري من طراز فيديل كاسترو. ومع إحكام شافيز لقبضته على مقاليد الحكم واحتكاره للقرار السياسي في فنزويلا بدأت نبرة خطابه تعلو قليلاً ليتبنى أكثر المفاهيم اليسارية تحجراً بما في ذلك تلك التي لم يعد يذكرها حتى أنصار اليسار أنفسهم. وهكذا يستلهم شافيز مقولة \"شي جيفارا\" أن الثورة الكوبية ستقود إلى انبثاق \"الإنسان الجديد\"، ليستنتج أن الثورة البوليفارية في أميركا اللاتينية ستفضي إلى \"انبثاق أخلاقي\" جديد لبلدان أميركا الجنوبية. ولا يتردد شافيز في تشبيه نظامه بتجربة \"كومونة باريس\" الثورية في القرن التاسع عشر، ولا في التباهي بأنه سيرسل نسخة من كتاب كارل ماركس الشهير \"رأسمال المال\" إلى أسقف العاصمة كاركاس. \r\n وفي خطاباته كثيراً ما يستحضر شافيز الشخصيات العالمية المناهضة للعولمة من رموز اليسار مثل المثقف الأميركي \"نعوم تشومسكي\"، والمفكر الاجتماعي الفرنسي \"بيير بورديو\"، فضلاً عن \"أنتونيو نيجري\"، المنظر الرئيسي ل\"الألوية الحمراء\" الإيطالية. وإذا كان هذا الخطاب ملائماً أكثر للمظاهرات المناهضة للعولمة مثل \"المنتدى الاجتماعي العالمي\"، إلا أنه لا يلائم التصريحات العلنية لرئيس دولة. ويبدو أن تصرفات شافيز الأخيرة بدأت تواكب خطابه، حيث أعلن مباشرة بعد تأمينه لولاية رئاسية ثانية خلال شهر ديسمبر الماضي عن خططه لتأميم الصناعة النفطية الفنزويلية، بالإضافة إلى أكبر شركة اتصالات في البلاد. وبالنسبة للعديد من المراقبين خارج أميركا اللاتينية تفتقد تلك التصريحات المنطق السليم. ونظراً لخطابه الغريب على آذان الأميركيين فإن الكثيرين منهم لا يعيرونه أدنى اهتمام، معتبرين أنه مجرد سياسي شعبوي تجاوز حده قليلاً. أليس شافيز من مناصري نظرية المؤامرة الذين يعتقدون بأن هجمات 11 سبتمبر ما هي سوى خطة حاكتها إدارة الرئيس بوش لتبرير حربها على العراق؟ ألم يثنِ شافيز أيضاً في مناسبات عدة على الرئيس الإيراني \"محمود أحمدي نجاد\" وزار إيران خمس مرات، ما حدا بالرئيس الإيراني إلى القيام بجولة في أميركا اللاتينية حملته إلى كاركاس طبعاً؟ \r\n ويرجع الشعور السائد لدى الأميركيين بأن شافيز ليس عادياً بمقاييس عصرنا هذا إلى تأييده المتحمس لنظام اقتصادي على الطراز السوفييتي القديم. فهو يعارض تماماً المقولات الاقتصادية الحديثة من أن أية دولة، شاءت أم أبت، باتت مرتبطة بالاقتصاد العالمي ولا تستطيع فك نفسها عن شبكة الاقتصاد العالمي. والأكثر من ذلك يصر شافيز على أنه بصدد بناء فنزويلا اشتراكية في أميركا لاتينية اشتراكية بصرف النظر عن العولمة الاقتصادية وما تفرضه من ضرورات الانفتاح. وبالنسبة لبعض خصومه تعتبر سياسة شافيز بمثابة حرب دونكشوتية تسعى إلى استعادة الأنظمة البائدة وتطبيقها في القرن الحادي والعشرين. وبانتقال شافيز من لغة الخطابة إلى تنفيذ تصوراته على أرض الواقع يكون قد بدأ رحلة النهاية، حسب هذا التحليل. لكن مع ذلك يتعين عدم التقليل من شأنه في ظل الشعبية المتنامية التي يتمتع بها في أميركا اللاتينية وتحوله إلى رمز يحترمه العديد من الأشخاص في العالم، لاسيما الذين ينظرون إلى أميركا باعتبارها مصدر التهديد الأول للسلام العالمي بدل أن تكون حاميته الأولى. \r\n والواقع أن شافيز أصبح يلعب في سنة 2007 الدور ذاته الذي لعبه فيديل كاسترو في 1967، بحيث يبدو أن العالم، سواء بقدوم العولمة، أو بدونها، لم يتغير عما كان عليه في السابق. وبالطبع فليس واضحاً بعد ما إذا كانت الشيوعية في كوبا ستستمر في الحياة بعد رحيل فيديل كاسترو، خاصة وأن كوبا تعتمد في اقتصادها على ما توفره لها فنزويلا من نفط مدعوم تماماً كما كان يفعل معها الاتحاد السوفييتي من قبل. لكن من جهة أخرى يواصل اليسار في أميركا اللاتينية مساره إلى السلطة، حيث انضم مؤخراً الرئيس الجديد للإكوادور \"رفائيل كوريا\" ليس فقط إلى شافيز، بل أيضاً إلى \"إيفو موراليس\" في بوليفيا و\"دانيال أورتيجا\" في نيكارجوا. ومن اللافت حقاً أن ينضم إليهم الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، رغم أنه بعيد كل البعد عن الفكر اليساري، وليس بالضرورة معادياً للرأسمالية. \r\n وفي جميع الأحوال لم تكن حظوظ أميركا في يوم من الأيام قوية للبقاء لوحدها على الساحة العالمية. فالتاريخ يعلمنا أنه كلما انفردت قوة بمقاليد الأمور في العالم، كلما تحالفت ضدها قوى عالمية أخرى تسعى إلى مزاحمتها. \r\n \r\n كاتب ومحلل سياسي أميركي \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\" \r\n