\r\n ومن المعروف أن المسائل العسكرية الخاصة بالقارة الأفريقية يتم الإشراف عليها في الوقت الراهن بواسطة ثلاث قيادات هي: قيادة القوات الأميركية في أوروبا، وقيادتها في المحيط الهادئ، وقيادتها المركزية في الشرق الأوسط. \r\n وإنشاء قيادة للقوات الأميركية في أفريقيا لتضاف إلى خمس قيادات إقليمية أميركية أخرى تنتشر في مختلف أنحاء العالم يمثل هدفاً يقل بكثير عن الحلم الذي كان رامسفيلد قد عبر عنه أمام طائفة من كبار مساعديه بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وهو إنشاء قيادة أميركية تكون لديها القدرة على تغطية الأمن الداخلي في الولاياتالمتحدة الأميركية بالإضافة إلى الإشراف على الشؤون العسكرية في كندا والمكسيك وقارة أميركا اللاتينية الهادئة استراتيجياً في الوقت الحالي. \r\n وقد تم إحباط مشروع تلك القيادة- الحلم بواسطة المناورات الداخلية، والمصالح الخاصة المتضاربة داخل أروقة المؤسسة العسكرية، التي لم تكن ترغب في رؤية القيادة المركزية الجنوبية في ميامي وقد جرى تقليصها. \r\n بيد أن هناك أصواتاً عديدة قد ارتفعت في الولاياتالمتحدة منبهة إلى الأهمية الاستراتيجية لأفريقيا، وإلى المخاطر التي يمكن أن تنتج عن تحولها إلى أرض لتفريخ الإرهاب. \r\n بالنسبة لي كخبير عسكري، فإن القول إن أفريقيا تمثل أهمية استراتيجية ليس إلا \"اكليشيه\" من ضمن \"اكليشيهات\" يتم تداولها من وقت لآخر في عالم \"البنتاجون\" الراكد. فإنشاء قيادة أميركية عسكرية جديدة في القارة الأفريقية سيكون له تأثير عكسي، ولن يؤدي إلى تعزيز الأمن الدولي كما يتخيل من ينادون بذلك. \r\n قد يجوز لنا أن نركز الاهتمام على أفريقيا أكثر مما نقوم به حالياً، أما إرسال جنرال أميركي مدجج بالأوسمة لتولي تلك القيادة، فسيرسل الرسالة الخطأ لدول وشعوب القارة. \r\n إن إنشاء قيادة للقوات المسلحة الأميركية في أفريقيا سيجعلنا نكرر الخطأ نفسه، الذي وقعنا فيه في العراق، وهو الدخول إلى منطقة من المناطق ثم عدم القدرة على الخروج منها بعد ذلك. \r\n على الرغم من كل المحاذير، فإن رامسفيلد وزير الدفاع المنصرف أكد أن المتوقع هو أن يتم الانتهاء من تكوين القيادة العسكرية الجديدة في أفريقيا خلال شهرين. \r\n ومن المقرر حسب ما علمت أن تتم إضافة قيادة القوات المسلحة الأميركية في أفريقيا إلى القيادات العسكرية الأميركية الخمس القائمة الآن بالفعل وهي: القيادة المركزية المسؤولة عن الشرق الأوسط والقرن الأفريقي، والقيادة الأوروبية المسؤولة عن أوروبا وروسيا وأفريقيا جنوب الصحراء، والقيادة الشمالية المسؤولة عن الولاياتالمتحدةوكندا والمكسيك، وقيادة المحيط الهادئ المسؤولة عن قارة آسيا والمحيط الهندي (والجزر الواقعة قبالة ساحل أفريقيا الشرقي، والقيادة الجنوبية المسؤولة عن أميركا اللاتينية والكاريبي). \r\n وهناك إلى جانب ذلك أربع قيادات عاملة يرأس كلاً منها جنرال بأربع نجمات هي: قيادة العمليات الخاصة، القيادة الاستراتيجية، والقيادة المنوط بها تنفيذ استراتيجية تغيير شكل القوات المسلحة الأميركية، وقيادة القوات المشتركة. وكلها قيادات ذات مسؤوليات عالمية. \r\n وفكرة إنشاء قيادة جديدة في قارة أفريقيا برزت بعد تزايد التواجد الأميركي في منطقة القرن الأفريقي، واتخاذه شكلاً منتظماً، بغرض الحيلولة دون انتقال العناصر الإرهابية بين شبه الجزيرة العربية والقارة الأفريقية. \r\n حول هذه النقطة علق الجنرال \"بيتر بايس\" رئيس هيئة الأركان المشتركة في تصريح له في شهر سبتمبر الماضي: \"إن الإرهابيين يريدون إعادة إنشاء خلافة إسلامية لهم في القارة الأفريقية وفي بعض أجزاء آسيا ونحن بحاجة لأن نعد أنفسنا بطريقة تجعلنا قادرين على مواجهة هذا التحدي\". \r\n ويضيف بايس: \"أعتقد أن إنشاء قيادة لأفريقيا هو أنسب طريقة للتصدي لهذه المسالة\". \r\n يذكر أن الولاياتالمتحدة الأميركية، كانت قد قامت عام 2002 بإنشاء \"قوة واجب مشتركة وموحدة للقرن الأفريقي\" في معسكر \"ليمونيه\" في جيبوتي. ومنذ ذلك الحين، فإن قيادة تلك القوة التي يرأسها جنرال بثلاث نجمات، أشرفت على عملية تدوير القوات الأميركية أي حضورها للقاعدة واستمرارها في الخدمة لفترة ثم إعادتها إلى الوطن وإحلالها بقوات أخرى. \r\n ويلاحظ أن معظم العمليات التي قامت بها تلك القوة تمت في معظمها في الصومال وكذلك في أثيوبيا وكينيا. \r\n وفيما بعد، تم تعزيز هذه القوة من خلال إنشاء قوة مهمة أخرى في القارة الأفريقية، تعمل بشكل خاص في منطقة ساحل شمال أفريقيا. \r\n والجهد الرئيسي للقوة الأخيرة، يتركز على تدريب القوات المحلية وتقديم المشورة لحكومات الدول الواقعة في تلك المنطقة، ولكن تزايد الوجود العسكري الأميركي هناك بالتدريج وانتظامه، خلق حاجة فيما بعد لنشر قوات عمليات خاصة واستطلاع وقتال انخرطت في عمليات مضادة للإرهاب، وعملت بشكل وثيق مع أجهزة استخبارات وقوات بعض الدول الصديقة في المنطقة. \r\n يُشار إلى أنه عندما طلب رامسفيلد من المؤسسة العسكرية العام الماضي تقديم بدائل أو خيارات لتعزيز الوجود العسكري الأميركي في القارة الأفريقية فإن \"بناة الإمبراطورية\" اختاروا البديل الأكبر والأعقد والأشد احتياجاً إلى الموارد، على الرغم من أن ذلك يتنافى مع الرغبة التي كان رامسفيلد لا يني عن التعبير عنها وهو أنه يفضل قوات أميركية خفيفة وسريعة الحركة. \r\n قصارى القول إن إنشاء قيادة للقوات الأميركية في أفريقيا سيرسل الرسالة الخطأ. فنحن سنبني قيادة عسكرية تكلف أموالاً طائلة في مكان جديد، ثم نزودها بالرجال، ثم نقوم ببناء قواعد قريبة منها، ثم ننظم الاجتماعات والمؤتمرات، ثم ننفذ التدريبات ومن بعدها العمليات هناك. \r\n وكل ذلك سيجعل خبراءنا العسكريين يشعرون بالرضا لأنهم قد فرضوا رؤيتهم في النهاية بيد أن خصومنا والمتشككين في القوة الأميركية بشكل عام، سيرون أن تلك القيادة ما هي إلا مثال آخر في طور التشكيل على نمط التفكير الأميركي الإمبراطوري الساعي للهيمنة. \r\n \r\n ويليام إم. اركين \r\n كاتب أميركي متخصص في الشؤون العسكرية \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n