\r\n \r\n وهذا توصيف يعكس صورة مميزة للرئيس بوش وكأنه جالس في مكتبه محاط بالأفكار والخيارات المتنوعة ينتقي منها ما يلائم إدارته، وكله أمل أثناء ذلك، بأن الحل إنما يكمن في أحد تلك الخيارات الكثيرة الموضوعة على طاولته. لكن لسوء حظ الرئيس الأميركي فهو لن يجد أمامه خيارات أفضل مما طرحه تقرير \"مجموعة دراسة العراق\"، حيث إن الخيارات باتت محدودة ولا تتسع لرجاء إدارته في العثور على حلول سحرية تنتشل أميركا من العراق بأقل الخسائر الممكنة. \r\n ولم يبق سوى خطوات يائسة في النزع الأخير تظهر فجأة في محيط بوش وإدارته من قبيل ما أعلن عنه يوم الثلاثاء الماضي من أن البنتاجون تمتلك خطة لخلق الآلاف من الوظائف الجديدة عبر إعادة فتح أكثر من 200 مصنع كانت في السابق جزءاً من البنية التحتية الصناعية للعراق قبل أن تغلقها سلطة التحالف. ورغم أن مشروعاً كهذا نبيل في مقاصده إذ يهدف إلى انتشال الشباب العراقي من الشوارع، وضمان مورد رزق ثابت لهم، إلا أن التوقيت جاء متأخراً جداً. لذا لا يبدو في هذه اللحظة من خيارات أمام الرئيس بوش سوى البقاء في العراق، أو الخروج منه. وحتى هذان الخياران ليس من السهل تنفيذهما على أرض الواقع، ذلك أن سحب القوات الأميركية التي يبلغ قوامها حوالي 150 ألف جندي قد ينطوي على أخطار كبيرة في ظل العنف السائد في العراق. والنتيجة أن احتمال ارتفاع الضحايا في صفوف الجيش الأميركي يفوق خيار بقاء القوات داخل قواعد محصنة بالعراق ولن تكون مع ذلك بمنأى عن العنف اليومي ما دامت ستستمر في عملية نقل المؤن والعتاد إلى تلك التحصينات، وهو ما سيعرضها حتماً للاستهداف من قبل الجماعات المتمردة. \r\n وفي ظل الوضع القائم حالياً في بلاد الرافدين، بالإضافة إلى الضغوط الداخلية التي تتعرض لها إدارة الرئيس بوش، باتت الخيارات المطروحة محصورة في بضع نقاط نجملها في الآتي: \r\n - الاستمرار في تقديم الدعم للحكومة العراقية الحالية التي يهيمن عليها الشيعة، وفي نفس الوقت الضغط عليها لجهة بذل المزيد من الجهود الرامية إلى استيعاب السُّنة وضمان مشاركتهم الفعالة التي تعيد التوازن السياسي إلى الساحة العراقية. \r\n - إطلاق مبادرة جديدة لإحداث تحالف جديد داخل الطائفة الشيعية لدعم رئيس الحكومة العراقي نوري المالكي، بحيث يتحرر من مساندة الزعيم الشيعي المتشدد مقتدى الصدر الذي يسيطر على ميليشيا يبلغ قوامها 60 ألف عضو. غير أن مقتدى الصدر الذي يصر على جدولة الانسحاب الأميركي من العراق قد يؤدي تهميشه على الساحة السياسية إلى إطلاق جحيم مقاتليه، فضلاً عن إغضاب المرجع الديني الشيعي علي السيستاني الذي ظل إلى حد الآن محافظاً على مواقف معتدلة. \r\n - شن حملة عسكرية شاملة على أتباع مقتدى الصدر في معقلهم الأساسي بمدينة الصدر في بغداد لكسر شوكة المتطرفين الشيعة، وهو ما قد يدفعهم إلى المزيد من التطرف ومقاتلة القوات الأميركية. \r\n - وأخيراً يبرز خيار التخلي عن جميع المحاولات الرامية إلى إيجاد حل ما في العراق والسعي إلى تقسيم البلاد إلى ثلاثة أجزاء، وهو أمر يصعب كثيراً الإقدام عليه بالنظر إلى المخاوف الإقليمية التي سيثيرها مثل هذا الخيار، لاسيما لدى تركيا وإيران، واحتمال اندلاع حرب إقليمية مدمرة تأتي على الأخضر واليابس. \r\n وغني عن القول إن جميع تلك الخيارات لا ترقى إلى مستوى الحلول الشافية التي تخرج أميركا من العراق، بل قد تزيد من مفاقمة الوضع الأمني المتدهور أصلاً. وحتى ما إذا أرادات الولاياتالمتحدة المضي قدماً في أحد تلك الخيارات فإنها تفتقر إلى القوة اللازمة لتطبيقه على نحو فعال يسهم في تغيير مسار الحرب في العراق. وربما بسبب هذا الشعور بالإخفاق وانسداد الأفق السياسي أمام الولاياتالمتحدة عكست التقارير الصحفية الواردة من واشنطن مزاجاً يطبعه الإحباط وخيبة الأمل، فضلاً عن ميل، بدا واضحاً لدى بعض الأوساط، إلى رفع أيديهم من المسألة العراقية تماماً تجلى في الدعاوى التي طالبت \"بنقل مسؤولية العراق إلى العراقيين\". ولا أعتقد أن هذه المطالب غريبة، أو خارج السياق فقد كتبت مقالاً قبل ثلاث سنوات توقعت فيه أن يترك الرئيس جورج بوش العراق غارقاً في أزماته وخاوياً على عروشه بعد أربع سنوات من الاحتلال لم تفض سوى إلى المزيد من التدهور والدمار، متهماً في النهاية العراقيين بأنهم ليسوا جديرين بالجهود التي تبذلها أميركا لمساعدتهم. ولكن حتى هذا الخيار الأخير الذي يرنو إلى التخلي عن العراق وتركه يغرق في وحله جاء متأخراً للغاية ولا يمكن الاعتماد عليه في الفترة الراهنة. \r\n وتجد الولاياتالمتحدة نفسها اليوم عاجزة سياسياً لأسباب داخلية عن القيام بأية خطوة سوى السير على نهج ما هي عليه الآن ومواصلة ما تقوم به حالياً، رغم الأخطار المرتبطة بذلك مثل احتمال تعرض قواتها لهزيمة، أو حصار في إحدى القواعد يؤدي إلى خروجها بإذلال يذكرنا بخروج القوات الفرنسية من الهند الصينية عقب حصار \"ديان بيان فو\" الشهير الذي حاصرت فيه القوات الفيتنامية الجيش الفرنسي وأرغمته على الاستسلام. ولكن في جميع الأحوال، فإنه مازال بمقدور الولاياتالمتحدة استباق الهزيمة في العراق عبر مبادرتها بإعلان نيتها في الخروج الفوري من بلاد الرافدين، بما في ذلك القواعد الدائمة وغيرها ودعوة المؤسسات الدولية للتدخل، إلى جانب القوى الإقليمية التي تمتلك مصالح مشروعة في العراق. والأمر هنا لا يقتصر فقط على إيران وسوريا بل يشمل أيضاً الأردن وتركيا وذلك لدعم الشعب العراقي وتوفير سبل استتباب الأمن والسلام. \r\n وبالطبع سيتغير المشهد الإقليمي تماماً في حال سعت الولاياتالمتحدة إلى إيجاد تسوية للقضية الفلسطينية بالضغط على إسرائيل، وبالاستناد إلى الشروط التي باتت مقبولة من قبل الجميع والمتمثلة في انسحاب إسرائيل إلى حدود 1967، واقتسام القدس كعاصمة للدولتين. \r\n \r\n ويليام فاف \r\n كاتب ومحلل سياسي أميركي \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"تريبيون ميديا سيرفيس\" \r\n