\r\n إلا أنه بالنسبة لكثيرين في المقامات العليا في إدارة بوش من غير الوارد، بل من غير المتصور، الجلوس مع إيران والتفاوض معها. ففي الأعين الأمريكية يعتبر الجلوس مع بلد رائد في محور الشر تقهقراً مذلاً في السياسة الخارجية. وسينهض قائل من أوساط هؤلاء ليقول: لا يمكنكم الطلب الى إيران أن تسدي لكم معروفاً في العراق وتمد لكم يد العون وأنتم تنتقدونها في ما يتعلق ببرنامجها النووي المارق. \r\n \r\n إلا أن من يؤيدون فكرة أن يتحدث الغرب الى إيران قد نسوا في الحقيقة أن يطرحوا سؤالاً بسيطاً جداً: هل تريد إيران حقاً الجلوس الى مائدة المفاوضات مع الغرب؟ فهذا البلد ما يزال يشاهد بأمّ عينيه ا زدواجية المعايير لدى الغرب، ويرى حالة الكيل بمكيالين صارخة في القضية النووية. وعليه فإن لإيران كل الحق في أن تشعر بالضيم والظلم. فما زال الغرب ولا سيما بريطانيا والولاياتالمتحدة يواصل انتهاج سياسة خارجية شعارها: "خذ بأقوالي، لا بأفعالي". \r\n \r\n وعلى ما يبدو فان الأمور تزداد سوءاً والأحوال تتردى بصورة متسارعة. ولنأخذ بريطانيا مثلاً. فنظام المملكة المتحدة للتسلح النووي يدعى ب "الترايدنت". ويتألف هذا النظام من أربعة غواصات هائلة مسلحة بأسلحة نووية. وتحمل كل غواصة ترايدنت 48 رأساً نووياً، يمكن توجيه كل واحد منها وإرساله الى هدف مختلف. ولكل رأس حربي قوة تفجير تصل الى مائة كيلو طن، أي ما يعادل 100 ألف طن من المتفجرات التقليدية ذات القدرة التفجيرية الهائلة، وثمانية أضعاف قوة القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما في عام ،1945 والتي قتلت نحو 100 ألف إنسان. \r\n \r\n بني "الترايدنت" وصمم من أجل أيام الحرب الباردة البائسة والمظلمة. بني هذا النظام ليكون قوة ردع نووي للحيلولة دون مهاجمة روسيا لبريطانيا أو لحلفائها، مثل الولاياتالمتحدة. وجعل مناصرو "الترايدنت" يجادلون بأن كلمة "رادع" هي الكلمة المحورية، فالرؤوس الحربية النووية هذه لن تستخدم أبداً. وكان الغرض منها كف أيدي الناس عن استخدام الأسلحة ضدنا. فلا يمكن لأحد أن يجرؤ على مهاجمة المملكة المتحدة بالأسلحة النووية طالما أن بريطانيا قادرة على الرد بمثل هذه القوة النووية التدميرية الهائلة التي يمكن أن تهلك ملايين البشر. ويزعم مؤيدو "الترايدنت" أن عدم اندلاع حرب نووية يعتبر نصراً لعنصر الردع. \r\n \r\n وحقيقة أن الحرب الباردة قد وضعت أوزارها، وأن السبب الجوهري الذي كان أصل نشوبها في الأساس قد اندثر وصار في ذمة التاريخ، جعلتنا نرى اليوم من يتحدث عن استبدال "الترايدنت". فالغواصات الموجودة حالياً تحتاج الى استبدال في مدة 20 سنة، لذا، وبما أن بناءها يستغرق عقوداً من الزمن، فإن البتّ في هذه القضية ينبغي اتخاذ القرار بشأنه من الآن. وقد أعلنت الحكومة أنها تفضل خيار استبدال "الترايدنت" عوضاً عن تمديد حياة الغواصات الموجودة حالياً. \r\n \r\n هناك التكلفة الباهظة جداً لهذا المشروع الذي يعتبره معظم الخبراء هدراً هائلاً وتبديداً للمال العام، إذ إن تكلفة بناء "ترايدنت" بديل تبلغ في حدود تقريبية ما بين 50 الى 150 مليار دولار، وهو رقم مهول يدير الرؤوس. وعلينا أن نفكر فقط في عدد المستشفيات التي يمكن أن نبنيها بهذا المبلغ الضخم، أو بعدد ما يمكن أن نفتتحه من مدارس. \r\n \r\n وكان أحد أبرز المحامين البريطانيين قد رأى من الناحية القانونية البحتة أن أي تحديث أو استبدال للترايدنت سيكون أمراً غير شرعي. فبناء "ترايدنت" جديد إنما يمثل خطوة تسلح وتسابق في التسلح النووي، وليس نزعاً للأسلحة النووية، لذا فإنه انتهاك للبند السادس من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، ويقول فيليب ساندس إن بلير يجازف بانتهاك البروتوكولات ذاتها التي تقول بريطانيا والولاياتالمتحدة إن إيران ينبغي أن تلتزم بها ولا تنتهكها. \r\n \r\n ويحاجج البروفيسور السير جوزيف روتبلات، الحائز على جائزة نوبل للسلام، والذي طالما حذر من أخطار انتشار التسلح النووي بأنه: "إذا كانت بعض البلدان، بما فيها أقوى أمم الأرض عسكرياً تقول إنها تحتاج الأسلحة النووية لضمان أمنها، فإذ ذاك لا يمكن جحد البلدان الأخرى حقها في ضمان أمنها، فالدول الأخرى أيضاً تشعر بأن أمنها مهدد وتستشعر الحاجة الى ضمانه فكيف ننكر عليها ما نعتبره حقاً لنا. وانتشار الأسلحة النووية هو الاستنتاج المنطقي والثمرة المرة لمحتومة لهذه السياسة النووية". \r\n \r\n وكلما ازداد انتشار هذه النوع من التسلح وتصاعد مدّ حيازة الأسلحة النووية، كبر خطر واحتمال أن تقع مثل هذه الأسلحة بأيدي إرهابيين تنتشر جماعاتهم على طول خط التقنيات العسكرية النووية، ولا ينبغي أن يغيب عن البال أن حدوث هذا يمثل خطراً ما حقاً، فالإرهابيون مصممون على إحداث أكبر قدر من التخريب والدمار. وهم يبتغون استخدام الأسلحة النووية كسلاح وليس كرادع. وهنا تكمن المفارقة المفجعة، فكلما كبر ما نبنيه من ترسانات الردع النووي، تعاظمت احتمالات أن نصبح أهدافاً للإرهاب. \r\n \r\n فكما أن استبدال "الترايدنت" يعني تزايد احتمالات حيازة الإرهابيين للأسلحة النووية، فكذلك تزداد احتمالات حيازة بلدان أخرى لمثل هذا النوع من الأسلحة. وقد كان د. هانز بليكس المفتش الأممي السابق عن الأسلحة شن هجوماً على توني بلير محذراً من أن القرار بالمضي قدماً باستبدال "الترايدنت" سيزيد من صعوبات وقف إيران والحيلولة بينها وبين حيازة القنبلة النووية. \r\n \r\n وجادل بليكس، الذي رأس لجنة أسلحة الدمار الشامل محتجاً بأن استبدال "الترايدنت" يحرج اتفاقية الحد من التسلح ويضعها تحت "إجهاد" وضغط شديدين، ويزيد من الشعور في أوساط الدول غير النووية، مثل إيران بأنهم وقعوا "فريسة خديعة" دبرتها وحاكت خيوطها الدول النووية. وانتقد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الأممي جميعهم لإخفاقهم في أن يقوموا بمزيد من الخطوات لتقليص ترساناتهم النووية والتخلص منها. \r\n \r\n ويجادل نيل جيرارد، وهو عضو في البرلمان عن حزب العمال بأنه: "ثبت أن د. بليكس كان محقاً بشأن خلو العراق من أسلحة الدمار الشامل، ولسوف يوافقه الرأي في ما يقول كثير من الناس. ومن المحتمل أن يخسر بلير الأغلبية العمالية في البرلمان جرّاء هذه القضية". \r\n \r\n غير أن من المرجح أن تقوم الأغلبية العمالية من أعضاء البرلمان، كما حدث في قضية الحرب على العراق من قبل، وتحت وطأة ضغط شديد، بدعم الحكومة ومناصرتها وأن يتم، ثمرة لذلك، بناء غواصة "ترايدنت" جديدة. \r\n \r\n \r\n * كاتب مستقل متخصص في قضايا البيئة والصحة والعولمة، ويشارك في تحرير موقع "سبن ووتش" \r\n \r\n لرصد التضليل الإعلامي \r\n