\r\n \r\n \r\n فمع سوء الاتجاه الذي مضت فيه حربه على العراق، وعلى إثر استيلاء خصومه \"الديمقراطيين\" على الكونجرس، فربما لا يجد بوش خياراً آخر سوى الاستعانة بكبار القادة المحاربين من إدارة أبيه، على أمل إنقاذ ما يمكن إنقاذه من إدارته، التي طالما كافح من أجل الإبقاء على استقلاليتها بعيداً عن تأثيرات عهد أبيه الرئاسي. فما هو إلا يوم واحد من معاناة الصدمة الانتخابية التي لحقت به مؤخراً، حتى أقال وزير دفاعه دونالد رامسفيلد، وهو أحد قدامى المنافسين لأبيه، ليعين بدلاً منه \"روبرت غيتس\"، مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية السابق، في عهد رئاسة جورج بوش الأب. وفي الوقت ذاته، علق بوش الابن آمالاً عريضة على جيمس بيكر الثالث، وهو كذلك أحد الأصدقاء القدامى لوالده، عسى أن تشير اللجنة التي يترأسها بشأن دراسة مسار الحرب في العراق، بما يفيد في تصحيح ذلك المسار، وبالتالي إنقاذ الإدارة من مأزقها الحالي. \r\n \r\n وكما علق الكولونيل إف. دبليو. سمولين، وهو أحد المساعدين المقربين من وزير الخارجية السابق، كولن باول، فإن الذي يبدو الآن على القرارات التي يتخذها الرئيس بوش، هو أنها تبدو وكأنها تصدر ممهورة بختم الرئيس بوش \"الحادي والأربعين\" وهو تسلسل الرئيس الأسبق بوش الأب، وفقاً لترتيبه بين الرؤساء الأميركيين. غير أن السؤال الذي يبقى عالقاً –على حد قول الكولونيل سمولين، المدير الحالي لدراسات الأمن القومي بجامعة \"سيراكوز\"- هو ما إذا كانت هذه التغييرات الرئاسية الجارية حقيقية، أم أنها مجرد ردة فعل عابرة على صدمة ما بعد الانتخابات النصفية؟ وعلى أية حال، فإن التغييرات الجوهرية التي طرأت على الكونجرس، تجعل من الصعب جداً على هذه التغييرات الرئاسية أن تكون ذات طابع شكلي فحسب. \r\n \r\n يذكر أن العلاقة ما بين بوش الأب وبوش الابن، قد ظلت دائماً مثار تعليق وتكهنات، طوال السنوات الست الماضية. والواضح أن الابن قد رفض العيش تحت جلباب أبيه، وسعى إلى اقتفاء أثر إدارة الرئيس الأسبق ريجان، بدلاً من اقتفاء خطى أبيه. ولذلك فقد اتسم اختياره لطاقمه، وكذلك السياسات التي يقوم عليها هذا الاختيار، بالتعارض الدائم مع تلك التي كان يتبعها أبوه. \r\n \r\n وإذا كان جورج بوش الأب، أباً روحياً للمدرسة الواقعية في السياسات الخارجية، وهي مدرسة رمت فلسفتها إلى السيطرة على عالم قابل للانفجار والاحتراق الداخلي، فقد اجترح بوش الابن سياسات جديدة سكها \"المحافظون الجدد\"، الذين أرادوا إعادة تشكيل العالم، ونشر الديمقراطية في كافة أركانه وبقاعه. وعليه فقد تتالت خطب الرئيس بوش الابن، الواحدة إثر الأخرى، في هجاء إذعان الإدارات السابقة، ورضوخها لما وصفه بالاستبداد المستشري في الشرق الأوسط، بزعم أن استقرار تلك المنطقة، يعادل بسط الأمن فيها، وهي الفرضية التي لشد ما انفجرت على نحو مأساوي في الحادي عشر من سبتمبر 2001، على حد قوله. وفي المقابل فقد نقل عن الرئيس الأسبق بوش الأب، تشككه في الطريقة التي شنت بها الحرب الأخيرة على العراق في عام 2003. وربما تعززت صحة تلك الشكوك، بما نسب من تعليقات سابقة لشن الحرب مباشرة، على لسان كل من \"جيمس بيكر\"، و\"برينت سكوكروفت\"، مستشار الأمن القومي السابق لجورج بوش الأب، وأحد أصدقائه القدامى. ويضاف إلى ذلك أن \"سكوكروفت\" قد اختلف تماماً مع إدارة بوش الحالية، وأعفي من مهامه ومسؤولياته السابقة في اللجنة الاستشارية الرئاسية للاستخبارات الخارجية. \r\n \r\n على أن أية تعليقات عامة حول وجود خلاف أو صدع في جدار العلاقة بين الرئيسين بوش الابن والأب، تثير غضب كليهما. ومن هنا فقد جاء تعليقهما على ما ورد على لسان بوش الابن للصحفي بوب وودورد من أن \"لي أباً أعلى في السماء أستمد منه القوة والعون.. الخ\" أنه جرى تحميله بأكثر مما يحتمل من تأويلات ومعانٍ ليست مقصودة. كما يلاحظ أن الكثيرين ممن عملوا في إدارة بوش الابن، كانوا أفراداً في طاقم إدارة بوش الأب، بمن فيهم نائب الرئيس الحالي ديك تشيني، ووزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، وكذلك \"ستيفن هادلي\"، مستشار بوش الابن للأمن القومي. وفي هذا ما يهزم قول القائلين بوجود خصومة بين معسكرين متعارضين في عائلة بوش. \r\n \r\n لكن وحتى في حال استبعادنا لوجود خصومة بهذا الحجم داخل العائلة، فإن الذي لاشك فيه، هو وجود نوع من التنافس العائلي، يمكن القول إنه ظل سمة خفية وغير معلنة من سمات هذه الإدارة. \r\n \r\n وما هذا الاستنجاد الأخير بأفراد يمثلون \"المؤسسة الجمهورية\" القديمة، من أمثال روبرت غيتس وجيمس بيكر -سواء كانت له علاقة برابط أبوي أم لم تكن- سوى مؤشر على اتجاه جديد لدى الإدارة الحالية، لتبني المزيد من البراجماتية في صنع السياسات. وكما جاء في تعليق أحد كبار مستشاري الإدارة الحالية، فإنه ما من أحد قرر هنا فجأة، استدعاء أفراد من \"الطاقم الجمهوري القديم\". فالذي حدث –على حد قوله- هو استجابة طبيعية للفشل الناشئ عن خطأ الاستشارات الرئاسية السابقة. ذلك أنه لم يعد في مقدور أحد اليوم، مجرد المجادلة في خطأ تلك الاستشارات، التي لم تسفر إلا عن كل هذه الفوضى التي نحن فيها الآن. \r\n \r\n ومن ناحيته علق \"جيمس جي كارافانو\"، اختصاصي الأمن بمؤسسة \"هيرتدج\"، بالقول إن بروز شخصيتي روبرت غيتس وجيمس بيكر، إنما يشير إلى مساعي الإدارة لمد يدها ل\"الديمقراطيين\"، والاتجاه نحو التعاون معهم من أجل التوصل إلى رؤية ثنائية حزبية لما يمكن فعله في العراق. والأهم من ذلك أنه يعد مؤشراً على جدية الرئيس تجاه تنحية الخلافات الحزبية جانباً، وإبعادها عن طاولة إدارة شؤون الدولة. ووصف \"كارافانو\" كلتا الشخصيتين بأنها محل ثقة، وأنهما لايتنسبان إلى انتمائهما السياسي الصارخ ذات يوم. \r\n \r\n أما \"دنيس روس\"، المبعوث الخاص للرئيس الأسبق جورج بوش الأب، لمنطقة الشرق الأوسط، فجاء على لسانه القول إن ظهور \"روبرت غيتس\"، يعد مؤشراً على تغيير مهم في سياسات الإدارة الحالية. والسبب أن \"غيتس\" ينتمي إلى تلك المدرسة الواقعية، التي تعرف جيداً كيف ترسم السياسات الخارجية. \r\n \r\n بيتر باركر وتوماس إي. ريكس \r\n \r\n محرران بقسم الشؤون الخارجية بصحيفة \"واشنطن بوست\" \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n