إن المشاعر المعادية لأميركا حول العالم ليست ببساطة نتيجة الغضب من سياسات الرئيس بوش الخارجية فقط , ولكنها بالأحرى نتيجة الكراهية المتجذرة بعمق المتراكمة على مدى العقود . ويمكن أن يأخذ هذا الأمر أجيالا لحله وفكه . \r\n ولنتأمل وندرس الأسباب : \r\n تراث الحرب الباردة : فتدخل الولاياتالمتحدة في فيتنام ومحاولاتها السرية الإطاحة بالحكومات في إيران وغواتيمالا وكوبا وغيرها أحدث عمق فقدان الثقة في دوافع الولاياتالمتحدة على امتداد العالم النامي . والأوروبيون يزدرون أيضا هذه السياسات وينوحون على فظاظة \" الأمركة \" الثقافية التي تجتاح قارتهم . \r\n ويميل الأميركيون - في المقابل - إلى إغفال هذا الجانب من الحرب الباردة . لقد أشار \" غور فيدال \" على نحو شهير إلى هذا البلد ( أميركا ) على أنه \" الولاياتالمتحدة في فقد الذاكرة \" . نحن نهتم بالمضي قدما ونسيان الماضي , ونحن أمة من المهاجرين كان ترك الماضي وراءها بالنسبة لها عملا جغرافيا ونفسيا وسياسيا غالبا . وعندما انتهت الحرب الباردة , في عام 1989 , كنا نتوقع من العالم تبني الأسواق الحرة والديمقراطية الليبرالية . \r\n القوة والعجز : القوة تولد كراهية . ولكن الولاياتالمتحدة فقدت القدرة على رؤية قوتها من منظور أولئك الذين يفتقدون القوة أو أقل منها قوة . ففي أميركا اللاتينية - على سبيل المثال - افترضت سياسات الولاياتالمتحدة - سواء في التجارة أو المساعدات أو الديمقراطية أو المخدرات أو الهجرة - أن اللاتينيين الأميركيين سيرون تلقائيا المصالح الأميركية كمصالحهم الخاصة . وعندما أنكرنا الاختلاف , هجونا أحيانا بألسنة حداد , كما فعل وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد عندما ساوى وجمع بدون تمييز بين ألمانيا , وهي حليف وثيق للولايات المتحدة , وكوبا وليبيا لأن برلين عارضت الحرب على العراق . \r\n العولمة : في التسعينيات , سوقت حكومتنا, وقطاعنا الخاص وصانعو الرأي العام العولمة كمرادف واقعي ل\" الأمركة \" . وقد وعد الرئيس كلينتون بأن الأسواق المفتوحة , والمجتمعات المفتوحة والحكومة الأصغر حجما ستكون هي الجسر إلى القرن الحادي والعشرين . ومن ثم فإنه عندما وحيثما لا تصل العولمة , تلام الولاياتالمتحدة . \r\n ما نقف من أجله : إن بوش مخطئ في القول بأن الأجانب يكرهوننا بسبب قيمنا وحرياتنا . على العكس تماما , فالمصداقية الأميركية بالخارج اعتادت أن يتم تدعيمها وتعزيزها بشعور وإدراك أن قوانينا وبرامجنا الحكومية أعطت معظم الأميركيين فرصة عادلة في المشاركة في نظام حكم الطبقة الوسطى المعني بالكفاءة والجدارة . ولكن جاذبية النموذج الأميركي بالخارج تتآكل في الوقت الذي تتسع فيه الفجوة بين الأغنياء والفقراء , ويتدهور التعليم العام , وترتفع تكاليف الرعاية الصحية وتتلاشى المعاشات. \r\n إن اللامبالاة الظاهرة للحكومة الأميركية حيال مواطنيها الأكثر عرضة للمتاعب بعد توابع إعصار \" كاترينا \" تقوض بدرجة أكبر الاعتقاد في العقد الاجتماعي الأميركي . \r\n إن الجدالات أيضا حول موضوع الهجرة عززت الشعور بأن الولاياتالمتحدة معرضة للخطر وكارهة وخائفة . \r\n ومع ذلك , فإن مثال أو فكرة أن الولاياتالمتحدة منارة للعدالة والديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان مازالت تستقطب احتراما ضنينا بالخارج . وبالرغم من الجاذبية الزائغة للاتجاه المعادي لأميركا , إلا أن انتشاره لا يؤذي فقط الولاياتالمتحدة ولكن أيضا الأمن العالمي . فبرغم كل مشاعر الكراهية والاستياء التي تحدثها القيادة الأميركية , في غياب بديل منشود جذاب , فإنها تظل هي المورد المرغوب كثيرا . وهذا هو السبب في أن الولاياتالمتحدة مازال يمكنها أن تستعيد مكانتها العالمية ثانية . \r\n ولكن ليس هناك إصلاحا سريعا .. \r\n فالليبراليون المنجذبون لمعارضة بوش في المعركة ضد ما يسمى بالإرهاب يخاطرون بغرس بذور ردة فعل عكسية مستقبلية في العالم النامي . والولاياتالمتحدة لن تكون أقل قوة في عيون الدول الضعيفة إذا فاز الديمقراطيون بالسيطرة على الكونغرس في نوفمبر القادم . كما أن المنافسة العالمية الشديدة ليست في سبيلها لأن تنمحي أيضا . وكنتيجة لذلك , فإن ما يتولد عن المشاعر المعادية لأميركا لن يجف في أي وقت قريب . \r\n ولكن المشاعر المعادية لأميركا ستبدأ في الزوال إذا كانت معالم سياسة الولاياتالمتحدة وسلوكها وتصرفها هو البراغماتية والكرم والسخاء والتواضع والتعقل والحصافة والتعاون والتعاطف والعدالة والنزاهة والشرعية . وهذه المفردات اللينة لا يجب أن تشكل دحضا لاستخدام القوة ضد الدول المعادية أو الجماعات الإرهابية . ولكن سياسة خارجية أميركية تستخدم القوة الأميركية مع الأخذ في الاعتبار الطريقة التي يشعر بها الآخرون نحو الولاياتالمتحدة ستجعل تدريجيا العمل العسكري الأميركي المشروع أكثر قبولا بالخارج . \r\n إن الشخصيات تهم .. ولكن ليس فقط شخصية الرئيس . فالمبادرات العالمية لشخصيات أميركية - مثل بيل غيتس ووارين بوفيت وغوردون مور وآنجيلينا جولي وأوبرا وينفري وستيفين سبيلبيرغ - تحمل نوع الرسالة التي لا يمكن أن تضاهيها الدبلوماسية العامة التي ترعاها الحكومة . \r\n والرموز تهم أيضا .. يجب أن نغلق غوانتانامو . \r\n إن استعادة مكانتنا العالمية لن تأتي فقط من الطريقة أو الكيفية التي نحارب بها أو نمنع بها الحرب القادمة , أو ندير عالما فوضويا على نحو متزايد . والسياسة الداخلية يجب أن تتغير أيضا . وتوجيه هيئتنا السياسية إلى خارج حالتها المزاجية الضيقة المتعصبة , والحد من نقاط عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية , وتقليل اعتمادنا على الوقود الأحفوري سيساعد في تحسين مكانتنا الأخلاقية وتحسين أمننا . \r\n \r\n جوليا سوينغ \r\n زميلة بارزة ب \" مجلس العلاقات الخارجية \" الأميركي . وأحدث كتاب لها يحمل عنوان \" نيران صديقة : فقدان الأصدقاء وصنع الأعداء في القرن الذي يتسم بمعاداة أميركا \" \r\n خدمة \" لوس أنجلوس تايمز \" - خاص ب \" الوطن \"