\r\n وأورد تقرير لهيئة ال "بي.بي.سي" في موقعها على الشبكة العنكبوتية مقالاً تناول اعاقة الولاياتالمتحدة وبريطانيا لجهود التوصل الى وقف لاطلاق النار في قمة الشرق الأوسط التي عقدت في روما، فسوّى بين الضحية والجاني تحت عنوان: "العالم يدعم الهجوم على لبنان". وجاء في المقال: "تقول "اسرائيل": إن اخفاق الدبلوماسيين في الدعوة الى وقف هجومها على لبنان يعطيها الضوء الأخضر لمواصلة هذه الهجمة". ومن ثم استشهدت ال "بي.بي.سي" بكلمات وزير العدل "الاسرائيلي" حاييم رامون، وهو محسوب على الصقور، حين قال: "لقد ظفرنا أمس في مؤتمر روما بتصريح من العالم يخولنا الحق بمواصلة العملية". \r\n \r\n ولم يقف عنوان مقال ال "بي.بي.سي" عند حد اضفاء المصداقية على هذه الكذبة البالغة الشناعة بل لم يتجشم عناء ايراد وجهات نظر اخرى مخالفة في أي موضع من مواضع المقالة. بل لقد منح رامون مجالاً فسيحاً ليناقش ويجادل، مرة أخرى من دون أن يتحداه أحد، ويقول: "ان جميع هؤلاء الذين مازالوا في جنوب لبنان الآن هم ارهابيون لهم ارتباط بصورة أو بأخرى بحزب الله". \r\n \r\n وما لبث الجيش "الاسرائيلي" ان صب جام حممه وقنابله على زمرة اخرى من هؤلاء "الارهابيين" يزيد عددهم على 60 شخصاً، وأكثر من نصفهم من الأطفال فسحقهم في قانا واحرقهم. \r\n \r\n وكافح الاعلام كفاحا ما بعده كفاح، واستمات للحفاظ على ذاك الخداع الأثير لديه والتضليل الذي طالما حبذ نشره، ويتلخص في الكذبة التي تروج ان الولاياتالمتحدة وبريطانيا "وسيطان نزيهان" في النزاع، وليست هذه بالمهمة السهلة عندما تكون "اسرائيل" قد تلقت العام الماضي فحسب ما قيمته 2،2 مليار دولار من الأسلحة والعتاد والعون العسكري، وعندما جرى خلال عطلة الاسبوع الماضي تزويد ست طائرات امريكية محملة بقنابل متطورة بالغة الدقة في التسديد والتوجيه، وقطع غيار قنابل بالوقود في مطارات انجليزية واسكتلندية في طريقها الى "اسرائيل" ما الذي كانت تبغيه هذه الطائرات؟ \r\n \r\n كانت هذه هي الطائرات ذاتها التي فتكت بالأمهات والأطفال في قانا فقتلتهم أبشع قتلة. وقد أعربت منظمة مراقبة حقوق الانسان عن صدمتها إزاء ما ترتكبه "اسرائيل" من أفعال شنيعة، ولاحظت أن "مثل هذا الاخفاق المطرد في التمييز بين المقاتلين والمدنيين، إنما هو جريمة حرب، ولكن قانا بالنسبة لبرنامج ال "بي.بي.سي" نيوز نايت لم تكن سوى "مأساة" و"لحظة عصيبة وصعبة بالنسبة ل "الاسرائيليين". \r\n \r\n ولاحظ فرانك جاردنر، مراسل هيئة ال "بي.بي.سي" للشؤون الأمنية ان النقاد "الإسرائيليين" شبهوا حملة القوات "الاسرائيلية" ضد حزب الله بشخص "يستخدم مطرقة هائلة ليقتل بها نملة"، ولاحظ جاردنر قائلا: "ألا إنها لمقارنة بديعة"، ولك ان تتخيل الضجة التي يمكن ان تثور لو ان صحافي ال "بي.بي.سي" أعرب عن استحسانه لوصف حزب الله للقوات "الاسرائيلية" بأنها حشرة مؤذية لابد من سحقها، إلا أن حزب الله، شأنه شأن "حماس" والمتمردين في العراق، يعامل دائما في اعلامنا باعتباره شيئا دون البشر. ولا يخطر ابداً للصحافيين البريطانيين ان يكلفوا انفسهم عناء تقدير أو احصاء اصابات العسكريين في حزب الله. إن موت أي عسكري بريطاني أو "اسرائيلي" حري بأن يثير الأسى وجدير بتغطية اعلامية لائقة. وأما الجانب الآخر فلا يستحق مثل هذا اطلاقا، ولا ينبغي تغطية احداث ما يقع من قتل في صفوفه. ولهذا السبب ذاته يتم تصوير النملة أو "الحشرة" الضارة بصورة غريزية منحطة باعتبارها زمراً من المتعصبين المجانين يتجاوبون مع "قيم أصولية" وليس على انها ردود افعال وتظلم سياسي حقيقي أصيل. \r\n \r\n وهذا يلائمنا ويناغي غرائزنا طالما انه يتفادى ضرورة التفكير بصورة عقلانية بالدور الذي قمنا نحن به في ايقاع هذا الضيم وهذه المظالم. \r\n \r\n وحتى لا نجحد فضله بالمرة فإن الاعلام يبدي قلقه تجاه معاناة السكان المدنيين في لبنان، لكننا لا نلمس أي استنكار يذكر أو أي سخط تجاه ما يرتكبه أعداء من كبار المسؤولين من جرائم. وما علينا سوى تذكر تلك الغضبة العارمة التي جوبهت بها جرائم صدام حسين ضد البيئة في الكويت، حيث طبلوا وزمروا وزعموا ان آبار النفط اشعلت فيها النيران عن قصد. وعلى النقيض من هذا، فإن قصف "اسرائيل" في الفترة ما بين 13 إلى 15 يوليو/ تموز لمحطة كهرباء الجية وتدميرها مما أدى الى تلوث الساحل اللبناني ببقعة نفطية تزيد رقعتها على 80كم، لم يرد ذكرهما إلا عرضاً، ومرّ عليهما الاعلام البريطاني مرور الكرام. وقال بيرج هاتجيان، الخبير في وزارة البيئة اللبنانية الاسبوع الماضي: "ان ما لدينا هنا يعادل غرق ناقلة نفط عملاقة وتسرب ما بين 20 إلى 30 ألف طن من النفط ووصولها الى الشواطئ. وأعلن تحالف لجماعات حماية البيئة ان التلوث ببقعة الجية النفطية "يعد واحداً من اسوأ الأزمات والكوارث البيئية في تاريخ لبنان كله". وكان من المتوقع قدوم نحو مليوني سائح الى لبنان هذا الصيف ويقدر ما الحقه العدوان "الاسرائيلي" بالاقتصاد اللبناني من أضرار بما لا يقل عن ثلاثة مليارات دولار حتى الآن. \r\n \r\n ودأب الصحافيون على ان يوردوا في تقاريرهم من دون تعليق، ناهيك عن التحقيق، المزاعم "الاسرائيلية" بأن حملة التدمير ضرورة ملحة لمنع حزب الله من اطلاق الصواريخ، ومرة ثانية لك ان تتصور ما ستكون عليه ردة الفعل لو ان حزب الله جادل بالقول إنه لا بد من سحق قوات الحرب "الاسرائيلية" بالكامل لإزالة ما يتهدده من خطر محدق به من جاره الجنوبي، بل يمكن اعتبار مثل هذا القول اكثر تعقلاً إذا أخذنا في الحسبان ان حزب الله لم يطلق صواريخه على المدن والبلدات "الاسرائيلية" إلا بعد شن "اسرائيل" حملة قصف جوي هائلة دمرت البشر والحجر والشجر في المدن والقرى والبلدات اللبنانية. \r\n \r\n لقد كان الاعلام حريصا على أن يظهر في تقاريره أن حزب الله كان هو الذي استهل اعمال العنف بقتله عدة جنود "اسرائيليين" وأسره اثنين منهم يوم 12 يوليو/ تموز، غير أن حدثا مهماً كان قد اشعل فتيل دورة العنف الأخيرة وقع في السادس والعشرين من مايو/ أيار من عام 2006 حيث جرى تفجير سيارة في صيدا في لبنان قتلت مسؤولاً كبيراً في منظمة الجهاد الإسلامي، وهي جماعة فلسطينية متحالفة مع حزب الله. وأوردت صحيفة "التايمز" ان السلطات اللبنانية اعتقلت في وقت لاحق المشتبه به محمود رافع الذي قالت المخابرات اللبنانية انه اعترف بقيامه بعملية الاغتيال لحساب الموساد "الاسرائيلي" وأجهزة الاستخبارات "الاسرائيلية". \r\n \r\n وأنكرت "إسرائيل" تورطها في عملية التفجير، إلا أن الشك ساور حتى بعض "الاسرائيليين". وفي لبنان ادينت "اسرائيل" على نطاق واسسع واعتبرت هي الجانية بلا جدال، وأدلت أمل سعد غريب وهي بروفيسورة محاضرة في الجامعة اللبنانية الأمريكية في بيروت، بتصريح لصحيفة "النيويورك تايمز" بتاريخ 29 مايو/ ايار قالت فيه: "أدرك "الاسرائيليون" انهم بضربهم للجهاد الاسلامي سوف يضطرون حزب الله الى التدخل والتورط أيضاً.. وكان ينبغي على "الاسرائيليين" ان يتنبهوا الى حقيقة انهم إذا اغتالوا هذا الشخص فسوف يستحثون الرد ويحصلون عليه". وفي الحقيقة فإن تبادل اطلاق النار الذي اندلع لاحقاً بتاريخ ،28 29 مايو/ ايار بين القوات "الاسرائيلية" وحزب الله اشتمل على ما سماه الجنرال "الاسرائيلي" أود آدم بأنه "أشرس وأشد وأعنف هجوم تشنه قواتنا منذ انسحاب جنود "اسرائيل" من لبنان عام 2000". وعلى النقيض مما تدبجه الآله الاعلامية من تقارير يبدو بجلاء ان الهجوم الشامل الذي شنته "اسرائيل" لاحقاً لم يأت ارتجالاً أو "من فراغ". وكان جيرالد شتاينبيرج، بروفيسور العلوم السياسية المحاضر في جامعة بار إيلان "الاسرائيلية" قد قال: "من بين الحروب التي خاضتها "اسرائيل" جميعها منذ عام 1948 فإن هذه الحرب استأثرت بأعظم اعداد "إسرائيلي" وتأهب". \r\n \r\n وفي الحقيقة فإن الفكرة الامريكية البريطانية "الإسرائيلية" عن "وقف اطلاق نار مستدام" تعني نزع سلاح أحادي يقوم به حزب الله، وهذا، في نهاية المطاف، سيكون من المهام الملقاة على عاتق قوة يقودها حلف الناتو ويريدها بوش وبلير ان تكون منطقة "عازلة" في جنوب لبنان. ولم يستشر الشعب اللبناني بشأن هذه القوة المقترحة، وفي هذا كتب صحافي جريدة "الاندبندنت" روبرت فيسك ملاحظته التالية: \r\n \r\n "لأنها ليست في طريقها للمجيء اليهم، ولكنها سوف تأتيهم لأن الامريكان و"الاسرائيليين" يريدونها هناك للمساعدة في اعادة صياغة الشرق الأوسط وتشكيله. \r\n \r\n وبالطبع فإن هذا الفرض بالقوة للأجندات الغربية هو بالذات اكبر العوامل رجحاناً وأعظمها اثراً في تأجيج نار المزيد من المعارضة العنيفة، من مثل تلك التي جعلت آخر قوة متعددة الجنسيات تطأ ثرى لبنان في عام 1982 ضحية النار والدمار والبوار. وبعبارة أخرى، فإن الشروط المقترحة "لوقف اطلاق النار المستدام لا تمت بصلة اطلاقاً الى المفهوم الحقيقي لاستدامة وقف اطلاق النار، بل هي العناصر الأساسية لوصفة حرب وهلاك مستمر. \r\n \r\n \r\n \r\n * كاتب صحافي ومحلل سياسي شارك في تأليف كتاب "حراس القوة" الذي وصفه الكاتب الصحافي جون بيلجر بأنه "أهم كتاب يمكنني تذكره عن الصحافة"، ويشارك في تحرير موقع "ميديالينس" \r\n