\r\n وقد كانت إسرائيل هي الدولة الأولى التي تصدر تحذيرا بشأن برنامج إيران النووي. وبالرجوع إلى أواخر عام 1991 في أعقاب الزلزال الجيوسياسي الذي هز المنطقة مع سقوط الشيوعية وحدوث حرب الخليج قال محللون إسرائيليون إن سقوط العراق قد \"خلق فراغا في القوى طمحت إيران إلى ملئه \"من خلال طموحاتها النووية\"، مدفوعة في ذلك بنزعة إسلامية ورغبة في الهيمنة. \r\n \r\n وبعد شهور قليلة صرح زعيم حزب العمل شيمون بيريز للتليفزيون الفرنسي بأن سعي إيران النووي قد جعل منها التهديد الأكبر للسلام في المنطقة. وبحسب التحذيرات الإسرائيلية للمجتمع الدولي في ذلك الوقت فإن إيران كان يمكنها أن تكون مسلحة بالقنبلة النووية بحلول عام 1999. \r\n \r\n وقد أدى احتجاج إسرائيل العلني ضد إيران إلى جعلها تبرز بشكل أوضح على رادار طهران. لكن المنتقدين حتى لحملة إسرائيل العامة ضد إيران يسلّمون أنه بغير هذه الجهود ربما لم يكن الملف النووي الإيراني ليجذب هذا الاهتمام من المجتمع الدولي. \r\n \r\n ولكن مع تزايد الضغط الإسرائيلي على واشنطن والمجتمع الدولي للضغط بقوة على إيران –حيث أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي في ذلك الحين سيلفان شالوم أن \"برنامج طهران النووي لم يعد مشكلة إسرائيل، ولكنه مشكلة العالم– مع تزايد هذا الضغط أصبح من الواضح بشكل كبير أن توقعاتها قد انحرفت. \r\n \r\n وكما مر المأزق النووي الإيراني بأدواره وتطوراته فقد أثبتت الحسابات الإسرائيلية المبدئية الخاصة إما بإجبار إيران على الاستسلام من خلال الضغط السياسي والاقتصادي الأمريكي، أو –إذا انحدر السيئ إلى أسوأ– من خلال التخلص من البرنامج من خلال ضربات عسكرية نظيفة ودقيقة، أثبتت جميعها أنها مجرد خيالات وأوهام، وهو ما يرجع في المقام الأول إلى العواقب الكارثية لحرب العراق. \r\n \r\n وقد كانت طهران حريصة على الاستفادة من ورطة واشنطن في العراق؛ حيث تحدت جميع الخطوط الحمراء التي وضعتها الولاياتالمتحدة والغرب أمامها، بما في ذلك المطلب الخاص بعدم تخصيب اليورانيوم. بل إن تهديدات نائب الرئيس ديك تشيني بحدوث \"عواقب خطيرة\" إذا استمرت إيران في طريقها فشلت حتى في ردع إيران، والتي كان من الواضح أنها ليست على استعداد للإذعان. \r\n \r\n وبالإضافة إلى هذا أظهرت تجربة العراق أنه لا يوجد خيار عسكري \"نظيف ودقيق\". ورغم أن البعد العسكري نفسه ربما لا يكون معقدا للغاية إلا أن واشنطن موضوعة في موقف سيئ كي تتعامل مع العواقب السياسية في المنطقة. وعلى العكس من المرجح أن يؤدي المزيد من الضغط على إيران إلى صراع طويل ودموي ربما يبتلع المنطقة بأكملها، بما فيها إسرائيل. \r\n \r\n ويختلف هذا السيناريو بشكل كبير عن الوضع الذي واجهته إسرائيل منذ ثلاث سنوات عندما دخلت الولاياتالمتحدة العراق. أما الآن فليس من المرجح أن تستطيع الدولة اليهودية أن تجلس في راحة مع المتفرجين بينما تقوم الولاياتالمتحدة بتحييد أحد أقوى خصومها في المنطقة. \r\n \r\n ويعتقد مارتن إنديك، من معهد بروكينجز، أن الإسرائيليين \"يفترضون أنهم سوف يتعرضون لضربه انتقامية من إيران أولا\". وقد صرح أحد كبار قائد فيلق الحرس الثوري الجنرال محمد دهقاني بنفس الشيء أوائل هذا الشهر لوكالة أنباء الطلاب الإيرانية؛ حيث قال: \"لقد أعلنّا أنه إذا قامت أمريكا بأي عمل ضار في أي مكان في إيران فإن أول مكان سوف نستهدفه سيكون إسرائيل\". \r\n \r\n وبتهديدها بالانتقام من إسرائيل ترفع إيران من تكلفة الضغط الإسرائيلي على الولاياتالمتحدة في الوقت الذي تضع فيه الصراع في إطار اعتداء أمريكي–إسرائيلي على دولة إسلامية من خلال جر الدولة اليهودية إلى الحرب. \r\n \r\n وقد سعى صدام حسين إلى فعل نفس الشيء عام 1991 عندما أطلق 34 من صواريخ سكود على إسرائيل. وقد كان الصبر هو السائد في تل أبيب في ذلك الوقت، وهو ما عاد في المقام الأول إلى عدم الرغبة في كسر الائتلاف الدولي الذي قامت إدارة بوش الأب بتجميعه بعناية. أما الآن فمن المرجح ألا تستطيع واشنطن أن تجد ائتلافا كبيرا حولها؛ مما سيجعل الأصوات المنادية بالصبر في إسرائيل أقل تأثيرا. \r\n \r\n ولا تستخف إسرائيل بهذه التهديدات الإيرانية؛ حيث تؤكد المخابرات الإسرائيلية أن القدرات الإيرانية في لبنان من خلال حزب الله هي قدرات كبيرة، إضافة إلى أن الوجود الإيراني في الأراضي الفلسطينية قد ازداد بشكل كبير خلال السنوات القليلة الماضية. ورغم أنه ليس من المرجح أن يمثل الجيش الإيراني تهديدا كبيرا لإسرائيل إلى أن قدراتها غير التقليدية لازال من الممكن أن تتسبب في الكثير من الضرر للسكان الإسرائيليين الذين أرهقتهم الحرب بالفعل. \r\n \r\n وقد كان لهذه التطورات غير المتوقعة تأثيرها العميق على الحسابات الإسرائيلية. وقد أصبحت أولوية حكومة أولمرت هي فك الارتباط مع الفلسطينيين، وليس توريط إسرائيل في حرب إقليمية مع إيران. وفي هذا السياق يجب أن يُنظر إلى دعم إسرائيل لقرار إدارة جورج بوش غير المسبوق بفتح محادثات مع الإيرانيين. \r\n \r\n وقد تم مناقشة التغير في السياسة خلال زيارة أولمرت لواشنطن أوائل مايو الماضي، كما عبرت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيفي ليفني عن دعمها للقرار في بيان أصدرته بعد ساعات فقط من مؤتمر صحفي لوزيرة الخارجية كوندوليزا رايس في 31 مايو. \r\n \r\n وقالت رايس: \"إن إسرائيل تدعم جهود الولاياتالمتحدة في هذا الشأن\". وقد تناقض تصريح ليفني تماما مع تردد إسرائيل الطويل فيما يتعلق بمحادثات الولاياتالمتحدة مع إيران. \r\n \r\n وربما تكون إعادة التقييم الإستراتيجية من جانب إسرائيل لم تؤثر بعد في هؤلاء المساندين لإسرائيل بقوة في واشنطن، وذلك على الرغم من أن أولمرت قد طلب بشكل سري من المنظمات اليهودية ألا تظهر بشكل بارز فيما يتعلق بهذه القضية. فعلى سبيل المثال لازالت لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية (إيباك) في مقدمة الجهود الرامية إلى الضغط من أجل إقرار قانون دعم حرية إيران في مجلس الشيوخ الأمريكي، مما يهدد بتدمير المفاوضات الحساسة مع إيران حتى قبل أن تبدأ، حسبما يرى بعض مسئولي الإدارة. \r\n \r\n غير أن الأصوات القوية داخل الجالية اليهودية في الولاياتالمتحدة تكشف عن أن رسالة أولمرت قد وجدت آذانا مصغية؛ فحيث إن الاستياء من الحرب على العراق قد بلغ ذروته فإن الكثيرين من أفراد الجالية اليهودية في الولاياتالمتحدة يخشون من أن الشعب الأمريكي سوف يحول غضبه تجاه إسرائيل. هذا، بالإضافة إلى أن توقعات إقامة الروابط القوية بين المحافظين الجدد في إدارة بوش وحزب الليكود الإسرائيلي، بالإضافة إلى دعم إسرائيل للحرب على العراق، تؤجج من هذه المخاوف، وتجعل اتخاذ موقف قوي ضد إيران أكثر صعوبة. \r\n \r\n وليس لدى المنظمات اليهودية أية رغبة في أن تصبح \"جماعة الضغط من أجل شن حرب على إيران\" كما قال أحد المسئولين لمجلة فورورد أوائل يونيو الماضي. \r\n \r\n وتمثل جميع هذه العوامل مشكلة معقدة لكل من الدولة اليهودية والولاياتالمتحدة والجالية اليهودية على حد سواء، وهي: كيف تتصرف أمام تقدم إيران النووي دون رفع المخاطرة بقيام حرب كارثية وبروز إسرائيل من جانب، ودون إظهار عجز إسرائيل عن مواجهة التحدي الإيراني بدون الولاياتالمتحدة من جانب آخر. وفي الوقت الحالي لازال هناك صمت من جانب تل أبيب. \r\n \r\n * الدكتور تريتا بارسي هو مؤلف كتاب \"مثلث الخيانة: الصفقات السرية لإيران وإسرائيل والولاياتالمتحدة\" (مطبعة جامعة ييل، 2007). (آي بي إس / 2006)