\r\n وبالفعل فقد أصبحت \"منظمة شنغهاي للتعاون\" التي مضت على إنشائها خمس سنوات ويزداد دورها ونفوذها باطراد, تحدياً كبيراً للهيمنة الأميركية, خاصة وأن هذا التحدي يأتي واشنطن من منطقة المحيط الهادئ الآسيوية. والشاهد أن مجرد وجود هذه المنظمة بحد ذاته, يجسد طبيعة التحول المذهل الذي طرأ على توازنات القوى في عالمنا المعاصر. وفي تلك القمة, كان الحضور الكثيف الوزن من نصيب كل من الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين, والصيني \"هو جنتاو\". غير أن هذا الثقل السياسي قد تعزز أكثر, بوجود أربعة رؤساء آخرين, من قيادات منطقة آسيا الوسطى هم: نور سلطان نزار باييف, رئيس جمهورية كازاخستان, وإسلام كريموف, رئيس جمهورية أوزبكستان, وإيمومالي راكمونوف, رئيس جمهوية طاجكستان, ثم الرئيس كرامانبك باكييف, رئيس جمهورية قرغيزستان. \r\n وإلى جانب هذه الدول الست الأعضاء في المنظمة, تتمتع أربع دول أخرى بوضعية المراقب, وتأمل في نيل العضوية الكاملة, بدرجات متفاوتة من التطلع و\"الحماس\". وتضم قائمة هذه الدول, كلاً من الهند وباكستان, ومنغوليا, ثم إيران. ومما لا ريب فيه أن الحساسية التي لازمت انعقاد قمة المنظمة الأخيرة, هي حضور الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد, الذي تعتبر الولاياتالمتحدة الأميركية نظامه, مصدراً لأكبر خطر أمني عليها وعلى حليفتها إسرائيل. هذا وقد استغل نجاد فرصة انعقاد القمة لإجراء سلسلة من المحادثات الثنائية الخاصة, مع كل من نظيره الصيني \"هو جنتاو\", والروسي فلاديمير بوتين. وقد شكره \"هوجنتاو\" على تبني سياسات استثمارية تفضيلية مع الصين عندما كان عمدة لمدينة طهران, معرباً عن أمله في ذات الوقت, في تطور العلاقات بين بلديهما إلى \"مدى أبعد\". والمعلوم عن الصين أنها من عمالقة مشتري ومستوردي صادرات النفط الإيرانية. \r\n وعلى صعيد المحادثات الثنائية نفسها, شدد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على حق طهران في استخدام التكنولوجيا المتطورة –في إشارة ضمنية منه إلى أنشطة إيران النووية- غير أنه قال مستدركاً في الوقت ذاته, إن على طهران أن تفعل ذلك على نحو لا يثير قلق المجتمع الدولي. وتطمح روسيا إلى بناء عدد من محطات الطاقة النووية, إضافة إلى ذلك الذي مضت شوطاً في بنائه بمحطة \"بوشهر\". كما أعرب بوتين عن استعداد شركة بلاده العملاقة في مجال الغاز الطبيعي \"غازبروم\" للمساهمة في مشروع خط أنابيب الغاز الذي تقترح إيران بناءه بين كل من إيران- باكستان- الهند. وتعد هذه المبادرة صفعة أخرى للولايات المتحدة, التي عقدت العزم على ضرب عزلة دولية على نظام طهران, تمهيداً للإطاحة به وتغييره. والاستنتاج الرئيسي الذي يمكن الخروج به من تلك القمة, أنه ليس في وسع الصين ولا روسيا, دعم أية جهود ترمي لفرض عقوبات دولية على إيران, مع العلم بأن واشنطن هي التي تدفع بهذا الاتجاه وتحرض عليه. وهذا ما يضعف جداً فكرة توجيه ضربات عسكرية لطهران. وعلى الرغم من امتناع أحمدي نجاد عن الإشارة المباشرة إلى واشنطن, فإنه يمكن فهم المراد من شجبه لما أسماه ب\"القوى التي تريد الهيمنة على العالم\" و\"تلك التي تريد التدخل في شؤون الدول الأخرى\". \r\n وبذلك تكون الهند الدولة الوحيدة التي لم تُمثل في القمة المذكورة رئاسياً, إنما اكتفت بالتمثيل المتواضع بواسطة \"شري مورلي ديورا\", وزير النفط والغاز الطبيعي. ولا ريب أن نيودلهي قصدت بهذا التمثيل المنخفض, عدم إثارة حساسية واشنطن ومعارضتها لها في لحظة دقيقة وحساسة كهذه. ذلك أنه لا يزال على الكونجرس المصادقة على صفقة التعاون النووي التي توصل إليها الرئيس بوش مع رئيس الوزراء الهندي \"مانموهان سينج\", وهي الصفقة التي ستوفر بموجبها أميركا التكنولوجيا النووية المتقدمة للهند. وحتى هذه اللحظة, لا يزال الكثير ينظر إلى هذه الصفقة على أنها مهدد خطير لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية, إلى جانب كونها مثالاً صارخاً لازدواجية المعايير في السياسات الأميركية. والمعضلة الرئيسية في الصفقة المذكورة, أن إدارة بوش تعتزم تقديم الدعم النووي لدولة تجاهلت معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية, ومضت إلى تطوير أسلحتها بعيداً عن المعاهدة. وفي الجانب الآخر نرى الإدارة ذاتها وهي تصعد ضغوطها يوماً إثر الآخر على إيران, بغية حرمانها من تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية, مع العلم بأن عضوية إيران في المعاهدة المذكورة تعطيها هذا الحق! \r\n وعلى أية حال, فإن هناك عدة دروس يمكن استخلاصها من قمة شنغهاي آنفة الذكر. أولها الكشف عن حقيقة أن لإيران عدداً من الدول الصديقة القوية ذات النفوذ والوزن, التي تستطيع الحؤول دون مطامح واشنطن الرامية إلى تغيير النظام الحاكم في طهران. وثانيها انضمام كل من روسيا والصين إلى قوى إقليمية أخرى, بغية حماية مصالحهما في منطقة آسيا الوسطى. وتتضمن هذه المصالح: إنهاء النفوذ الأميركي في المنطقة, ومكافحة تيار العنف الإرهابي, فضلاً عن استعادة السيطرة على موارد المنطقة من الطاقة والوقود. \r\n أما الدرس الثالث فلاشك أن له علاقة بالقمة الحالية والسابقة لها, ويتلخص في اعتزام روسيا تعزيز أمن جناحها الجنوبي. فها هي قد مضت شوطاً بعيداً في استعادة عدد من جمهوريات آسيا الوسطى, التي حاولت واشنطن اختطافها إثر انهيار الاتحاد السوفييتي. من ذلك لوحظ أن جمهورية أوزبكستان طالبت الولاياتالمتحدة الأميركية سلفاً بإزالة قاعدتها العسكرية المنصوبة فيها. أما جارتها قرغيزستان, فهددت بإخلاء آخر قاعدة عسكرية أميركية من أراضيها, ما لم ترفع البنتاجون ما تدفعه حالياً مقابل هبوط الطائرات وإعادة تزويدها بالوقود, إلى مثل المبلغ الحالي ب100 مرة. وعلى الرغم من عدم رغبة كل من فلاديمير بوتين ونظيره \"هو جنتاو\" في الإعلان عن حرب باردة جديدة مع واشنطن, وإيمانهما –حسب البيان النهائي الصادر عن القمة- بتشابك عالمنا المعاصر وقيامه على التكافؤ والتعاون بين الدول, إلا أنهما يؤكدان لواشنطن أن هيمنتها السابقة على العالم, لم تعد سوى ملمح من ملامح ماضي العلاقات الدولية. \r\n \r\n