\r\n \r\n بيد أن الشارة التي يحملها أحمد يوسف تستبطن أيضاً انتقاداً للتعامل الأميركي مع الحكومة الجديدة التي تقودها \"حماس\" بعدما صعدت إلى السلطة بطريقة ديمقراطية متمثلاً في تشديد الخناق عليها، وتوقف المسؤولين الأميركيين عن زيارة الأراضي الفلسطينية منذ أكثر من ستة أشهر. فقد أدى فوز \"حماس\"، التي تعتبرها الولاياتالمتحدة منظمة إرهابية، في انتخابات يناير الماضي إلى خفض المسؤولين الأميركيين في المنطقة مستوى اتصالهم بالسلطة الفلسطينية الذي لم ينحصر في العلاقات السياسية، بل طال أيضاً الجوانب المتعلقة بالمساعدات الإنمائية. \r\n \r\n وكجزء من وقف الاتصال مع السلطة الفلسطينية مُنع الدبلوماسيون الأميركيون من إقامة علاقات من أي نوع مع الوزارات الفلسطينية المختلفة. وفي ظل هذا الوضع أصبح المسؤولون الأميركيون الذين كانوا في السابق يقدمون مساعدات أمنية إلى الجهات الفلسطينية، يدققون أكثر في انتماء قوات الأمن وما إذا كانت محسوبة على وزارة الداخلية ورئيس الحكومة وبالتالي ممنوع التعامل معها، أم أنها تنضوي تحت لواء الرئيس محمود عباس. فحسب توجيهات الإدارة الأميركية يقتصر اتصال المسؤولين الأميركيين على القوات التابعة للرئيس الفلسطيني مستثنية القوات الأخرى التابعة لباقي الأجهزة. وقد أكد أحد المسؤولين الأميركيين هذا الطرح قائلا \"إن ما نقوم به اليوم في الأراضي الفلسطينية يختلف عما كنا نقوم به في السابق\". والواقع أن التوجه الأميركي الجديد بعد فوز \"حماس\" في الانتخابات يأتي مخالفاً لجهودها السابقة التي كانت تعمل فيها على تعزيز علاقاتها مع الفلسطينيين مركزة ليس فقط على التوسط للمصالحة بينهم وبين الإسرائيليين، بل أيضاً على دعم الديمقراطية وتكريس سيادة القانون. \r\n \r\n فهل يمكن اعتبار المساعدات المالية الكبيرة التي قدمتها الولاياتالمتحدة إلى الفلسطينيين والمقدرة ب1.7 مليار دولار التي بدأت منذ توقيع الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات على اتفاقية السلام مع إسرائيل سنة 1993 مجرد مضيعة للوقت ما دامت \"حماس\" على رأس السلطة؟ يأمل معظم المسؤولين على الجانبين الفلسطيني والأميركي أن يكون الأمر مختلفاً، لذا يحاول الدبلوماسيون والخبراء في ميادين التنمية إيجاد الطرق الكفيلة بالحفاظ على العلاقات بين الطرفين حتى في ظل إغلاق القنوات السياسية. ولعل المثال الأبرز على الصعوبات التي تواجهها المنظمات الأجنبية في الاتصال بالفلسطينيين ما تلاقيه مؤسسة \"الديمقراطية الوطنية\"، التي يترأس مكتبها المحلي \"مايكل مورفي\". \r\n \r\n فقد عُلقت ميزانية هذه المؤسسة التي تُعنى بتعزيز الديمقراطية عن طريق تدريب الأحزاب والمشرعين من قبل الولاياتالمتحدة عقب فوز \"حماس\" في الانتخابات التشريعية. وقد ذكر \"مورفي\" في لقاء أجري معه من مكتب المؤسسة في القدسالشرقية أن مهمته باتت أصعب من ذي قبل بسبب نظرة الشك التي ينظر بها الفلسطينيون إلى مؤسسته، لاسيما وأن مقرها الرئيسي يوجد في الولاياتالمتحدة، مضيفاً: \"يعتبر الناس أنه من غير المنطقي أن نسعى إلى تعزيز قيم الديمقراطية، ثم ندير لهم ظهورنا ونقول إن اختياركم لا يعجبنا، وهو ما يؤكد مخاوفهم من أن أميركا ليست ذلك الوسيط النزيه كما تدعي\". ويتابع مورفي \"لن يقتنع الفلسطينيون بجهود إرساء الديمقراطية إذا لم يدعم المجتمع الدولي نتائج الانتخابات، بحيث أضحت مصداقية الولاياتالمتحدة في التوسط لحل الصراع على المحك\". \r\n \r\n ورغم أن \"مورفي\" مواطن كندي، فإن ذلك لم يساعده كثيراً في استكمال مهامه، بحيث سرعان ما يتذكر الفلسطينيون أن كندا كانت أول دولة تعلن قطع مساعداتها عن السلطة الفلسطينية بعد ظهور نتائج الانتخابات التشريعية. غير أن العاملين في مجال تقديم المساعدات للفلسطينيين بدأوا يدقون جرس الإنذار من الاستمرار في تعليق المساعدات، لاسيما وأن السلطة تشارف على الإفلاس التام بعد عجزها عن دفع رواتب الموظفين طيلة الثلاثة أشهر الأخيرة، فضلاً عن تدهور الوضع الأمني بعد الاشتباكات الأخيرة التي دارت بين عناصر تابعة ل\"حماس\" وأخرى تابعة ل\"فتح\". وفي هذا الصدد يؤكد \"مورفي\" أن \"انهيار السلطة سيكون أسوأ من بقاء حماس على رأسها\". وفي مثال آخر على التأثير السلبي للمقاطعة الغربية للسلطة على إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع الفلسطينيين تبرز مؤسسة \"منتدى الفكر العربي\"، التي تتخذ من القدسالشرقية مقراً لها. فقد دأبت الولاياتالمتحدة على ضخ ما بين 300 إلى 400 ألف دولار سنوياً إلى خزينة المؤسسة لتمويل فعالياتها، لكن منذ فبراير الماضي توقفت المساعدات وانقطع الاتصال بالمسؤولين الأميركيين. ورغم تأكيد عبدالرحمن أبو عارف، المدير التنفيذي للمؤسسة، بأنهم استطاعوا تأمين الدعم من جهات أخرى، لاسيما من أوروبا، فإن المسألة في نظره تتجاوز المساعدة المالية لتلامس ما هو \"أخلاقي وقيمي\". وأضاف أبو عارف أنه في السابق كان فخوراً بالعمل على ترسيخ قيم الديمقراطية في المجتمع الفلسطيني بدعم أميركي، وتسهيل إجراء الانتخابات، لكن \"الديمقراطية هي الديمقراطية، فقد أكون معارضاً لنهج حماس، إلا أنها حكومتنا الآن. نحن نشعر بأن الآخرين يريدون اختيار حكومتنا نيابة عنا، وهذا ليس من الديمقراطية في شيء\". \r\n \r\n ومع ذلك لم تنقطع تماماً زيارات المسؤولين الأميركيين إلى الضفة الغربية، حيث شهدت المنطقة عملاً دؤوباً من قبل الأميركيين لتقديم الدعم الإنساني للشعب الفلسطيني. وفي هذا السياق تعهدت الإدارة الأميركية بتخصيص 10 ملايين دولار للاحتياجات الصحية للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. لكن الصعوبة الأكبر التي تواجه الدبلوماسيين الأميركيين هي التدقيق في المساعدات المرصودة للفلسطينيين وتحديد وجهتها النهائية خشية وقوعها في أيدي \"حماس\"، وهو ما يؤدي غالباً إلى تعطيل وصول المساعدات. \r\n \r\n \r\n لين بروشر \r\n \r\n مراسلة \"كريستيان ساينس مونيتور\" في غزة \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"كريستيان ساينس مونيتور\" \r\n \r\n