\r\n بيد أن نواحي كثيرة في المشهد السياسي هناك لا تجسد ذلك الإلهام الذي يتحدث عنه الرئيس، إحداها ذلك الموقف الأمني المتدهور في ذلك البلد الممزق. فالهجمات التي تشنها حركة طالبان في تصاعد، بل إن تكتيكاتهم الحربية اكتسبت قدرا أكبر من العدائية وغدت تسبب مستويات أعلى من الدمار. لقد نفذ مقاتلو طالبان 23 هجمة انتحارية على الأقل خلال الأشهر الستة الماضية. وقتلوا قوات أجنبية وقوات أفغانية ودبلوماسيا كنديا ورجال شرطة محليين وفي بعض الأحيان تسببت عملياتهم في قتل حشود من المدنيين. \r\n \r\n \r\n كما إن أعمال الخطف في تصاعد. ويجري استهداف أفراد وعناصر شركات الأمن الأميركية الخاصة، وتم إغلاق أو حرق نحو 200 مدرسة . ويتوقع ضابط أميركي يعمل في البلاد أن تتصاعد أعمال العنف في فصلي الربيع والصيف. \r\n \r\n \r\n وتعود أسباب تلك الأزمة المتصاعدة في جوهرها إلى الاقتصاد الأفغاني المتهالك. فالأفغان الذين يصل تعدادهم إلى 24 مليون نسمة كلهم يعتمدون في حياتهم اليومية على المساعدات الأجنبية القادمة من الخارج وعلى زراعة الأفيون وعلى التحويلات النقدية التي يبعثها خمسة ملايين أفغاني يعيشون في الخارج. وتحتل أفغانستان المركز الخامس في ذيل مؤشر التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأممالمتحدة للإنماء. ولا يفوق أفغانستان سوءاً وفقرا في هذا الصدد سوى عدد قليل من الدول الواقعة جنوب الصحراء الإفريقية. \r\n \r\n \r\n ومنذ نهاية 2001، أنفق المجتمع الدولي المتمثل في ذلك «الكونسورتيوم» المؤلف من الدول الصناعية المتقدمة والمؤسسات النقدية الدولية وهيئات المساعدة الدولية ووكالات الأممالمتحدة التي تنسق فيما بينها في إدارة مناطق الأزمات- نحو ثمانية مليارات دولار على أعمال الإغاثة وإعادة الإعمار. بالطبع أموال كثيرة تلك التي تم تخصيصها، ولكنها بكل بساطة لا تكفي في ضوء الفقر المدقع الذي تعاني منه أفغانستان. \r\n \r\n \r\n وخلال مواجهتها للمشكلات الضاربة الجذور التي يعاني منها هذا البلد، قلصت الحكومة الأميركية حجم الأموال المخصصة لإعادة الاعمار هناك من مليار دولار في 2004 إلى 615 مليون دولار فقط هذا العام. وبسبب المشكلات التي تواجهها في عملية استقطاب الجنود، أقدمت الحكومة الأميركية على خطوة أخرى تمثلت في تقليص القوات العاملة هناك من 19,000 جندي إلى 16,000 جندي. وعلى الرغم من شعارات الطمأنة التي يطلقها بوش، فإن الولاياتالمتحدة الأميركية تعطي انطباعا أكيدا بأنها أخذة في التخلي ببطء عن المشهد الأفغاني. ومن أجل تعويض حالة التراخي تلك، رفعت قوة المساعدة الأمنية الدولية بقيادة حلف الناتو أعداد الجنود في أفغانستان من نحو 9000 جندي إلى 15000. وهناك وعد بتخصيص 10.5 مليارات دولار في صورة مساعدات خلال الأعوام الخمسة المقبلة، 1,1 مليار دولار منها وعدت بها الولاياتالمتحدة والبقية الباقية من اليابان والاتحاد الأوروبي والمؤسسات الدولية و70 دولة أخرى. \r\n \r\n \r\n كثير من الدول الأوروبية ترى أن الحربين غير الناجحتين اللتين خاضتهما الولاياتالمتحدة الأميركية في العراق وأفغانستان تمثلان فرصة للتأثير في العم السام وإقناعه بأنه يتعين على أميركا أن تكون أكثر حرصا على مصالح الدول الغنية. ومن ثم فإن تلك الدول تتحرك لمساعدة الولاياتالمتحدة عن طريق تحمّل أكبر قدر ممكن من المسؤولية في أفغانستان. ولكن الأوروبيين ينظرون إلى تلك الفرصة بقدر كبير من الهلع والذعر. ويأمل كثير من المراقبين أن تكون هناك إستراتيجية أوروبية لمواجهة التمرد تتميز بقدر أكبر من الفاعلية مقارنة بالإستراتيجية الأميركية التي تواجه قدرا كبيرا من النقد باعتبارها مفرطة في تركيزها على الوسائل العسكرية وتفتقد المرونة ولا تراعي الأبعاد الثقافية وتشوهها بشدة أعمال العنف والتعذيب والقتل التي يشهدها سجن باغرام في أفغانستان. هناك من يرى السنوات الخمس المقبلة في ضوء إمكانية وجود موجة جديدة من الدعم المادي والعسكري- هناك من يرى تلك السنوات باعتبارها فرصة أفغانستان الأخيرة لوأد موجة التمرد المتنامية التي تقودها حركة طالبان ولبناء دولة لها قدرة على القيام بوظائفها بشكل جيد. \r\n \r\n \r\n وينص مبدأ مكافحة التمرد على أن العمل العسكري يجب أن يقوم على معرفة دقيقة لطبيعة الموقف، وليس على مجرد «معلومات استخبارية فاعلة» بشأن تهديدات محددة، وإنما على فهم عام لطبيعة الحياة اليومية والعرقية في المنطقة المعنية. فعند تعلمها تلك الأشياء، لن تستطيع قوات الاحتلال السيطرة على الأراضي الأفغانية فحسب، وإنما ستتمكن أيضا من السيطرة على النسيج الاجتماعي الذي يتعين عليها السيطرة عليه والتحكم في هياكل القوة في ذلك المجتمع وفي الاقتصادات المحلية. وعند وجود تلك المعرفة لديها، ستتمكن تلك القوات من توجيه وإدارة عملية التنمية الاقتصادية بشكل فعال وسيمكنها أيضا السيطرة على الوضع عسكريا إذا اقتضى الأمر. \r\n \r\n \r\n هل يمكن للأوروبيين أن يفعلوا ما هو أفضل من الأميركيين؟ كي أصل إلى إجابةعن هذا السؤال، سافرت إلى قاعدة لقوات ليتوانية في أفغانستان تُدعى بي آر تي. مثل تلك القواعد العسكرية تهدف إلى الجمع بين عمليات إعادة الإعمار وحفظ السلام والعمل التنموي والدعم السياسي للمؤسسات الحكومية المحلية الوليدة مثل قوة الشرطة ومكاتب الحاكم الريفية. \r\n \r\n \r\n وهبطت بي الطائرة في مدينة شاغشاران بمقاطعة غور التي تعد أقل المقاطعات الأفغانية من حيث التعداد السكاني، وهي عبارة عن أراض صحراوية متجمدة بفعل التساقط المستمر للثلوج هناك إلى درجة أنه لا يمكن الوصول إليها عن طريق البر خلال معظم فترات الشتاء. \r\n \r\n \r\n تلك العزلة التي تعاني منها المقاطعة تتسبب في ارتفاع مستمر للأسعار وتجعل من الأهالي مدينين بشكل مستمر إلى التجار وملاك الأراضي. \r\n \r\n \r\n وتوجد في تلك القاعدة أيضا قوة عسكرية دنماركية. ومهمة القوتين الليتوانية والدنماركية الموجودتين في المنطقة مشابهة لمهمة الفريق الأميركي الذي عملتُ معه كصحافي ملحق به في سهل الشومالي. ويقوم الجنود في تلك المنطقة بتمشيط أراضي العمليات ويظلون أحيانا داخل سياراتهم قرابة الأسبوع في مهمة واحدة، حيث يأخذون في المرور في صورة ورديات من قرية لأخرى يجمعون المعلومات ويكوّنون علاقات مع السكان المحليين ويساعدونهم على معرفة أن الموالين الأجانب للحكومة المركزية موجودون في كل مكان حاملين البنادق وقاذفات القنابل. ومن يعرف ما إذا كان هناك ما هو أكثر من ذلك. \r\n \r\n \r\n وهناك في القاعدة ضابط مدني يُدعى أليكسيجيس جايزفسيس لديه قاعدة معلومات خاصة بمختلف احتياجات المقاطعة. ويرسم هذا الضابط خريطة كبيرة بكل تلك الاحتياجات ويربط بعضها ببعض. ولديه أيضا خرائط تبين مراكز القوة في المقاطعة مصحوبة بصور لرجال الحرب وزعماء القبائل. وفي حال نشوب أي أعمال عنف، فإن تلك المعلومات الموجودة لديه من المفترض أنها تساعده على تنسيق جهود المنظمات والجمعيات غير الحكومية، ومن ثم تفادي اتخاذ قرارات أو إجراءات مكررة. غير إنه بالكاد توجد هناك أي جمعيات أهلية يمكن أن تساعد. \r\n \r\n \r\n وتعمل القوات الأوروبية بكل جد على بناء جسور من العلاقات مع السكان المحليين ويعمل أفرادها على تربية الُلحى، ويخلعون الأحذية عند حضور الاجتماعات التي تعقد داخل المنازل ويشرعون في تعلم اللغة التي ينطق بها الشعب. ويتضح من أسلوبهم هذا أن تعاطفهم مع الشعب هناك بالفعل تعاطف حقيقي. وقد قمت بلقاءات مع عدد من السكان المحليين هناك وكانوا جميعا صرحاء بشكل مؤلم وأجمعوا على أنه لم يكن هناك أي تغيير حقيقي في حياتهم على امتداد السنوات الأربع الماضية. إنهم يتوقون بشدة إلى وجود طرق سير أفضل حتى يتمكنوا من الوصول إلى مدينة هيرات في الغرب وإلى كابول في الشرق. إن إحساس هؤلاء بالعزلة يتسبب في شعورهم بالهلع. \r\n \r\n \r\n خلال أربعة أعوام تلقت تلك المقاطعة التي يبلغ تعداد سكانها 670 ألف نسمة نحو ستة ملايين دولار أميركي في صورة مساعدات من واشنطن. وفي ضوء قلة الأموال المستثمرة هنا، انسحب عدد كبير من المنظمات الأهلية التي وصلت إلى البلاد خلال الموجة الأولى التي توجهت إلى أفغانستان بعد التدخل العسكري الأميركي . \r\n \r\n \r\n وتلك هي المشكلة الأساسية؛ فأفغانستان بلد فقير للغاية، وقوات الاحتلال لا تقوم بما يكفي لتغيير الأوضاع. فحتى إذا واصل الأوروبيون أسلوبهم التعاطفي مع الشعب المحلي هناك واستخدموا أفضل جنودهم ، فإن عدم توافر الدعم المالي سيعني قليلا من التقدم أو لا تقدم على الإطلاق. \r\n \r\n