\r\n وكنت قد سافرت من قطر إلى بغداد على متن طائرة شحن أميركية في نهاية شهر فبراير الماضي. ووصلت إلى قاعدة عسكرية أميركية قريبة من مدينة بعقوبة، التي تبعد بمسافة 30 ميلاً إلى الشمال من العاصمة العراقية بغداد، يوم 22 فبراير على متن مروحية عسكرية من طراز بلاك هوك. وهناك، قدم لي الكولونيل برايان جونز، قائد اللواء العسكري الثالث التابع لفرقة المشاة انطباعاً متفائلاً جداً عن منطقة عملياته التي تضم محافظة ديالا التي يبلغ تعداد سكانها 1.4 مليون نسمة إضافة إلى جزء من المحافظة المجاورة. \r\n \r\n وأكد جونز أن عمليات المقاومة المسلحة محدودة وضعيفة جداً في محافظة ديالا وأن تركيزه الأساسي في الفترة الحالية ينصب على إعادة تأهيل خدمات البنية الأساسية في المدينة مثل زيادة إنتاج الكهرباء وتوفير فرص العمل ومكافحة الفساد. وأشار جونز إلى أن مسئولية حفظ القانون والنظام انتقلت بشكل كبير إلى جنود وضباط الشرطة العراقيين الذين يعملون عن كثب مع نظرائهم الأميركيين. \r\n وكانت الأمور تسير على نحو جيد، ولكن في هذا اليوم بالذات نفذ مسلحون مجهولون هجوماً على ضريح الإمام علي الهادي في مدينة سامراء ودمروا القبة الذهبية للضريح. وتسبب هذا الهجوم في حدوث مضاعفات خطيرة في هذه المدينة ذات الأغلبية السنية حيث يبلغ تعداد السنة فيها 55% من إجمالي عدد السكان ، بينما يبلغ تعداد الشيعة 25% ، والأكراد 15%. وبعد هذا الحادث مباشرة، خرج الشيعة في مظاهرات حاشدة جابت شوارع المدينة. وأعقبت هذه المظاهرات حوادث عنف خطيرة نفذها مسلحون مجهولون حيث انفجرت قنبلة في سوق مدينة بعقوبة، وهو الأمر الذي تسبب في مقتل أكثر من 12 شخصا من بينهم قائد إحدى الكتائب المحلية التابعة للجيش العراقي. وبعدها أقام مسلحون معروفون لدى القوات الأميركية باسم المسلحين المناوئين للقوات العراقية حواجز للطرق خارج مدينة بعقوبة، واختطفوا 47 شخصا من سياراتهم ثم اغتالوهم. \r\n \r\n وقد أجبر المقدم توماس فيشر قائد الكتيبة الأميركية المتمركزة في مدينة بعقوبة التي يبلغ تعداد سكانها 450 ألف شخص على التعامل مع هذه التطورات الخطيرة. وقد قضيت يوماً كاملاً في عربته المدرعة أثناء تفقده لشوارع المدينة من أجل استكشاف التطورات التي تحدث هناك ومعرفة لماذا قتل المسلحون الأشخاص السبعة والأربعين؟ ودراسة أسلوب تعامل كتيبته مع هذه التطورات ومدى الحاجة للمشاركة في عمليات حفظ الأمن والنظام مع قوات الشرطة والأمن العراقية. \r\n \r\n وفي محاولته لتهدئة الأمور، سعى فيشر إلى تبديد الشائعات الغريبة القائلة بمسئولية القوات الأميركية عن انفجار القبة الذهبية، وأن القبة انفجرت بسبب قنبلة أميركية وليس بسبب متفجرات زرعها مسلحون مجهولون. وأصدر فيشر تعليمات لجنوده بعدم اعتراض المظاهرات الشيعية المنددة بتفجير القبة الذهبية وطالبهم بالوقوف على أهبة الاستعداد لمنع تحول المظاهرات إلى أحداث عنف ضخمة وهو الأمر الذي لم يحدث. وبعد ذلك، ذهب فيشر إلى المبني الإداري لمدينة بعقوبة من أجل التشاور مع المسئولين بشأن المساعدات التي يمكن تقديمها لقوات الأمن والشرطة العراقية. وكانت الإجابة أن قوات الأمن والشرطة العراقية تحكم سيطرتها على الأوضاع الأمنية والميدانية. \r\n \r\n وبالنظر إلى كفاءة قوات الأمن العراقية، توصلت إلى أن هذه التصريحات لم تكن تنم عن مجرد تظاهر بالقوة. وأثناء تجولنا في شوارع المدينة، رأينا قوات الأمن والشرطة العراقية ونقاط التفتيش التابعة لقوات الشرطة منتشرة في كل مكان. وأخبرني فيشر أنه عندما هاجم مسلحون نقطة تفتيش تابعة للشرطة العراقية مؤخراً، طاردهم رجال الشرطة وتمكنوا من إلقاء القبض عليهم. ويمكن أن ننظر لهذه المواقف كدلائل مبشرة على كفاءة قوات الشرطة العراقية في المستقبل. ولم يكن هذا الموقف مجرد مثال منعزل، فبعد أيام قليلة وأثناء زيارتي إلى المنطقة الخضراء في بغداد، تلقيت تقريراً موجزاً عن حجم التقدم الذي تحقق في مجال تشكيل قوات الجيش العراقي. و منذ عام مضى ، كان هناك 3 كتائب تابعة للجيش العراقي فقط. وفي الوقت الحالي، زاد عدد الكتائب حتى وصل إلى 40 كتيبة. ومن المتوقع أن يستمر العدد في الزيادة مع مرور الوقت.وقد حققت هذه الوحدات نتائج مذهلة في بعض المناطق التي تعاني من اضطرابات أمنية. وقد عاينت هذه التجربة بنفسي عندما مررت علي طريق مطار بغداد، الذي كان يصنف ضمن أخطر الطرق في العالم في يوم من الأيام. ولكن، لا تزال هناك بعض مشاعر القلق المبررة بشأن الانقسامات الطائفية وانتهاكات حقوق الإنسان داخل قوات الأمن العراقية. \r\n \r\n ولعل أسوأ الأمور التي شاهدتها خلال رحلتي الأخيرة إلي العراق هى أحداث العنف التي حدثت في أعقاب الانفجار الذي دمر القبة الذهبية لمرقد الإمام علي الهادي والتي هددت بوقوع العراق في هوة سحيقة من الحرب الأهلية بعد التحسن النسبى للأوضاع هناك. وقد أشار جونز خلال الرحلة التي قطعتها السيارة في نصف ساعة من قاعدته العسكرية إلي مركز ضخم للإمدادات اللوجيستية بالقرب من مدينة بلد بقوله: يمكن أن تمر فترة طويلة دون وقوع أحداث سيئة هنا، وبعدها قد تجد جثث 47 شخصاً ملقاة علي جانب الطريق. \r\n \r\n ولكن ما هي الإشارات الأكثر أهمية في العراق؟ .. أهي دلائل التقدم الذي تحقق دون أن يلحظه عدد كبير من الناس، أم الكوارث المستمرة التي تتناولها الصحف على صدر صفحاتها؟ لقد تركت العراق وأنا أشعر بتزايد مشاعر الشك والضبابية التي كانت لدي لحظة وصولي إلى بغداد. \r\n \r\n * عضو بارز بمجلس العلاقات الخارجية الأميركي. \r\n \r\n خدمة لوس أنجلوس تايمز خاص ب(الوطن) \r\n