\r\n وفي الصيف الماضي كتب غرينواي وهو كاتب عمود بصحيفة بوستون غلوب أن الحقيقة الصعبة هي أن العراقيين يشعرون بالولاء للقبيلة والأصول العرقية والعقيدة أكثر من شعورهم بالإنتماء لبلد واحد غير مقسم.\r\n وفي معرض قول بعض الخبراء بتقسيم العراق يستشهدون بيوغوسلافيا السابقة التي انقسمت في أعقاب الحرب الباردة الى البوسنة وكرواتيا وصربيا وسلوفينيا وربما تنقسم أكثر من ذلك الى كسوفا والجبل الأسود. غير أن المؤكد هو ان منطقة البلقان ليست نموذجا يحتذى، فهل تناسى مرددو تلك الأقوال التطهير العرقي؟ \r\n والحقيقة أن ثمة تفهما لحالة الإرتباك والتخبط التي تكتنف مستقبل العراق والسعي لإخراجه من وضعه المتأزم بيد أن القول بتقسيم العراق إلى دول أو مناطق ذات حكم ذاتي يحمل في طياته مخاطر كارثية ويرجع ذلك الى عدم وجود خطوط ديموغرافية واضحة تفصل بين المجموعات المختلفة، فهناك اعداد ليست قليلة من السنة تعيش في المناطق الشيعية والكردية وكذلك هناك مئات الآلاف من السنة والشيعة والأكراد والتركمان يعتبرون بغداد وطنهم. \r\n وبالمثل فإن دعاة التقسيم لم يدققوا بالقدر الكافي في دراسة الحياة الاجتماعية المشتركة والممتدة بين المجتمعات العراقية وترابطها بأواصر المصاهرة خاصة بين العرب السنة والشيعة. ومن بين الأمثلة الكثيرة نجد تكريت التي تضم عشيرة صدام حسين إلا أنها تحتضن ايضا عشائر شيعية الى جانب كثير من العشائر الاخرى. \r\n وأي تقسيم للعراق سينجم عنه عمليات نزوح وانتقال ضخمة للسكان، فمن الذي سيتولى معالجة ملابسات تلك القضية ويتحمل أعباءها المادية وإعادة التوطين وحفظ الأمن؟ \r\n وماذا ينتظر المجموعات السكانية الاصغر عددا، ومنهم على وجه الخصوص التركمان والآشوريين والكلدانيين؟ \r\n يقترح غيلب أن يمنح ممثلو هذه المجموعات الوقت والمال الكافي للقيام بعمليات إعادة التنظيم وعقد الاتفاقات او الذهاب الى الشمال او الجنوب. وعلى الرغم من احتمالات الخطر ووقوع الفوضى إلا أن الولاياتالمتحدة عليها ان تدفع لتمويل حركة تنقل السكان وحماية تلك العملية بالقوة. \r\n والحقيقة اننا ربما ندهش إذا علمنا أن معظم العراقيين يعارضون تقسيم العراق الى دول ثلاث. وعلى أية حال فالأمر يجب أن يخضع حال طرحه كخيار لاستفتاء وطني وهو ما يريده الأكراد. \r\n ولنفترض أن دعاة التقسيم قد أصبحت لهم الكلمة العليا، فالسيناريوهات المحتملة لن ترضي الغرب الذي يسعى لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط وتأمين خطوط النفط والغاز. \r\n ففي الجنوب في دولة الشيعستان ستقوى اواصر الروابط مع إيران ويزداد التعاون الى حد تذويب الحدود فيما بينهما، فمن في الغرب يؤيد الحاق الجنوب بالركب الإيراني؟ \r\n وفي الشمال سيؤدي استقلال كردستان الى إثارة نزعات مماثلة لدى الأكراد في البلدان المجاورة: تركيا وإيران وسوريا. وقد قوبلت انتفاضات الاكراد في تركيا بالقمع الوحشي وأعلنت الحكومة التركية أنها ستعارض قيام دولة كردية مستقلة شمال العراق (وقد اتفقت جميع الدول المجاورة على معارضتها تقسيم العراق). \r\n أما في المنتصف فقيام دولة سنية مستقلة فقيرة في النفط، تعاني من الجفاف من المؤكد أنها لن تستطيع الإعتماد على نفسها، وسوف يكون اتجاهها في النهاية الى الخضوع لنفوذ سوريا أو الأردن حيث الأغلبية السنية او أنها قد تنقسم بين الدولتين. \r\n ويقول المدافعون عن بلقنة العراق أنها دولة هشة أقامها الاحتلال البرطاني ولم يكن لها مطلقا ان تؤلف دولة واحدة. وتلك ايضا قراءة سطحية لوقائع التاريخ. فالعراق الحديث نشأ في أعقاب الحرب العالمية الاولى وهي أقدم من دول كثيرة تكونت عقب الحقبة الاستعمارية. كما أن العراق دولة تتمتع بمقومات مميزة بسبب خصوبة تربتها الزراعية التي يغذيها نهرا دجلة والفرات الى جانب الثروات المعدنية الوفيرة وفي مقدمتها النفط ومن ثم فإن أي تقسيم للعراق من شأنه أن يضعف هذه الثروة حال تفريقها على دول ثلاث تطمع كل واحدة فيما عند الأخرى. \r\n أما عن موقف الأحزاب السياسية في العراق فهي فيما عدا معظم الأحزاب الكردية المندفعة تعارض بشدة اي تقسيم للعراق. وبدلا من التركيز على نقاط قد تدعو الى التقسيم فلنضع نصب أعيننا عوامل التجانس والربط بين أبناء شعب العراق فهناك ما يربو على 75% منهم عرب وأكثر من 90% مسلمين كما أن اللغة والثقافة السائدة هي العربية، وهي المقومات التي ستصمد وتكون لها الكلمة الأخيرة. \r\n جون زكريان \r\n محرر الصفحة الافتتاحية السابق في صحيفة هارتفورد كورانت الأميركية \r\n خدمة لوس انجلوس تايمز وواشنطن بوست خاص ب(الوطن)