لكن الرئيس بوش لم يقم بذلك، إذا لم نقل انه اختار بدلا من ذلك طريقا مثيرا للاضطراب، خططه فيما يبدو «باري غولدواتر» الذي أصر على رأي آخر يتناقض كليا مع نصيحة «ادوارد مارو»، فذهب ليقول بعقيدة أخرى مفادها أن «التطرف في الدفاع هو ليس نقيصة... ولا يمكن اعتبار الاعتدال في تحقيق العدالة فضيلة». \r\n ولكن تتبع هذه العقيدة الجديدة بتناقضاتها، غيّرت من شخصية أميركا، واتجهت بها في رحلة نحو الأسوأ، ومن بين تجليات ذلك التغيير كان ذهابها في مارس 2003 إلى غزو واحتلال أحمقين للعراق؛ وإلى اعتقال آلاف الأشخاص المشتبه بعلاقتهم بالإرهاب بدون محاكمة، والذين حرموا من حق مجابهة الذين وجهوا لهم الاتهامات أو من حق التعبير عن براءتهم؛ وترتب عن كل ذلك صدور المذكرة المريعة من وزارة العدل عن تعذيب المعتقلين؛ والانتهاكات في سجن أبو غريب؛ والالتزام بسياسة الاعتقال والتسليم إلى بلدان أخرى، حيث يتم خطف الأفراد من قبل مسؤولين أميركيين ثم يتم تسليمهم إلى أنظمة معروفة بتقاليدها في التعذيب؛ ثم إنشاء سجون سرية تابعة ل «سي آي ايه»، التي يمكن اعتبارها زنازين القرن الواحد والعشرين؛ ومثلما كشف في الفترة الأخيرة فإن الرئيس بوش سمح بالتنصت على مواطنين أميركيين. \r\n ولكن وفي المقابل، فقد كان الرئيس صادقا تجاه المسائل العميقة المغروسة في مسعاه لتغيير أميركا. ولعله لم يفهمها بعد. ومع تنامي الخلاف حول التنصت بدون موافقة قضائية على مواطنين أميركيين من قبل وكالة الأمن القومي، بدا لنا الرئيس بوش وكأنه منزعج حينما قال في مؤتمر صحافي: «إن مناقشة هذا البرنامج كانت ستساعد العدو». \r\n حسنا سيادة الرئيس، لكنك تعرف أن واحدا من الأشياء الرائعة التي تخص نمط الديمقراطية الأميركي هو أن القضايا القومية المهمة هي دائما موضوع لمناقشات قومية صارمة. وليس هناك أمور أكثر أهمية من التوثق من عدم السماح لرئيس أظهر ميلا لتجاوز صلاحياته، كي ينشئ أسس التنصت النظامي على الشعب الأميركي، في سابقة هي جديدة بكل المقاييس. \r\n وبالنسبة لرئيس، أي رئيس، تعتبر الموافقة على التنصت على مواطني الولاياتالمتحدة على الأراضي الأميركية بدون مذكرة شيئا مقيتا. فهذه العملية، قبل كل شيء، غير شرعية، أيا كانت المبررات التي تدعو اليها. فالتجسس على السكان خطوة كبرى باتجاه النزعة الاستبدادية. وهو أسوأ سيناريو، وكابوس يذكر بنمط المراقبة السوفيتي. \r\n وترتبط بذلك المسألة البالغة الأهمية لفصل السلطات، وهي حجر الزاوية الحاسم تماما في شكل حكومتنا، ومتراسنا ضد الطغيان. ان نظاما شاملا للتدقيقات (يحتاج الى تفويض من محكمة من أجل التنصت على المكالمات الهاتفية على سبيل المثال)، فيما يمنع تركيز كثير من السلطة لدى أية جهة وبيد شخص واحد. \r\n وإذا ما أراد بوش أن يتجسس على الأميركيين، دعوه يتبع القانون ويحصل على تفويض. انه الرئيس وليس ملكا. ولا يستطيع الرئيس ان يقوم بما يرغب به ببساطة. \r\n وهنا لا بد من التذكير بحقبة الرئيس السابق، ريتشارد نيكسون، الذي أطلق كلاب المراقبة الداخلية في سبعينات القرن الماضي، ولعب ذلك دورا رئيسيا في الأزمة الدستورية التي هزت البلاد وأدت الى انهيار رئاسته. \r\n ومعلوم هنا أن نيكسون أصبح خارج السيطرة، ولهذا تدخل الكونغرس ومعه المحاكم على النحو المعلوم، وتحت التهديد بتوجيه اتهام له استقال من منصبه. \r\n ولكن الرئيس بوش يجادل بأن أعداء الولاياتالمتحدة من الشر والمكر بحيث أنه من المبرر بالنسبة له أن يتجاوز القيود القانونية التي ربما كانت تقيد رؤساء سابقين، بما في ذلك قيود مهمة مثل الحظر على التنصت بدون تفويض الذي تضمنه قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية لعام 1978. \r\n واذا ما كان رئيس ما يعتقد أنه ينبغي تغيير القانون، فإن بوسعه التوجه الى الشعب الأميركي عبر الكونغرس ليسعى الى إحداث مثل هذا التغيير. ولكن هذا الرئيس أدار ظهره للقانون المذكور وقرر سرا تجاهله. \r\n وبعمله هذا، أعلن بوش جوهريا ان التدقيقات لا تنطبق عليه، وأنه فوق القانون، وأنه يعرف افضل مما كان ماديسون وجيفرسون وهاملتون وأمثالهم يعرفون. \r\n ومن هنا، وبعمله هذا اصطف بدلا من ذلك مع ريتشارد نيكسون الذي كانت لديه فكرته الخاصة بشأن فصل السلطات. وقد جرى التعبير عن تلك الفكرة على افضل نحو في تعليق نيكسون المحبط: «عندما يفعل الرئيس شيئا، فذلك يعني انه ليس غير مشروع». \r\n * خدمة «نيويورك تايمز»