وقد عمّقت هذه الادّعاءات التشوش والارباك لدى الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي تجاه التصرّف الذي انتهجته واشنطن وقاد الى الحرب على العراق, ولاقى ذلك اعتراضا شعبيا واسعا في اوروبا, وحيال الكشف - كذلك - عن التعذيب الذي يمارس في المرافق الواقعة تحت الادارة الامريكية داخل العراق وافغانستان. \r\n ما هي حقيقة المزاعم بالضبط? \r\n توحي التقارير الصحفية بأن الطائرات المستخدمة من قبل (سي. آي. إيه) قد حدّدت مواقعها في فنلندا وألمانيا وهنغاريا وآيسلاندا وإيطاليا وبولندا والبرتغال واسبانيا, وأن تلك الطائرات جرى استخدامها في نقل الارهابيين المشتبه بهم وغيرهم من المعتقلين. وهناك قليل من الشكّ في ان الطائرات المستخدمة من قبل وكالة المخابرات المركزية الامريكية, قد اقلعت عبر اوروبا, ومن خلال توقف الرحلات فيها, طالما ان سجلات المطارات التي ترصد برامج الرحلات وهويات الطائرات وأرقام الرحلات, متوافرة علنا للجمهور. اما الامر المطروح امام الاوروبيين فهو فيما اذا كانت هذه الرحلات مخترقة للقانون الدولي. وفيما اذا كانت وكالات المخابرات المحلية تعرف - او متواطئة مع هذه العمليات التي يدّعي الكثيرون انها تتعلق بخرق الإنسان. \r\n وتشكل هذه المزاعم جزءا من الحوار المتواصل بين الولاياتالمتحدة والحكومات الاوروبية حول ممارسة »التسليم غير الاعتيادي«, واللغة المبهمة لوكالة المخابرات بشأن اعتقال, او حتى تسليم المشتبه بهم كارهابيين في بلدان اجنبية, ثم نقلهم الى بلدان او مراكز يمكن ان يتعرضوا فيها للتعذيب. وكتب وزير الخارجية البريطاني, جاك سترو, المؤيد للحرب الامريكية على العراق, الى واشنطن, باسم الاتحاد الاوروبي. يطلب اليها رسميا تقديم ايضاحات لهذه السياسة, وبخاصة اثارة موضوع السجون السرّية في اوروبا الشرقية, وعن توقف طائرات (سي. آي. إيه) في قواعد اوروبية, ما قد يكون مخالفا للقانون الدولي. وستجيب وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس على رسائل سترو وقلق الأوروبيين خلال زيارتها لأربع دول اوروبية. \r\n ماذا كان ردّ الولاياتالمتحدة? \r\n كانت رايس دقيقة في الملاحظات التي قدّمتها للصحفيين قبل مغادرتها الى اوروبا يوم الخامس من كانون الأول الجاري, وقالت حينها ان التحقيقات مع الارهابيين المشتبه بهم افرزت معلومات مفيدة ساعدت »في انقاذ حياة اوروبيين«. كما دافعت رايس عن شرعية تكتيكات الولاياتالمتحدة ضد ما وصفتهم »مقاتلين اعداء« لا دولة لهم, مُذكرة اوروبا بأن الارهاب خطر دولي عام. وقالت »اننا نتشارك في معلومات ساعدت في حماية بلدان اوروبية من هجمات«. واضافت رايس بأن الولاياتالمتحدة لا تسمح بممارسة التعذيب او تتحملّه او تتواطأ فيه تحت اية ظروف, ولكنها دافعت عن التسليم »سلاحا مشروعا« لشلّ »الارهابيين عن العمل« وإنقاذ حياة البشر. ولم تذكر شيئاً عن السجون السريّة. وحسب تشارلز كوبتشان, مدير مجلس العلاقات الخارجية للدراسات الاوروبية, فقد اتخذت رايس »موقفا شديدا نسبيا« من الاوروبيين, وكأني بها تقول »عليكم ان تختاروا ان كنتم معنا او ضدّنا في هذه القضية«. \r\n ومع ذلك, يقول ناقدو الادارة في اوروبا, ان تطمينات رايس حيال معاملة الولاياتالمتحدة للارهابيين المشتبه بهم, قد نسفتها الذكريات من فضائح اساءة معاملة المعتقلين في سجون »ابو غريب« و »مضيق غوانتانامو« و»باغرام« - وهذا الاخير هو احد المرافق الامريكية في افغانستان. ويقول خبراء ان معارضة البيت الابيض لاصدار قانون لمناهضة التعذيب من الكونغرس, والذي اقترحه السيناتور جون ماكين/ جمهوري عن ولاية اريزونا, قد زادت من نسف دفاع رايس عن سياسات الولاياتالمتحدة. \r\n ما اعتراضات اوروبا على المعاملة الامريكية للمشتبه بهم? \r\n يطال الخلاف استياء اوروبيا اوسع مع اسلوب ادارة بوش في مجابهة الارهاب. فيقول خبراء, ان الغضب من السجون السرّية ورحلات الطيران السرّية, ينبع من قضيتين أكبر ابتليت بهما العلاقات عبر الاطلسية, هما: عدم رضا اوروبا من عزوف واشنطن عن منح المشتبه بهم كإرهابيين العملية اللازمة من الاجراءات, وتقديم الضمانات بأن الحقوق الانسانية لهؤلاء غير منتهكة. \r\n فتشير التقارير الصحفية الى ان الولاياتالمتحدة القت القبض على اكثر من مئة شخص من المشتبه بهم بالقيام بأعمال ارهابية منذ 11 ايلول, وألقت بهم في مراكز اعتقال, او في بلد ثالث معروف بممارسة التعذيب. ويقول خبراء ان هاتين القضيتين - عملية الاجراءات اللازمة والتعذيب المزعوم - تتناقضان مع الأعراف الاوروبية الخاصة بحقوق الانسان. \r\n ما الأعمال التي قامت بها الحكومات والمحاكم الاوروبية? \r\n في الوقت الراهن, تجري تحقيقات فيما لا يقل عن ست حالات من رحلات طيران خاصة بوكالة المخابرات المركزية, وتحقيق اخر من المجلس الاوروبي في مزاعم وجود سجون سرية في بلدان اوروبا الشرقية, فقد طلب كبير المحققين المكلف من المجلس الاوروبي, السيناتور السويسري ديك مارتي, بيانات من الوكالة الاوروبية لمراقبة رحلات الطيران, كما طلب صورا من مركز الساتلايت التابع للاتحاد الاوروبي, قد تدل على اقامة مراكز توقيف في القواعد العسكرية البولندية والرومانية. غير ان بولندا- العضو في الاتحاد الاوروبي- ورومانيا التي تسعى حاليا للحصول على هذه العضوية- تنفيان تورطهما في شبكة من السجون الامريكية السرية المزعومة. \r\n على ان هذه التحقيقات تلقي ضغوطا على الحكومات في جميع انحاء اوروبا. ومن المؤشرات البارزة في هذا الصدد, ان حذّر مفوض العدالة والشؤون المحلية في الاتحاد الاوروبي, فرانكو فراتيني, يوم 28 تشرين الثاني, من ان اي دولة عضو في الاتحاد الاوروبي, تثبت ادانتها بالمشاركة في السلوك المزعوم لوكالة المخابرات المركزية, ستفقد حق التصويت فيه. \r\n وبينما رفضت بعض الدول هذا التهديد كأمر مغالى فيه, قال فراتيني ان السجون السرية قد تنتهك »الميثاق الاوروبي حول حقوق الانسان«, هذا اضافة الى ان جماعات حقوق الانسان الاوروبية, واحزاب المطالبة تطالب كذلك بضمانات من حكومات بلادها بان مسؤوليها غير متورطين في خطط التسليم الامريكية السرية. وفي هذا الخصوص, يقول غيلوم بارمنتيير, مدير المركز الفرنسي لشؤون الولاياتالمتحدة, ان التقارير الواردة عن هذه السجون تشكل »ذخيرة بالنسبة للمعارضة, وهدية بالنسبة للمعادين لامريكا«, وفي ايطاليا يوجه الادعاء العام الاتهام لاثنين وعشرين امريكيا باختطاف المجاهد الاسلامي حسن مصطفى اسامة نصر في شهر شباط ,2003 و »تسليمه« لمصر. \r\n ويدعي بعض المتشككين بان رئيس الوزراء سيلفيو بيرلوسكوني كان متواطئا كذلك. وقالت داريا بيسكي, محامية مسؤولي محطة وكالة المخابرات المركزية في ميلان, وذلك في مقابلة اجريت معها في تشرين الثاني المنصرم, »بعض الناس يعلمون, ولكنني لا اعتقد باحتمال قدوم امريكي الى ايطاليا ويختطف شخصا. يبدو الامر غير وارد حقيقة«. \r\n ماذا يعني هذا بالنسبة للعلاقات الامريكية- الاوروبية? \r\n »تدخل« الاخبار المتعلقة بعمليات التسليم الامريكية في اوروبا »في عمق مخاوف الاوروبيين من ادارة الرئيس بوش«, على حد قول جون غلين, مدير السياسة الخارجية في صندوق مارشال الالماني الامريكي, فمن ناحية اولى, عززت مزاعم التسليم ضد الولاياتالمتحدة- والتي تظل تكهنات ودون دليل قاطع- المشاعر المناهضة للحرب والمعادية لامريكا بقوة, كما يقول خبراء. ويقول جيمس غولدغاير, العضو المؤازر الكبير في الدراسات الاوروبية بمجلس العلاقات الخارجية, انه »حتى في البلدان الاوروبية ذات الحكومات المؤيدة للولايات المتحدة, وقف السكان ضد الافعال الامريكية.«.