فمن جهة طهران، الهجوم خطوة اخيرة في سلسلة خطوات هدفها تحسين الدفاع عن مشروعها النووي. فخوف ايران من هجوم رادع يزداد كلما اقتربت من صنع القنبلة. ويبدو ان الايرانيين يحاولون استغلال المصاعب التي تواجهها الولاياتالمتحدة في العراق في سبيل انجاز خططهم على وجه السرعة. ففي تقديرهم ان واشنطن لن تخاطر بفتح جبهة عسكرية جديدة. وهذا يترك اسرائيل وحدها في المعركة. ولكن حادثتين طرأتا زعزعتا ثقة طهران في نفسها. الاولى هي التغيرات السياسية التي شهدها لبنان، وتعامل القادة العسكريين الاسرائيليين الكبار، في المدة الاخيرة، مع الحزب كتنظيم واقع في ازمة. والامر هذا اقلق طهران جداً. فتسليح «حزب الله» بالصواريخ البعيدة المدى كان من المفترض ان يشكل رسالة واضحة الى عزم ايران على تطوير قدرتها النووية. ويقوم «حزب الله» مقام ايران في كل ما له علاقة بردع اسرائيل عن القيام بهجوم استباقي على المشروع النووي الايراني. ولعل اللغو الاسرائيلي في ضعف الحزب اضر بجزء اساسي من المشروع الايراني لتصنيع السلاح النووي. \r\n والثانية هي اعتقاد القيادة الايرانية ان رئيس الحكومة الاسرائيلية آرييل شارون، بعد انسحابه من غزة، بات قادراً ديبلوماسياً وعسكرياً، على التركيز على التهديد النووي لايران. وعليه، خطت ايران خطوات هدفها تعزيز قدرتها على الردع في مواجهة اسرائيل. فأعلن وزير دفاعها السابق، الاميرال علي شمخاني، ان دولته قامت اخيراً بتطوير دقة ومدى صواريخ شهاب –3، الصواريخ الباليستية المتوسطة المدى التي تملكها طهران. وشدد الاميرال على ان في استطاعة الصاروخ اجتياز 2000 كلم، واصابة أي مكان في اسرائيل واصابة مباشرة مع هامش خطأ يبلغ متراً واحداً. \r\n وفي نهاية شهر تشرين الاول (اكتوبر) اطلقت طهران قمراً اصطناعياً الى الفضاء، «سينا –1». وهو قمر مدة تشغيله ثلاث سنوات، ويملك قدرة على التمييز الى خمسين متراً. وأعلنت ايران ان هدف القمر تصوير اراضيها، ومراقبة الكوارث الطبيعية. ولكن في اواسط تشرين الثاني، اعلن رئيس المشروع الفضائي الايراني ان القمر قادر على التجسس على اسرائيل. وبعد شهر قام الرئيس الايراني، محمد أحمدي نجاد، وطلب علناً من الفلسطينيين الا يقعوا في فخ الانسحاب من غزة، وان يواصلوا الهجمات الارهابية ضد اسرائيل. وأكد ان تطهير العالم الاسلامي من اسرائيل ممكن. وكان الهدف جذب انتباه اسرائيل الى جبهتها الثانية، وتقييد حرية الحركة المتأتية من الانسحاب من غزة. \r\n وعليه، فهدف الهجوم الكبير الذي شنه «حزب الله» تذكير اسرائيل بما قد يحدث لها في حال فكرت في مهاجمة ايران. وفي اعقاب الهجوم، صرح زعيم «حزب الله» حسن نصرالله، ان الهجوم يدحض الافتراض الاسرائيلي بأن الحزب يعاني من الضغوط، وان وضعه ضعيف. وعلى رغم ادعاء المعلقين في اسرائيل ان بلادهم لا تملك خياراً عسكرياً حقيقياً لمواجهة ايران، يبدو ان طهران تعتقد شيئاً آخر. فالافتراض السائد هناك هو ان اسرائيل في اعقاب التورط الاميركي في العراق، ادركت ان عليها العمل منفردة فتحظى بمباركة واشنطن. \r\n وتتصرف ايران تصرفاً طائشاً. فنشر تقديرات الاستخبارات الاسرائيلية التي توقعت ان يقوم «حزب الله» بهجوم، وتحذير القوات الاسرائيلية في الشمال، لم يحولا دون وقوع الهجوم. ولم تؤثر مرابطة القوات الاميركية بدول مجاورة لايران في أحمدي نجاد، ولم يرجع عن دعوته الى الهجوم. وفي اختصار، يبدو ردع ايران عن التحول الى قوة نووية، او شل مساعيها في الدفاع عن مشروعها هذا، مستحيلاً. ويبدو ان اخفاق «حزب الله» في هجومه دليلاً آخر على ضعفه، بحسب اسرائيل. وهذا من شأنه ان يجعل طهران أكثر قلقاً، وقد يدعو «حزب الله» الى محاولة إثبات قوته من جديد. \r\n عن أفيغدور هاسلكرون (مؤلف كتاب «العاصفة المستمرة: العراق، الاسلحة الجرثومية والردع»)،