ومع هذا, فتظل تصريحات كالتي اطلقها الرئيس احمدي نجاد, حقيقة تلقى تجاوبا شعبيا واسعا في الحياة في الشرق الاوسط, وقد يبدو هذا الامر غريبا اذا اخذ بعين الاعتبار ان العديد من دول الشرق الاوسط بدأت تقترب من اسرائيل اكثر من اي وقت مضى. اذ اعلنت مصر, مثلا, يوم الجمعة الماضي, عن برنامج موسع تقدم فيه الولاياتالمتحدة اعفاءات جمركية للشركات المحلية التي تتعامل تجاريا مع اسرائيل. \r\n على ان مثل هذه التحسينات تظل في الغالب محصورة بمستوى العلاقة بين دولة ودولة وتعتمد في العادة على مقدرة الحكومات غير الديمقراطية على تجاهل الكراهية الشعبية لاسرائيل, ففي دول مثل ايران - التي لا تقيم علاقات دبلوماسية مع اسرائيل او الولاياتالمتحدة - فان الثمن المنظور لهكذا غضب واسع مستثار اقل كثيرا, وعلى الاقل بالنسبة لرئيس مثل احمدي نجاد. \r\n وهكذا, ففي سياق التاريخ الحديث لايران, من الصعب اعتبار الخطاب الناري لزعيم شعبوي باقامة »عالم من دون الصهيونية« مفاجئا. ذلك ان احمدي نجاد, الذي يستمد مؤيديه من الحماسة لما يدافع عنه كمطالب معادية للامبريالية وكاهداف بالعدالة الاجتماعية التي تبثها الثورة الايرانية, يبدو اكثر اهتماما بتدعيم مصداقيته داخليا منه استرضاء للولايات المتحدة او اسرائيل. وفي هذا الخصوص, يقول ويليام بيمان, استاذ علم الاجتماع بجامعة براون, ومؤلف كتاب »الشيطان الاكبر مقابل الملا المجنون«, » لا اظن انه يتفهم, عندما يطلق مثل هذه التصريحات ان العالم سيصغي اليه بل اعتقد انه ما يزال يعيش في موقعه كعمدة لطهران«, هذا ويفسَّر الكتاب المذكور بعبارة اخرى, »كيف تشيطن الولاياتالمتحدةوايران بعضهما«. \r\n ويقول بيمان, »انه يخاطب قواعده بشكل قاطع, وهي عبارة عن مجموعة من الناس منغمسة بالخطاب الثوري«, ففي الاحد الماضي, ظهر ثلاثمئة شخص امام مكاتب »احياء ذكرى شهداء الثورة الاسلامية الكونية«, بغاية التطوع في عمليات استشهادية ضد اسرائيل, كما ذكرت ذلك وكالة اسوشيتد برس. \r\n اما غاري سيك, الخبير في الشؤون الايرانية بجامعة كولومبيا, فقال »ان اتخاذ موقف معاد لاسرائيل لن يضيره ابدا لدى الذهنية الايرانية« فهو يشبّه نداء احمدي نجاد الى الناخبين الايرانيين بنداء الرئيس بوش في الولاياتالمتحدة -اي الاعلان بخطاب صريح وواضح لرجل يعني وينفذ ما يقول. »فلسان حاله يقول ما من احد سيقوى على اسكاتي, ولربما يصل في ذلك, والى حد كبير, الى الانسان المتوسط في طهران«, غير ان دعوات »الموت لاسرائيل«, الآتية من قمة السلطة, لا ينظر اليها انها تخدم مصالح ايران بعد الان, من الكثير من النخب السياسية, بل ستعمل على زيادة عزلة ايران. \r\n لقد نأى الزعيم الروحي الايراني, آية الله سيد علي خامنئي, بنفسه عن تصريحات رئيس الجمهورية. وكذلك فعل وزير الخارجية, ثم السفارة الايرانية في موسكو, وحيث تعتبر روسيا حليفا رئيسا لايران في اي مكاشفة في مجلس الامن الدولي حول البرنامج النووي الايراني, وبحلول يوم الاحد, بدا على الرئيس احمدي نجاد التراجع, فقد ابلغ وكالة الانباء الحكومية بان الاجراءات السياسية هي الوحيدة القادرة على حل النزاع بين الاسرائيليين والفلسطينيين. وبعد لقاء مع آية الله خامنئي, قال احمدي نجاد »ان الحل المنطقي الوحيد.. يتمثل في اجراء انتخابات حرة بمشاركة الفلسطينيين من الداخل والخارج, وفي الاعتراف بشرعية الدولة الفلسطينية«. \r\n وبالنسبة للمحللين السياسيين, فان هذه القصة تعتبر انعكاسا دقيقا لكراهية احمدي نجاد لاسرائيل, كما تمثل في الوقت ذاته, تدربا اثناء الخدمة, لرئيس لا يتمتع بخلفية في السياسة الخارجية, وبسيطرة كاملة على حكومته, او انه لا يحظى بالكثير من الخبرة في مجال الاضواء العالمية. وكشخصية تقية ورعة للغاية, تبدو ملتزمة بافكار ثورة 1979 الخمينية, فان احمدي نجاد غريب الى حد ما, قليلا, كذلك عن المؤسسة السياسية والدينية في طهران, ونوع من هوغو شافيز شرق اوسطي, دون السيطرة الكاملة لوضع افكاره موضع التنفيذ. \r\n في هذا الخصوص, يقول بيمان »اعتقد ان مرد ذلك الى سذاجة احمدي نجاد, فلا اظن انه توقع لتصريحاته ان تثير العاصفة النارية التي اشعلها, فمثل هذا الخطاب تم استخدامه في مناسبات واماكن اخرى عامة في ايران, ومر دون اهتمام به او ملاحظة له, وذلك لان الرئيس ليس هو الشخص الذي يصرح بذلك«. \r\n وفي الواقع, فان مهاجمة الصهيونية واسرائيل ممارسة شائعة تماما, ليس في الصحافة الايرانية وحسب, بل وفي جميع انحاء العالم الاسلامي, فقد قال الرئيس الباكستاني برفيز مشرف, مؤخرا انه يريد دفع بلاده الى تطبيع اوثق في العلاقات مع اسرائيل, وهو امر يشعر مشرف وغيره من الرؤساء والزعماء بانه اصبح اكثر سهولة بانسحاب اسرائيل, من غزة. \r\n فمصر, مثلا وهي اول دولة عربية تقيم سلاما مع اسرائيل, نأت بنفسها عن تعليقات الرئيس الايراني, اذ قال وزير الخارجية المصري للصحافيين, »ايران واسرائيل دولتان عضوان في الاممالمتحدة, اما ظاهرة من مثل اختفاء دولة عضو فيها, فلم يشهد عليها التاريخ ابدا«. ويوم الجمعة الماضي, دان مجلس الامن الدولي, بما فيه الجزائر, تعليقات احمدي نجاد. \r\n ومهما يكن من امر, فمثلما كان الانسحاب الاسرائيلي من غزة, مجرد الخطوة الاولى في طريق السلام بين اسرائيل والفلسطينيين, فانه ايضا يشكل الخطوة الاولى الانتقالية, التي قد تغير موقف الدول الاسلامية من اسرائيل. لكن الامر غير المرجح هو وقوع تغيير في يوم وليلة, في الاعتقاد المتعمق بين العديد من المسلمين, بان الصهيونية تقوم على اساس حرمان الفلسطينيين من حقوقهم السياسية. وقد افصح عن ذلك بكل وضوح, الرئيس الايراني السابق, اكبر هاشمي رافسنجاني, الذي انتقد تصريحات احمدي نجاد, عندما قال انه معني ايضا بادانة اسرائيل, لكنه »اذا كانت حقوق الانسان صحيحة, والقمع خاطىء, فعلى امريكا والاوروبيين القبول بحقوق الانسان الحقيقية. والوضع داخل اسرائيل لا يتطابق مع ذلك, »وكما ذكرت وكالة الانباء الحكومية الايرانية, الاسبوع الماضي, على لسان رافسنجاني: »ليست لدينا مشكلة مع اليهودية.. غير ان جدالنا يدور مع الصهيونية«.