وربما كان أخطر المخاوف المعدية هو الخوف من المجهول. وفي حالة انفلونزا الطيور ساهمت أحاديث السلطات الصحية وآخرون في نشر ذلك النوع من الخوف بالحديث عن التقديرات المتوقعة أن يتسبب المرض الوبائي حال انتشاره في قتل ملايين الأشخاص. وربما كانت آسيا على وجه الخصوص هي الهدف الأكبر الذي صوبت إليه التحذيرات على الرغم من أن الأمراض الوبائية عادة لا تعرف الحدود الجغرافية. وقد تسهم التحذيرات في حث السلطات المسؤولة وحملها على اتخاذ تدابير وقائية غير انها في الوقت نفسه تؤدي أيضا الى نشر الخوف المرضي غير المبرر. \r\n وربما كان حريا بنا قبل التركيز على تغيير مقاصد السفر وعادات تناول الطعام أن نستدعي إلى الأذهان مرض سارس الذي صاحبه موجة عارمة من الخوف المبرر عندما ظهر للمرة الأولى وأحاطت احتمالات انتقال عدواه هالة من الغموض غير أن المحصلة النهائية لعدد الوفيات جراء ذلك المرض لم تتجاوز ألف شخص في كافة أنحاء العالم كان معظمهم من كبار السن. ومع أن سارس قد انتهى فإنه قد خلف وراءه حالة من التوجس وخسارة اقتصادية حلت بقارة آسيا على وجه الخصوص وامتد أثره ليطول دولا لم تظهر بها حالة إصابة واحدة! \r\n وبالفعل فإن مرض انفلونزا الطيور يتسبب في قتل الإنسان ويجب أن تبذل الجهود كي تحول دون انتشاره ولكن لا يفوتنا ان هناك كثيرا من الأمراض الأخرى الفتاكة تتسبب كل عام في وفاة مئات الأشخاص. وعلى سبيل المثال فقد شهدت هونغ كونغ منذ وقت ليس ببعيد حالات وفاة من عدوى لحوم الخنزير وهو مرض وبائي موجود في الصين. ومن الأمراض الفتاكة الأخرى في مناطق جنوب شرق آسيا حمى الضنك والتهاب الدماغ وفيروس الكبد ب . \r\n فهل هناك بالفعل سبب معقول يستدعي القول بأننا الآن نواجه انفلونزا وبائية من ذلك النوع الذي شهده عام 1918 وربما أسوأ منه؟ مما لا شك فيه أن بعضا من تلك الأوبئة يكون انتشارها حتميا أحيانا بالضبط كما أن كارثة سونامي التي ضربت آسيا العام الماضي قد سبقها توقعات بوقوعها، ولكن التساؤل الآن: هل هناك من الأدلة ما يؤكد أننا الآن نواجه مرض انفلونزا طيور وبائيا أخطر مما كان عليه تهديد المرض نفسه قبل عامين أو خمسة أعوام؟ \r\n إن فيروس (إتش فايف إن ون) يمثل خطرا هائلا غير أنه متواجد منذ العديد من السنوات وقد تسبب في وفاة ستة أشخاص في هونغ كونغ عام 1997 وشخص واحد في الولاياتالمتحدة منذ ذلك الحين، وتركزت معظم الحالات المكتشفة في فيتنام وتايلاند. وبالطبع فإنه قد يتطور ويأخذ شكلا جديدا يكون أكثر قدرة على الانتشار بين الإنسان. والسؤال هل هناك من الأسباب ما يدعو للقول بأن احتمال تفشي الوباء الآن أكثر مما كان عليه الوضع عام 2000؟ أليس من المحتمل أن يأخذ المرض منحنى هابطا ويتلاشى بشكل تدريجي؟ أو أنه مع انتقاله من شخص لآخر فإنه سوف يفقد كثيرا من قدرته؟ فعادة ما تضعف الفيروسات مع مرور الوقت. \r\n الحقيقة هي أننا لا نعرف ما يحمله المستقبل لهذا الفيروس أو لأي نوع آخر من الفيروسات المشابهة ومن ثم فعلينا وضع خطط لعمل مراقبة جيدة وإنتاج أنواع جديدة من الأمصال والعقاقير لعلاج المرض إلى جانب خطط الصحة العامة للتصدي لأي وباء. بالطبع ذلك شيء جيد، بيد أننا الآن أصبحنا بحاجة إلى علاج من نوع آخر كي يتسنى لنا التعامل مع التقديرات التي يعلن عنها البنك الدولي بأنه حال تفشي وباء انفلونزا الطيور في الإنسان فقد يتكبد الاقتصاد العالمي خسائر تصل إلى 800 مليار دولار، في حين يقدر بنك التنمية الآسيوي أن الناتج الإقليمي سوف ينخفض بنسبة 6.5% إذا ما أصاب الوباء 20% من السكان هناك وأدى إلى وفاة 0.5% من عدد السكان. وعلى هذا المنوال يمكننا أيضا افتراض أن وباء انفلونزا الطيور يمكن أن يتسبب في وفاة 20% من سكان العالم وهي نفس نسبة الاوروبيين الذين لقوا حتفهم في القرن الرابع عشر بالوباء الذي عرف بالموت الأسود أو أنه من ناحية أخرى لن يتسبب في وفاة عدد أكبر مما تسبب فيه فيروس سارس. \r\n ومن غير الواضح سبب تركيز البنك الدولي على الخروج بمثل تلك التكهنات في حين لا يمنح تركيزه على المخاطر البيئية الأخرى التي تتسبب على نحو بطئ في إزهاق أرواح عشرات الملايين والتي يستطيع البنك أن يتصدى لمعالجتها. والقضية التي لم يعرض لها البنك للمعالجة هي التكلفة الاقتصادية التي تنجم عن نشر الخوف والهلع بعد أن أصبحت أخبار انفلونزا الطيور تحتل العناوين الرئيسية بشكل متزايد. \r\n بالطبع فإن هناك مخاطر من الانتشار الوبائي لأنفلونزا الطيور غير أن ذلك ليس بالشيء الجديد. وكما يقول أحد المتخصصين في علم الأوبئة: يميل الناس إلى تضخيم مخاطر محتملة في حين يتجاهلون أخرى موجودة على أرض الواقع. والآن فإن حجم خطر انفلونزا الطيور لا يداني خطر قيادة السيارة أو ذلك الخوف الناتج عن هذا المرض الواهن. \r\n فيليب بورينغ \r\n كاتب عمود بصحيفة انترناشونال هيرالد تربيون \r\n خدمة انترناشونال هيرالد تربيون خاص ب(الوطن)