وفيما عدا بعض الاستثناءات القليلة، لا يستطيع المتمردون في العراق القيام بعمليات عسكرية نوعية وذات معنى ضد القوات الأميركية. كما أنهم لا يستطيعون، مهما حاولوا، أن يعيقوا تحرك القوات الأميركية نحو أية جهة من الجهات في العراق، فضلاً عن عجزهم عن التصدي للجيش الأميركي أثناء قيامه بالعمليات العسكرية ومتابعة مهماته القتالية بالشكل الذي يختاره دون إرغامه على تغيير خططه. وبالطبع يختلف الوضع تماماً عما كان في فيتنام أو أفغانستان حيث نجح المتمردون مثلا في محاصرة القوات الأميركية في منطقة \"كي سانه\"، كما نجح المجاهدون الأفغان في عزل حامية سوفييتية طيلة فترة الصراع. هذا بالإضافة إلى حوادث أخرى أرهقت الجيشين الأميركي والروسي في حربيها ضد الفيتناميين والمجاهدين. \r\n وبالرغم من أن المتمردين يوقعون المزيد من الخسائر البشرية في صفوف القوات الأميركية عن طريق زرع المتفجرات وتفخيخ السيارات، إلا أنهم طيلة الفترة السابقة فشلوا في السيطرة على أية منطقة جغرافية، أو مواجهة القوات الأميركية في معارك وجها لوجه كما كان يفعل الفيتناميون الشماليون والمجاهدون مرات عديدة. وبخلاف الثوريين المتمرسين الذين يعاهدون شعوبهم بتحقيق مكتسبات ملموسة عند انتصارهم نجد أن المتمردين في العراق أخفقوا في تمرير أية رسالة دالة عدا الخطاب العدمي الذي يركنون إليه. كما أن المتمردين في مناطق أخرى غالبا ما ينأون بأنفسهم عن ترويع الأهالي ويحرصون على مساعدة الناس وتحسين حياتهم حتى ولو بطرق بسيطة. والحال أن المتمردين العراقيين لا يزرعون في النفوس سوى الرعب. وفي الوقت الذي يعارضون فيه تشكيل حكومة عراقية جديدة فإنهم لا يطرحون في المقابل أية بدائل واقعية. وفي هذا الصدد قال قائد المتمردين أبو مصعب الزرقاوي في شهر يناير الماضي \"لقد قررنا شن حرب شعواء على مبدأ الديمقراطية وعلى كل من يسعون إلى إرسائه\". ومع ذلك فقد توجه ثمانية ملايين عراقي للإدلاء بأصواتهم في تحد سافر لأقواله. هذا ومازال أغلب العراقيين ملتزمين اليوم بإنجاح حكومتهم وضمان تقدمها. \r\n ولعل أبرز مثال على تشبث العراقيين بالعملية السياسية هو تلك الطوابير الطويلة للعراقيين التي نشاهدها أمام مراكز التجنيد، وذلك بالرغم من خطر التفجيرات التي يستهدف تلك المراكز. ومع أن هؤلاء المتطوعين لا يسعون بالضرورة وراء مبادئ مثالية نبيلة، وقد يكون هدفهم الوحيد تأمين مورد رزق لعائلاتهم، أو التدثر برداء الوجاهة، إلا أن مجرد وجودهم في تلك الطوابير يدلل على فشل المتمردين في طرح رؤى مغايرة، أو في ترويع الناس بما يكفي لردعهم عن الانضمام إلى الشرطة والجيش. كما يدلل كذلك على فشل المتمردين في نزع الشرعية عن الحكومة وإبعاد العراقيين عن أجهزتها الأمنية. وتبقى أفضل الأنباء الواردة من العراق هي تلك المتعلقة بنجاح الجيش العراقي في تشكيل وحدات عسكرية قادرة على قتال المتمردين والدفاع عن مؤسسات الدولة الناشئة. فحسب الجنرال ديفيد بيتريوس يوجد حاليا أكثر من 170 ألفاً من أفراد الشرطة والجيش العراقي \"مدربون ومجهزون\" للقتال على نحو فعال، كما يوجد أكثر من 105 كتائب من الشرطة والجيش في ساحات المعارك. ومن المتوقع أن يصبح عشرات الآلاف من الأفراد جاهزين خلال الأشهر القليلة المقبلة لخوض القتال ضد المتمردين، حيث سيصل عددهم إلى 250 ألفا بحلول الصيف القادم. \r\n وباعتمادهم على الإرهاب والترويع وسفك دماء المدنيين العزل اختار المتمردون حربا يستطيعون إدامتها لفترة طويلة، حيث لا يتطلب الحصول على المتفجرات أو تفخيخ السيارات أية مهارة أو شجاعة من نوع خاص، كما لا يتطلب أموالا طائلة. وليس من المرجح أن تشهد السنة المقبلة انخفاضا ملحوظا في عدد التفجيرات، بل من الممكن أن يواصل العنف حصده للمزيد من الأرواح مثلما حدث مع الانتفاضة الفلسطينية التي ظلت حملة عنفها مستمرة لأكثر من ثلاثة عقود، أو ما حدث مع الجيش الجمهوري الأيرلندي الذي انتهج العنف وسيلة للنضال لفترة طويلة. لذا فإنه ليس من الحكمة أن نقيس التقدم الجاري في العراق بأعداد الضحايا الذين يسقطون يوميا، أو السيارات التي يفجرها المتمردون، بل يتعين قياس التقدم استنادا إلى مدى النجاح في إقامة حكومة شرعية ومستقرة وبناء مؤسسات الدولة القادرة على مواجهة الهجمات المتكررة. \r\n غير أن المشكلة الكبيرة التي تواجه هذا التقدم هي عدم كفاية قوات التحالف. لذا يتوجب على القادة الميدانيين أن يضاعفوا جهودهم ويقوموا باختيارات صعبة فيما يخص المهمات الخطرة والحساسة كإغلاق الحدود ومراقبتها، وحماية خطوط الاتصال، والدفاع عن أنفسهم، وتدريب القوات العراقية، ثم ضرب المتمردين. وإذا كانت القوات الأميركية ستنهض بكل تلك الأعباء، فإنه يتعين إرسال المزيد من القوات إلى العراق. بيد أن بوش لا يبدو متحمسا لهذا الخيار، لا سيما في ضوء التسريبات الأخيرة الواردة من وزارة الدفاع البريطانية التي تفيد باعتزام الولاياتالمتحدة سحب قواتها من العراق. وبالرغم من تفهمنا لرغبة بوش، إلا أننا لا نعتقد أن الانسحاب هو الحل المثالي، خصوصا وأن سحب القوات في هذه المرحلة من شأنه أن يقوي شوكة المتمردين ويجعل منهم خطرا عسكريا حقيقيا على الحكومة العراقية. \r\n \r\n فرديريك كاجان \r\n \r\n باحث في معهد \"أميركان إنتربرايز\" بواشنطن \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n \r\n