لكن يبدو أن احراز تقدم دبلوماسي في ظل المصالح المتنافرة والتوقفات الحالمة لكلتا الدولتين سيكون حلما بعيد المنال ما لم تكن هنالك رغبة صادقة من كلا الجانبين في تقريب الفجوة بين هذه المصالح‚ \r\n \r\n خلال ولاية الرئيس الأميركي بوش الأولى كرر أقطاب صناعة القرار الأميركي نداءاتهم لايجاد حل دبلوماسي للورطة النووية لكنهم كانوا يتوقعون ان يتبلور هذا الحل دون مفاوضات لقد كانت الولاياتالمتحدة تتوقع ان تلتزم كوريا الشمالية من تلقاء نفسها بتفكيك بنيتها النووية بالكامل ويبدو ان الادارة الأميركية قد تبنت هذا الموقف انطلاقا من كراهيتها المتعاظمة تجاه بيونغ يانغ ورفضها لنظام الخطوة‚ خطوة الذي اتبعته ادارة الرئيس بوش‚ وهو رفض وصل إلى مرحلة تجنب ذكر كلمة «مفاوضات» التي تحمل مضمون التواصل مع كوريا الشمالية ونتيجة لهذا الموقف الأميركي المتصلب كانت ردة الفعل الكورية بمثابة تحد صريح في عام 2005 عند اعلانها أنها تمتلك عددا غير محدود من الأسلحة النووية وأنها مصممة على انتاج المزيد ورغم حساسية الموقف وخطورة انتشار الأسلحة النووية إلا ان السياسة الأميركية تفتقر إلى عامل السرعة في معالجتها للموضوع الكوري لاعتقاد بعض المسؤولين الأميركيين أنه لا توجد ظروف مناسبة يمكن ان تقنع الكوريين أو تحملهم على التخلي عن قدراتهم النووية كذلك يعول بعض المسؤولين الأميركيين على الدور الذي يمكن ان تلعبه الصين وكوريا الجنوبية في الضغط على بيونغ يانغ غير ان كلتا الدولتين لا ترغبان في ممارسة أي خيارات قسرية على كوريا الشمالية ولإدراك واشنطن وبيونغ يانغ لهذه المواقف‚ فهما - كما يبدو- مستعدتان للعب على هذه المتناقضات لأطول وقت ممكن لإبطاء حركة الأزمة‚ وفي غياب الرغبة الأميركية لمنح كوريا الشمالية أي إغراءات أو حوافز ولافتقارها للخيارات العسكرية‚ فإن ادارة بوش لا تملك أي خيارات استراتيجية أخرى ولقد زادت مؤشرات الربيع الماضي التي كشفت عن استعداد كوريا الشمالية للقيام بتفجير نووي يزيد الأمور سوءا حتى بعد تراجع كوريا مؤخرا عن هذه الاختيارات اضافة إلى التطورات النووية الأخرى مثل مواصلة العمل في بناء مفاعل نووي كبير ولكنها كانت كافية لاقناع الادارة الأميركية بمراجعة سياساتها ويبدو ان اصرار كوريا الشمالية على التحدي وتأثير ذلك على منطقة شمال شرق آسيا على المدى البعيد قد أجبر بعض المسؤولين الأميركيين على التعقل مما جعل الادارة الأميركية تحجم عن وصف كوريا الشمالية ب «قلعة الطغيان» وبدأت كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأميركية في التلميح إلى إمكانية اجراء محادثات مع بيونغ يانغ ‚وهو ما كانت تتجنبه الادارة الأميركية تماما خلال السنوات السابقة وفوق ذلك يبدو ان الادارة الأميركية مدركة تماما ان المفاوضات قد تؤدي إلى خطوات جادة نحو اتفاقية فماذا يمكن ان يحدث لاحقا؟ قد تحاول بيونغ يانغ تحقيق هدفين من خلال هذه المفاوضات ‚أولا ان تلزم نفسها بنزع أسلحتها النووية كهدف نهائي‚ وبذلك تضع نفسها في موقع اتخاذ القرار الاستراتيجي الذي تطلبه واشنطن‚ أي التخلي عن قدراتها النووية‚ معللة ذلك بتحقيق حلم كيم إيل سونغ الذي تعهد ببقاء الجزيرة خالية من الأسلحة النووية‚ وقد يشمل هذا الوعد تعهدا بتجميد أنشطة نووية محددة مثل عمليات إعادة المعالجة والمنشآت الجديدة‚ ثانيا‚ قد تقترح بيونغ يانغ مرة أخرى برنامجا تدريجيا ممرحلا يعزز موقفها ويمنحها السيادة الكاملة لنزع أسلحتها وفق البرنامج الذي تخططه مما يعني ان بيونغ يانغ ترمي إلى توصيل رسالة محددة كلما تمت الموافقة على مطالبها بسرعة قامت بكشف المعلومات ونزع القدرات التي تراها واشنطن مهمة وضرورية ويبدو ان بيونغ يانغ تراهن على تحقيق ثلاثة توقعات لعودتها لطاولة المفاوضات: الشرعية‚ الأمن والتعويض‚ غير ان الادارة الأميركية تعتبر التوقع الثالث مرفوضا ‚ويبدو أن اقتراح كوريا الجنوبية بتزويد كوريا الشمالية بمزيد من القوة والمساعدات الفنية ما هي إلا محاولة لإعفاء الولاياتالمتحدة من التزامات مالية كبيرة‚ السؤال المطروح حاليا هو هل هناك أمل في ان تفضي هذه المفاوضات إلى نتيجة مقبولة لدى كافة أطرافها؟ أولا مازالت واشنطن ترفض وصف هذه المفاوضات بالثنائية ولكن الأطراف الأخرى تفهم جيدا ان العلاقة الأميركية- الكورية الشمالية هي جوهر هذه المشكلة‚ \r\n \r\n ثانيا: هل بيونغ يانغ مستعدة فعلا للتخلي عن قدرات استراتيجية وهل الولاياتالمتحدة مستعدة مقابل الحصول على مكاسب استراتيجية أكبر لتقديم تعهدات ملزمة لنظام قمعي ناصبها العداء زمنا طويلا؟ \r\n \r\n إن لقاء بكين سيوفر الفرصة الأخيرة والأفضل لكيم وبوش للاجابة عن هذه الأسئلة وإذا كانت الاجابة عن أي من هذه الأسئلة «لا» فإن أي من الأطراف الستة سيسلك طريقا مختلفا وأبعد تجانسا في المستقبل‚ ان الاجابات الايجابية وحدها هي التي يمكن ان تكون البداية لمراحل بالغة الطول مليئة بالأخطار والخسائر لكن النتيجة الحتمية لهذه المراحل قد تغير وجه شمال شرق آسيا بكامله غير ان المراهنات على لقاء بكين قد لا تكون في مستوى هذه الآمال العالية‚ \r\n