\r\n وبالمناسبة، هذا هو بالتحديد الطلب المناسب. غير أنني أؤيد قلباً وقالباً (وأنا هنا أستخدم بالطبع الظرف المفضل لدى رئيس الوزراء البريطاني توني بلير) الديمقراطية في الشرق الأوسط. إن الانتخابات التي تجرى في الدول العربية هي من أطرف المحاولات التي تبذل في الشرق الأوسط لاستنساخ «الديمقراطية» على النسق الغربي. \r\n \r\n \r\n تلك الديمقراطية التي يدعي أباطرة الغرب أنهم يطبقونها بالفعل. في 1993، على سبيل المثال، فاز صدام حسين بنسبة 96,99% في انتخابات 1993 الرئاسية. ولم يتم الإفصاح عن هوية نسبة ال 04,0% الذين صوتوا ضده، وذلك على الرغم من أنهم فكروا بشكل أفضل بحلول 2002 عندما أعلن زبانية صدام انه حصل على 100% من الأصوات. \r\n \r\n \r\n وفي 1992 كانت هناك نكتة في أميركا مفادها أن جورج بوش الأب، بعد تعرضه للهزيمة في الانتخابات، طلب من قوات أمن عربية أن تساعده في الحصول على انتصار على غرار ما يجري في الشرق الأوسط. فما كان من رجال الأمن إياهم إلا أن طاروا إلى مطار جون كنيدي وصوت الأميركيون بنسبة 99%، ولكن لرئيس شرق أوسطي. \r\n \r\n \r\n هذا الوضع يصل بنا إلى لب القضية، فحتى أسوأ الأنظمة الديكتاتورية في العالم وهي الأنظمة التي عادة ما تحظى بتأييدنا نحن «الديمقراطيين» تريد أن تمارس تلك اللعبة. إن الحديث عن التأييد «الشعبي» هو خصلة أساسية من خصال اللصوص. ولذلك عندما كنا نقرأ أن هناك دولة تصف نفسها بأنها «جمهورية ديمقراطية شعبية». \r\n \r\n \r\n فإننا كنا ندرك دائماً أنها دولة بوليسية، سواء أكانت تلك الدولة الجمهورية الديمقراطية الألمانية أو جمهورية الجزائر الديمقراطية. فكلما زاد النظام توحشاً، غدا أكثر حديثاً عن الدعم «الشعبي» أو «الديمقراطي». المشكلة بالطبع هي أننا قبلنا بهذا. نحن وقفنا في صف الجمهورية الديمقراطية الألمانية والخمير الحمر في كمبوديا «الشعبية» حتى داخل مجلس الأمن. \r\n \r\n \r\n ذلك بشرط أن يكونوا «معنا»، وهو ما كان يعني وقتها أن يكونوا إما ضد الصينيين أو ضد الاتحاد السوفييتي. ولذلك فإن كل الدول اليائسة والمنهكة التي قمنا برعايتها في الشرق الأوسط سارت على هذا النهج، وقادتها جميعاً تم الترحيب بهم في بادئ الأمر من قبل كل من بريطانيا وأميركا بعد أن تخلصوا من ملوكهم، عبر انقلابات عسكرية. \r\n \r\n \r\n ولكن كيف نتصرف نحن الديمقراطيين «الحقيقيين»؟ يوم الثالث من فبراير 2003 شهد عواصف جليدية عنيفة في نيويورك وكانت قوات الأمن السرية الأميركية ترتدي معاطف تساعدها في التغلب على البرد القارس. وكانت عبارة «جهاز سري» مطبوعة على معاطفهم. \r\n \r\n \r\n وأمام المبنى المكسو بالحرير الصخري للأمم المتحدة على نهر «الايست ريفر» وقفت عناصر تلك القوات وأيديهم متشبثة بأجسادهم بفعل البرد.وعلى الرغم من أنني كنت منهكاً وقتها لأنني كنت قد قطعت ألوف الأميال أثناء زيارتي عدداً من المدن الأميركية، إلا أن رؤية وزير الخارجية الأميركي وقتها كولن باول. \r\n \r\n \r\n أو فلنقل الجنرال باول كما يتم دعوته الآن على سبيل التوقير من قبل بعض الصحف الأميركية، وهو يقوم بآخر محاولة له أمام مجلس الأمن للحصول على موافقة دولية لشن الحرب على العراق، كانت رؤيته وهو يتحدث تجربة لا يمكن مشاهدتها على أرض الواقع. وكنت وقتها استعد للذهاب إلى العراق في غضون أيام قليلة، هذا البلد الذي حاز على دعمنا في البداية. \r\n \r\n \r\n من أجل تغطية بداية هذه الحرب المجنونة والطائشة. كان ظهور باول أمام مجلس الأمن بمثابة المقدمة التمهيدية للمأسة، أو دعنا نقول المأساه الكوميدية إذا استطاع المرء كظم غيظه. لقد كان ظهوره يشبه ظهور مساعد الأمير الذي سيفسر قصة الرواية الدرامية، لقد كان مثل هوراشيو في علاقته بهاملت القاطن في البيت الأبيض. \r\n \r\n \r\n بداية المسرحية كانت مروعة عندما وصل باول إلى القاعة وأخذ يقبل مندوبي الدول الحاضرين ويلف ذراعيه الكبيرين حولهم، ومن خلفه وقف جورج تينيت، مدير «السي آي إيه» وقتها، بجسده القوي المكتنز وملامحه العدوانية، غير انه كان يبدو مطيعاً، يقضم شفته بشكل خفيف. \r\n \r\n \r\n كان تينيت يشبه الممثل ادوارد جي روبنسون، إذ كان من المؤكد انه أقنع نفسه بأن المعلومات المشكوك فيها لديه يجب إخفاؤها تحت غطاء من الغضب والخوف الأخلاقي حتى يتم إخفاؤها بشكل آمن. وتماماً كما كانت الحال مع ظهور بوش أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر الماضي، كانت هناك حاجة إلى أن يكون المرء موجوداً في مجلس الأمن وقتها حتى يرى ما لا تلتقطه كاميرات التلفزيون. \r\n \r\n \r\n وذلك لأنه كانت هناك لحظة رائعة عندما دخل جاك سترو الغرفة بجسده النحيف عبر الباب البعيد الموجود على يمين الغرفة، وهو يرتدي بذلة واسعة بشكل ملحوظة لدرجة أنها كانت تبتلع كل جسد المسؤول البريطاني الكبير. وقف سترو للحظة ووجهه يحمل ابتسامة شبه بريئة وأنفه إلى أعلى كأنه يبحث عن رائحة السلطة. \r\n \r\n \r\n ثم حدث أن رأى باول فملأت وجهه الابتسامة، وهرع إلى المسرح ليحتضن صديقه الأميركي. قد يتبادر إلى ذهنك انه في ضوء كل تلك الابتسامات والمصافحات بالأيدي، فإن القاعدة تبدو وأنها تحوي رجالاً يحتفلون بالسلام، وليس رجالاً يناقشون أمر حرب. ولكن للأسف. \r\n \r\n \r\n فهؤلاء الرجال المتأنقون كانوا يضعون الإطار الذي يسمح لهم بأن يقتلوا أعداداً كبيرة من الناس، منهم بلا شك عدد كبير من وحوش صدام، وكان هناك بلا شك عدد هائل للغاية من الأبرياء. وعندما نهض باول للإدلاء بخطابه عن الإرهاب، والذي كان بالطبع مليئاً بالأكاذيب، أدلى به بشكل متدرج يوحي بأن المدافع الصلب عن العالم قد نفد صبره. \r\n \r\n \r\n وكان سترو مثل التلميذ المطيع الذي كان أول من صفق بمجرد أن انتهى باول من أكاذيبه. وما كان بلير إلا أن أيد كل كلمة جاءت في تلك الأكاذيب. فلتحيا ديمقراطيتنا، دعنا نأمل أن يتبنى العرب تقاليدنا المجيدة. \r\n \r\n \r\n