\r\n و كانت هذه المذكرات كفيلة بتغيير رأيى كليةً تجاه قرار شن الحرب على العراق و موقفي من رئيس الوزراء البريطانى تونى بلير و الرئيس الأميركى جورج بوش. و ركزت المذكرات على الفترة التى سبقت القمة التى عقدت بين بوش و بلير فى مزرعة الأول بولاية تكساس فى بداية شهر أبريل عام 2002 . و ما يسترعى الاهتمام بصورة أكبر فى هذه المذكرات هو الطريقة التى حذر بها المسؤولون البريطانيون رئيس وزرائهم من العواقب الوخيمة التى قد تنجم عن شن الحرب على العراق فى أعقاب انتهاء الحرب. \r\n و قد حصلت على النسخة الثانية من هذه المذكرات السرية ابان الانتخابات العامة التى جرت فى بريطانيا مطلع العام الحإلى، و كنت أكتب خلال هذه الفترة فى جريدة أخرى و هى جريدة صنداى تايمز. و تحكى تلك المذكرات التى حصلت عليها من مصدر آخر عن الاجتماع الحاسم لمجلس وزراء الحرب البريطانى فى الثالث و العشرين من يوليو عام 2002. و كان توقيت الكشف عن هذه المذكرات ذو مغزى هام ، و ذلك اذا ما أخذنا فى الاعتبار الصعوبات الانتخابية التى كان يواجهها بلير بسبب تبنيه لقرار غزو العراق الذى كان يحظى بمعارضة معظم أفراد الشعب البريطانى. \r\n و من جهتى ، لم أبد اهتماما كبيرا بالمذكرة التى ذاعت شهرتها فى الوقت الحإلى و التى كانت تحكى عن وقائع اجتماع مجلس الوزراء البريطانى فى الثالث و العشرين من يوليو عام 2002. و ركزت فى مقالاتى على التقارير الاخبارية المنفصلة التى قدمها بعض الخبراء العاملين فى مكتب مجلس الوزراء البريطانى. و ذكرت هذه التقارير أن بلير وافق خلال اجتماعه مع بوش فى مزرعته بمدينة كراوفورد على دعم بريطانيا للعمل العسكري الذى يهدف لتغيير النظام فى العراق. و قال المسؤولون فى مذكرتهم : كان من الضرورى أن نوفر الظروف التى تمكنا من دعم العمل العسكرى بشكل قانونى، لأن هذا القرار كان غير شرعى. \r\n و لكن بلير و مجلس وزرائه كانوا يأملون فى أن تؤدى بعض مخططاتهم الذكية إلى ايقاع صدام فى شرك يمنح الحلفاء المبرر و الضوء الأخضر لغزو العراق. و نجحت هذه المخططات فى اقناع مجلس الأمن الدولى بتوجيه انذار إلى الرئيس العراقى السابق يأمره بالسماح لمفتشى الأسلحة الدوليين بمباشرة عملهم بصورة متحررة من أى قيود. \r\n و على الرغم من استمرار اصرار كل من بوش و بلير على أن قرار اللجوء لمنظمة الأممالمتحدة كان يهدف إلى تجنب الحرب، فان احدى المذكرات أكدت على أن هذه الخطوة كانت ترمى فى حقيقة الأمر إلى اضعاف موقف الرئيس العراقى السابق و إظهاره بمظهر الخارج عن الشرعية الدولية بهدف الحصول على مبرر قانونى لشن الحرب على العراق. و كان المسؤولون البريطانيون يأملون فى أن يتم صياغة الانذار بطريقة غير مقبولة كى يرفضه صدام بسرعة و دون تردد. و لكنهم لم يكونوا متاكدين من جدوى هذه الخطوة ، وهو الأمر الذى دعا هؤلاء المسؤولين إلى وضع خطة بديلة. \r\n و قد ركزت تغطيات وسائل الإعلام الأميركية بخصوص مذكرات (داونينغ ستريت) بشكل كبير على تأكيدات السير (ريتشارد ديرلاف) رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية البريطانية الذى صرح بأن واشنطن كانت ترى أن قرار شن الحرب على العراق أمر لا مفر منه و أن المعلومات و الحقائق الاستخباراتية استغلت من أجل الترويج لهذه السياسة. و هناك جزء فى هذه المذكرة أكثر أهمية من الأجزاء السابقة و هو الجزء الذى وردت فيه تصريحات وزير الدفاع البريطانى (جيف هون) التى قال فيها إن الولاياتالمتحدة بدأت بالفعل فى القيام ببعض النشاطات التى تهدف إلى الضغط على النظام العراقى السابق ، و هى الخطوات التى اتضح لنا فى الوقت الحالي أنها الخطة البديلة. و ألقت الطائرات الأميركية التى كانت تراقب تطبيق قرار الحظر الجوى المفروض على الأجواء العراقية عددا كبيرا من القنابل على المحافظات الجنوبية بالعراق على أمل جر النظام العراقي السابق إلى اتخاذ ردة فعل تعطى الحلفاء المبرر لتنفيذ ضربة جوية و حملة تفجيرات شاملة على الأراضي العراقية. و كانت هذه الخطوة بمثابة المرحلة الأولى من الصراع. و تظهر الاحصاءات البريطانية عن عدد القنابل التى القيت على جنوب العراق فى عام 2002 أن متوسط وزن القنابل التى ألقيت على هذه المنطقة فى الفترة ما بين شهرى مايو و أغسطس من عام 2002 بلغ 10 أطنان . و لكن هذه النشاطات الأولية لم تؤت ثمارها المرجوة لأن النظام العراقى لم يرد على هذه الاستفزازات و لم يشن عمليات انتقامية. و بهذا لم يقدم نظام صدام المبرر الذى كان يحتاجه كل من بوش و بلير. و فى نهاية شهر أغسطس من عام 2002 ، كثف العلماء بصورة درامية من إلقاء القنابل و المتفجرات على جنوب العراق. و كانت هذه الخطوة بمثابة حرب جوية ابتدائية. و بلغ وزن القنابل التى ألقيت على جنوب العراق من قبل طائرات قوات التحالف حوالي 54.6 طن فى شهر سبتمبر وحده. و حافظت المعدلات على ارتفاعها فى عام 2003. و يمكننا القول بطريقة أخرى \r\n أن بوش و بلير بدأوا حربهم على العراق فى نهاية شهر أغسطس من عام 2002 و ليس فى مارس من عام 2003 حسب ظن الغالبية العظمى من سكان العالم ، و هو ما يعني أن بوش شن حربه على العراق قبل ستة أسابيع من موافقة الكونغرس على تبني الخيار العسكري ضد العراق. و ليست الأخبار المتواترة عن استغلال المعلومات و التقارير الاستخباراتية لتبرير الحرب على العراق بجديدة علينا. و لكن الجديد فى الأمر هو اتفاق ابريل المشبوه بين بوش و بلير لخوض الحرب على العراق، و الاستغلال المعيب لمنظمة الأممالمتحدة فى اضفاء الشرعية على قرار شن الحرب، الحرب الجوية السرية و غير القانونية التى شنتها القوات الأميركية على جنوب العراق دون موافقة الكونغرس. \r\n \r\n *كاتب متخصص فى شؤون الدفاع بجريدة صنداى تايمز اللندنية.