اثار هذا استغراب احد الجنود الاميركيين الذي صرخ باستهجان «لقد تركوا المعتقل‚ لقد تركوه يذهب وبكل بساطة‚ يا لحلاوة هذا الامر!»‚ في هذه الاثناء بدأ الرجل يركض وسط الغبار على طول الشارع الرئيسي ثم اختفى‚ \r\n كان الجنود العراقيون قد انهوا للتو تفتيش المنزل السابع في الغارة التي شنوها في ذلك الصباح كجزء من خطة اقتضت فرض الاغلاق والبحث في منطقة فيها العديد من البلدات والمزارع وهي منطقة خطيرة يطلق عليها الجنود الاميركيون اسم «مثلث الموت»‚ \r\n بعدها عاد الجنود العراقيون للبحث عن السجين الذي اطلقوا سراحه وأمسكوا معه 13 مشتبها به خلال ثلاث ساعات دون ان يضطروا للاستعانة مباشرة بالاميركيين الذين كانوا يراقبون العملية‚ \r\n هذا النجاح القليل يأتي وسط خيبة اميركية كبرى تجاه الكثير من الوحدات العراقية التي تعد حيويتها ونشاطها امرا مهما للغاية في الانسحاب العسكري الاميركي المستقبلي‚ وبالرغم من التفاؤل الذي تبديه ادارة بوش فان الاميركيين الذين يعملون مع العراقيين يعتقدون ان ذلك سيستغرق بضع سنوات على الاقل قبل ان يكون الجيش العراقي الجديد مستعدا للوقوف وحده ضد المقاومة‚ \r\n قبل ايام من غارات المحمودية ذهب الجنود العراقيون الذين كانوا يقيمون احدى نقاط التفتيش في نوم عميق‚ وقبل بزوغ الفجر هاجم المقاومون نقطة التفتيش وألقوا قنبلة يدوية في البناية ثم اندفعوا الى الداخل وقتلوا ثمانية جنود عراقيين على الاقل‚ \r\n منذ ذلك الهجوم يقوم الجنود الاميركيون بتنظيم دوريات للتأكد من بقاء الجنود العراقيين مستيقظين‚ يقول الرقيب جوشوا لاور من الكتيبة الثالثة للفرقة المدرعة الاولى وهو أحد الاميركيين الذين عملوا مع القوات العراقية «ان القدرات العراقية لم تشهد تحسنا يذكر»‚ \r\n أوكلت مهمة رفع القدرات القتالية العراقية الى ما يسميه الاميركيون بفرق التحويل العسكري‚ وهناك خطط تدرس لالحاق عشرة آلاف جندي اميركي بجميع قطاعات الجيش العراقي بدءا من السرايا وانتهاء بالفرق‚ \r\n يقول لاور «انني اتمنى أن يبدأوا بالاعتماد على انفسهم دون اي عون منا‚ لقد مللنا العمل لهم كحاضنات اطفال طوال الوقت»‚ ويضيف لاور «بعض القوات العراقية الخاصة تعرف ما الذي تفعله ولكن هناك بعض الوحدات التي اذا ما هوجمت فانها تتصرف كالصراصير المفزوعة اذا فتح عليها غطاء البالوعة التي تختبئ داخلها»‚ \r\n في بعض المناطق وخاصة في الاقاليم العربية السنية التي تعتبر متعاطفة مع المقاومة‚ فان اداء الوحدات العراقية كان مريعا‚ هنا في المناطق السنية لا يخفي العرب السنة تعاطفهم مع صدام واحتقارهم للاميركيين‚ \r\n وهناك الكثير من المشاكل التي تواجه الجنود الشيعة والاكراد الذين يشكلون غالبية عناصر الجيش الجديد‚ فبعيدا عن الولاء ليس بالامكان اقامة جيش بين يوم وليلة في الوقت الذي يطلب من هذا الجيش خوض حروب وهو امر لم يستعد له بعد وليس لديه التدريب الكافي‚ \r\n يقول الكولونيل فريدريك ويلمان وهو قائد طائرة مروحية سابق ويعمل حاليا متحدثا باسم الجنرال ديفيد بتراوس الذي يرأس قيادة التدريب في بغداد «نحن واقعيون‚ هل يقوم العراقيون بكل شيء على اكمل وجه؟ الجواب لا‚ ولكنهم يشتركون في القتال وهم يتحملون خسائر اكثر منا»‚ ويضيف «بصورة متزايدة يتحمل العراقيون عبء هذه الحرب بدرجة اكبر من الاميركيين»‚ \r\n الغارات التي شنت في المحمودية مؤشر على ما يجري وعلى ما يخطط له الاميركيون‚ بعد توليها الحكم بصورة رسمية في 3 مايو فان الحكومة العراقية الجديدة ذات الغالبية الشيعية وهي الاولى منذ قرون من حكم السنة العرب للعراق بدأت تواجه هجمة كبرى للمقاومة‚ امرت الحكومة بشن حملة عسكرية كبرى في منطقة بغداد حيث تم نشر آلاف الجنود العراقيين ضمن اكبر عملية عسكرية يقوم بها الجيش العراقي الجديد حتى الآن‚ وهذا ايضا اختبار لاستراتيجية المخرج التي يعدها الاميركيون‚ \r\n هناك الكثير من المشاكل التي تواجه الاميركيين في الجهود التي يبذلونها لبناء الجيش العراقي ويأتي على رأسها عملية التجنيد السريع للمتقدمين وعدم كفاية التدريب وضعف تركيبة القيادة مما يساهم في نشر عدم الانضباط في أوساط الجنود والضباط وخاصة في ميادين المعارك‚ \r\n في أوائل هذا العام توقع البنتاغون ان تبدأ عمليات الانسحاب الاولوية لقطاعات من ال 140 ألف جندي اميركي الموجودين في العراق حاليا مع أواخر هذا العام‚ والجنرالات الاميركيون يقولون الآن ان ذلك لن يبدأ قبل عامين وربما اطول من ذلك قبل ان يبدأوا بتقليل اعداد جنودهم‚ \r\n وهناك ثلاثة مراكز للتدريب اقيمت في قواعد عسكرية سبق ان شيدها صدام: التاجي الواقعة شمال بغداد‚ وقرقوش قرب الحدود الايرانية والنعيمية جنوب شرق بغداد وتجري برامج التدريب فيها على قدم وساق ويتم تخريج دفعات تكفي الدفعة الواحدة منها لتشكيل كتيبة‚ \r\n منذ بدء عمليات التدريب قبل عام تقريبا تم تخريج اعداد شكلت 107 كتائب يصل اعداد افرادها الى 169 ألف رجل ويتوقع ان يرتفع هذا الرقم ليصل الى 270 ألف جندي في الصيف القادم‚ \r\n ان الارقام تعطينا فقط جزءا من القصة‚ فقط ثلاث كتائب يمكن نشرها للعمل اما الكتائب الاخرى فهي تواجه نقصا في الافراد والتدريب والمعدات‚ \r\n بتراوس الذي يرأس هذا البرنامج كان يقود الفرقة 101 المحمولة جوا خلال الغزو الذي جرى في عام 2003 ثم عين في الربيع الماضي ليترأس عملية اعادة بناء القوات العراقية التي يقوم بها فريق دولي مشكل من 1100 شخص‚ \r\n في ذلك الوقت نظر الى موضوع حل الجيش العراقي القديم وهو قرار اتخذ في بدايات الاحتلال الاميركي والتركيز بعدها على اعادة بناء ذلك الجيش من الصفر بأنه كان قرارا خاطئا‚ \r\n الوحدات العراقية القليلة التي شكلت ودربت في السنة الاولى من الوجود الاميركي كانت تتهاوى بسبب عمليات الفرار وفي احدى الحالات وتحديدا في ابريل في مركز تدريب التاجي حصل تمرد عندما صدرت الاوامر للقوات العراقية بالاشتراك في معركة الفلوجة‚ \r\n عمليات التدريب تسير بسرعة وهي تتشكل من ثلاثة اسابيع لقدامى الجنود في الجيش العراقي السابق وبثمانية اسابيع للمجندين الجدد‚ وعملية التدريب نفسها شاقة وهي تعد اكثر تعقيدا من عمليات التدريب في عهد صدام والتي كانت تتسم بالسطحية وكان يسمح فيها للجنود بالتدرب على الرماية باستخدام ثلاث رصاصات في الشهر‚ \r\n الروح المعنوية في معسكرات التدريب عالية‚ بعد نهاية ثمانية اسابيع من التدريب في كركوك كان المتخرجون يسيرون في عرض عسكري تحت حرارة الشمس الحارقة وهم يهتفون «العراق‚العراق‚العراق‚الجيش‚الجيش‚الجيش» اما في الجيش العراقي القديم فكان الجنود في حفل التخريج يهتفون «صدام‚صدام‚صدام‚البعث‚البعث‚البعث»‚ \r\n الكثير من الجنود الجدد هم في معظمهم من قدامى المحاربين في جيش صدام ويعتقد الضباط الاميركيون ان الجيش العراقي القادم سيصبح في المستقبل جيشا مخيفا يحسب له حساب‚ \r\n على سبيل المثال ففي وحدات القوات الخاصة المؤلفة من ألف رجل والتي دربت في احدى القواعد خارج بغداد تم تجهيز الافراد العراقيين بنفس المعدات التي تجهز بها قوة دلتا الاميركية التي تعد من قوات النخبة‚ \r\n وقد استخدمت هذه القوات الخاصة للقتال الى جانب القوات الاميركية في معارك الفلوجة والموصل والنجف التي كاد المقاومون في يوم من الايام ان يفرضوا سيطرتهم عليها‚ \r\n وقد كال بتراوس المديح لهذه القوات لدى زيارته لمعسكر التدريب الخاص بها برفقة عدد من الجنرالات الاميركيين‚ وقال مخاطبا افراد هذه القوة الذين اصطفوا لأخذ الميداليات «انكم افضل الافضل» واختتم حديثه اليهم قائلا «شكرا جزيلا»‚ هذه القوة الخاصة حسبما تشير الاحصاءات الاميركية نفذت ما لا يقل عن 700 مهمة قتالية‚ \r\n وما يزال بعض العراقيين يتدفقون للتطوع في صفوف الجيش الجديد‚ وحسب الاحصاءات الرسمية فقد قتل حتى الآن اكثر من ألف مجند او متدرب في العمليات الانتحارية والكمائن التي تنصب‚ \r\n وفي ظل أوضاع اقتصادية مذرية حيث تسود نسب بطالة تتراوح ما بين 30و60% فان وجود راتب شهري منتظم يعد شيئا مهما للغاية وحافزا لا يمكن مقاومته لدى الكثيرين‚ وتصل قيمة الراتب الاساسي للجندي حاليا الى 340 دولارا شهريا‚ \r\n ورغم ذلك تتصاعد المقاومة المسلحة‚ \r\n