حتى يومنا يبقى هذا البحر قطعة حياة مزاجية يمكن ان تولد فجأة ودون مقدمات امواجا عاتية وتعامل الاجانب بطريقة غير متوقعة حتى في الوقت الذي تبذل فيه الجهود لاسترضاء الارواح المتململة‚ \r\n \r\n في عام 1992 استطاع الرئيس التركي الراحل ترفوت أوزال ان يقنع هذه الارواح بتحويل البحر الى منطقة سلام وتعاون حيث كانت تنشط قديما طرق التجارة التي عادت بدورها لتنشط من جديد‚ \r\n \r\n كانت ثمرة رؤية ما بعد الحرب الباردة هي المنظمة التي اقامتها استنبول والمسماة منظمة البحر الاسود للتعاون الاقتصادي‚ \r\n \r\n لعقد كامل وأعضاء هذه المنظمة جميع الدول المطلة على البحر الاسود اضافة للدول المجاورة القريبة مثل اليونان ومقدونيا وألبانيا وأرمينيا وأذربيجان وأخيرا صربيا تتخبط وتعقد الاجتماعات دون ان تدرك القيمة الحقيقية لرؤية أوزال‚ \r\n \r\n والحقيقة ان الأرمن والاذريين وقعوا في مواجهة عسكرية مسلحة وقد دعمت روسيا الارمن في الوقت الذي دعمت فيه تركيا الاذريين وكان لهذا الوضع نتائج سلبية كثيرة على نشاط تلك المنظمة‚ \r\n \r\n قبل شهر اقدمت هذه المنظمة فجأة دون ان يلاحظها العالم على فعل شيء غير ودي عندما رفضت طلبا تقدمت به الولاياتالمتحدة لشغل دور عضو مراقب وعزي السبب في ذلك الى قضايا اجرائية‚ وليس ذلك بالسر الخفي حيث عملت روسيا على الوقوف في وجه الطلب الاميركي مما ادى الى احراج الدول الاخرى الاعضاء من الدول الشيوعية السابقة‚ \r\n \r\n والحقيقة ان ثماني من الدول الاعضاء اصدرت بيانات منفصلة قالت فيها ان وجود العم سام هو أمر مرحب فيه وأنها تأسف لاستبعاد الطلب الاميركي‚ ما الذي كان سيحصل لو ان الاميركيين نالوا ما قد سعوا اليه هو شيء لا يمكن لأحد التنبؤ به‚ \r\n \r\n يوجد هناك شعور قوي في واشنطن مفاده ان منطقة البحر الاسود اصبحت مهيئة للتحول الى نوع جديد من النادي الامني حيث تتعاون دوله للاحتفاظ بأمن الموانئ وخطوط نقل البترول والغاز الطبيعي وابقاء الارهابيين بعيدا وكذلك أولئك الذين يصنفون بأنهم غير مرغوب فيهم‚ \r\n \r\n هناك زيادة كبيرة في كميات الطاقة المتدفقة من وإلى المنطقة وحصة البحر الاسود في هذا المجال كبيرة بالفعل‚ \r\n \r\n وقد شهد الاسبوع الماضي الافتتاح الرسمي في اذربيجان لواحد من أهم خطوط نقل البترول الذي يبلغ طوله 1770 كيلومترا والذي يصل باكو في اذربيجان بميناء جيهان التركي على البحر المتوسط مرورا بجورجيا الجبلية‚ \r\n \r\n وسيتدفق الغاز الطبيعي من أذربيجان وايران وربما شرق قزوين الى تركيا ومنها الى جنوب شرق أوروبا‚ \r\n \r\n خط انابيب نقل البترول يتوقع له ان يحقق ضربة حظ كبرى لأذربيجان وبدرجة اقل قليلا لجورجيا‚ وفي الوقت الذي نشطت فيه الولاياتالمتحدة من أجل اقامة هذه الخطوط التي تتجنب المرور في روسيا وبالتالي حرمان موسكو من أي فرصة لاستغلال الطاقة كسلاح سياسي‚ فان المستهلك الاوروبي سيكون الاكثر استفادة من ظهور هذه الخطوط‚ \r\n \r\n بالنسبة للاتجاهات الحالية السائدة فان اعتماد أوروبا على الطاقة الروسية سيتزايد بصورة حادة مهما حدث وخطوط البترول الجديدة ستخفف قليلا من هذا الاعتماد‚ \r\n \r\n ولكن هناك نمطا معقدا من المصالح بدأ في الظهور فهناك خط جديد لنقل الغاز بدأ يعمل جالبا الطاقة عبر البحر الاسود من روسيا الى تركيا وهذا اعاد تقوية العلاقات الاقتصادية بين هذين البلدين المتنافسين تاريخيا وصعب بالتالي على الاتراك الوقوف دائما مع الاميركيين في اي منافسة تقوم بين الطرفين على النفوذ بينهما‚ \r\n \r\n احد الاسباب التي تشد انتباه الاميركيين للمنطقة احساسهم بأن مستقبل الكثير من دول المنطقة لم يحدد بعد بصورة نهائية وما يزال بالتالي يعتبر قضية مفتوحة‚ فهذه الدول يمكن ان تتجه غربا لاحتضان المؤسسات الغربية أو بكل بساطة الانزلاق ثانية نحو الانظمة الاستبدادية‚ \r\n \r\n \r\n وعلق بروس جاكسون احد اعضاء اللوبي الذين نشطوا لتوسيع الناتو على ما يجري في منطقة البحر الاسود قائلا امام لجنة تابعة للكونغرس الاميركي «ان الديمقراطيات في البحر الاسود تقف على حافة سكين التاريخ الذي يفصل سياسات القرن التاسع عشر للامبريالية عن العصرنة الاوروبية»‚ \r\n \r\n والحقيقة ان هناك دولا في المنطقة قطعت شوطا بعيدا في الطريق الى العصرنة الاوروبية متغيرة من الذراع المالي لبنك البحر الاسود للتنمية والتجارة الذي يقدم الائتمانات لتمويل الصادرات واقامة المشاريع المشتركة عبر الحدود‚ \r\n \r\n في السادس من شهر يونيو الحالي سيجتمع اعضاء هذه المنظمة الخاصة بالبحر الاسود في يرفان عاصمة أرمينيا لمناقشة توسيع أنشطة البنك‚ وتشير المعلومات التركية الى ان حجم التجارة الرسمية بين تركيا وأرمينيا هو صفر‚ فالحدود بين البلدين اغلقها الاتراك تضامنا مع الاذريين ولكن الحقيقة ان أرفف المحال التجارية في العاصمة الارمينية مليئة بالبضائع التركية‚ \r\n