أسعار الدواجن اليوم الأحد 18-5-2025 في الفيوم    الأمم المتحدة: 295 مليون شخص عانوا من الجوع في 2024 في 4 دول    أخبار مصر: سفر أول أفواج حج الجمعيات، أسعار تذاكر الأتوبيس الترددي، بشرى سارة عن حالة الطقس، مرتضى منصور وفايق أمام المحكمة    انطلاق عرض مسلسل حرب الجبالي اليوم    الصحة تنصح الأهالي بقياس معدلات نمو الأطفال لمنع الإصابة بالتقزم    استشهاد طفل فلسطيني وإصابة اثنين بجروح برصاص إسرائيلي شمال الضفة الغربية    فتح: كلمة الرئيس السيسي في القمة العربية رسالة واضحة للمشهد الإقليمي    إصابة 19 فردًا من طاقم سفينة تدريب للبحرية المكسيكية بعد تصادمها    سعر الموز البلدي والفاكهة بالأسواق اليوم الأحد 18 مايو 2025    «المحميات» تطالب القري السياحية بالبحر الأحمر بالالتزام بالإجراءات والتعليمات الخاصة بالتعامل مع أسماك القرش    المبادرة الرئاسية "حياة كريمة" ترسم مستقبلًا جديدًا لقرى سوهاج    بعد 28 عامًا.. ليلى علوي تستعيد ذكرياتها بمهرجان «كان» رفقة نور الشريف ويوسف شاهين    اليوم متحف آثار الغردقة يستقبل زواره مجانًا بمناسبة الاحتفال باليوم العالمى للمتاحف    ارتفاع سعر الذهب اليوم وعيار 21 يسجل 4540 جنيهاً    إصابة شخص في حريق شقة سكنية بالعبور | صور    جدول البث المباشر لمراجعات الشهادة الإعدادية بنظام البوكليت 2025 بالقاهرة    اليوم.. إعادة محاكمة الفنان محمد غنيم في تهديد طليقته    رئيسة الوزراء الإيطالية: لا تنظروا إلي للحصول على نصيحة بشأن ترامب فلست طبيبة نفسية    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخير بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأحد 18 مايو    نشرة أخبار ال«توك شو» من المصري اليوم.. في أول ظهور له.. حسام البدري يكشف تفاصيل عودته من ليبيا بعد احتجازه بسبب الاشتباكات.. عمرو أديب يعلق على فوز الأهلي القاتل أمام البنك    برلماني روسي يقدم اقتراحا لترامب من بند واحد لتحقيق السلام في أوكرانيا    عاجل.. موعد غلق باب التظلمات بإعلان المبادرة الرئاسية "سكن لكل المصريين 5"    لمدة يومين، المحامون يمتنعون عن الحضور أمام محاكم الجنايات    منتخب مصر يواجه اليوم نيجيريا لتحديد صاحب برونزية أمم أفريقيا للشباب    البابا يترأس القداس المشترك مع بطريرك السريان وكاثوليكوس الأرمن    بن غفير: علينا الدخول بكل قوة إلى غزة ونسحق عدونا ونحرر أسرانا بالقوة    السفارة الأمريكية في ليبيا تنفي وجود خطط لنقل سكان غزة إلى ليبيا    مصطفى عسل بعد التتويج ببطولة العالم للاسكواش: لا أصدق وأشكر كل من ساندنى    أمن بني سويف يكشف لغز جثة رجل مكبل اليدين والقدمين داخل سيارة    ب 20 مليون.. جهود مكثفة لضبط تشكيل عصابي سرق مشغولات ذهبية في قنا    الدولار ب50.41 جنيه.. سعر العملات الأجنبية اليوم الأحد 18-5-2025    الغرف التجارية تنفي نفوق 30% من الثروة الداجنة وتحذر: خلال الصيف سنواجه مشكلة حقيقية    سيراميكا كليوباترا يقترب من التعاقد مع كريم نيدفيد    يوسف حمدي: جماهير الزمالك تشعر بالظلم بسبب ما يحدث    ما بين الحلويات.. و«الثقة العمومية»!    موعد مباراة الأهلي وباتشوكا الودية قبل كأس العالم للأندية 2025    استمرار قوافل «عمار الخير» بشربين للكشف المجاني على المواطنين بالدقهلية    ملف يلا كورة.. تأجيل بطل الدوري.. ودية الأهلي الأولى قبل مونديال الأندية.. وصفقة محتملة للزمالك    جداول امتحانات الشهادة الإعدادية 2025 الترم الثاني في جميع المحافظات    الفرص متاحة لكن بشرط.. برج العقرب اليوم 18 مايو    حكم صيام الأيام الثمانية الأولى من ذي الحجة.. دار الإفتاء توضح    الأزهر: الإحسان للحيوانات والطيور وتوفير مكان ظليل في الحر له أجر وثواب    انخفاض درجات الحرارة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس المتوقعة اليوم الأحد    هزيمة 67 وعمرو موسى    للحفاظ على سلامة الطعام وتجنب الروائح الكريهة.. نصائح لتنظيف الثلاجة في خطوات بسيطة    للحفاظ عليها من التلف.. 5 خطوات لتنظيف غسالة الأطباق    حدث بالفن| نجوم الفن يحتفلون بعيد ميلاد الزعيم وحقيقة خلاف تامر مرسي وتركي آل الشيخ    كالعروس.. مي عمر تتألق بفستان أبيض في خامس أيام مهرجان كان    بالصور.. جينيفر لورانس وروبرت باتينسون يخطفان الأنظار في مهرجان كان السينمائي    خبير لإكسترا نيوز: إسرائيل لن تسمح بحل الدولتين لتعارضه مع حلمها الإمبراطوري    تعاون بين «التأمين الشامل» و«غرفة مقدمي الرعاية الصحية»    وزير الشباب والرياضة: نتحرك بدعم وتوجيهات الرئيس السيسي    "الجبهة الوطنية" يعلن تشكيل أمانة الرياضة برئاسة طاهر أبوزيد    تفاصيل لقاء بطاركة الكنائس الأرثوذكسية الشرقية بالشرق الأوسط في مركز لوجوس بوادي النطرون    رئيس جامعة الأزهر يكشف الحكمة من تغير أطوار القمر كما ورد في القرآن    أمين الفتوى يوضح أهمية قراءة سورة البقرة    افتتاح ورشة عمل بكلية دار العلوم ضمن مبادرة «أسرتي قوتي»    عالم أزهري: «ما ينفعش تزور مريض وتفضل تقوله إن كل اللي جالهم المرض ده ماتوا»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الهجرة الكبرى.. روسيا والروس منذ رفع الستار الحديدي الحلقة الثالثة
نشر في التغيير يوم 22 - 04 - 2005


\r\n
اين توجد حدود روسيا؟ ومتى سيكون لنا حدود؟ الآن وبعد أن انتهت الحرب الباردة هل روسيا بحاجة الى حدود؟ مثل هذه الاسئلة تطرحها بلاد كانت تعيش حتى فترة قريبة وراء ستار حديدي. وهذه الاسئلة تنقلب أحياناً الى صيغة التأكيد ان «روسيا لا حدود لها».
\r\n
\r\n
\r\n
لكن هل يمكن لبلاد لها 60000 كيلومتر من خطوط التماس مع العالم الخارجي ان لا يكون لها حدود؟ ان مثل هذا السؤال هو أقل عبثية مما يبدو عليه وهو سؤال تترتب عليه نتائج كبيرة.
\r\n
\r\n
\r\n
خلال عدة أشهر فقط انقلب المشهد رأساً على عقب فالحدود كانت مغلقة فانفتحت، وكانت كتيمة، فغدت قابلة للعبور وكانت منفرة، فأصبحت ذات قوة جذب أخاذة، وكانت رمزاً للفصل والقطيعة، فتحولت الى موقع للقاء والمرور والحياة والتبادل والتجارة وانعاش الحياة الاقتصادية، وكانت العلاقات مع العالم الخارجي خاضعة للرقابة الشديدة فمالت نحو العفوية وحرية المبادرة. واستعاد القرب الجغرافي حقوقه ومعناه، ثم ان مجرد عملية انفتاح مجال ظل معلقاً خلال عقود طويلة هي بحد ذاتها حدث دولي وداخلي مهم.
\r\n
\r\n
\r\n
وبالنسبة للحالة الروسية يبدو التبدل أعمق. لقد كانت للاتحاد السوفييتي حدوده الكتيمة المعترف بها من قبل القانون الدولي، والتي استطاع أن يبني بداخلها قوته ومكانته. روسيا انبثقت من رماد ذلك الاتحاد السوفييتي في وضع مغاير تماماً اذا وجدت نفسها داخل حدود مفتوحة وغير محددة بدقة ولا تستطيع ان تتعرف على نفسها بداخلها. فهي حدود لا تمتلك بأغلبيتها شرعية تاريخية فضلاً عن انها غير طبيعية ولا تتطابق مع حدود الامة الروسية.
\r\n
\r\n
\r\n
لكن في روسيا هناك خلط وتشويش حول مفهوم السيادة نفسه، إذ كما يقول الباحثان الجغرافيان دنيس ايكيرت وفلاديمير كولوسوف في كتاب لهما تحت عنوان «روسيا» فإنه: «ينبغي على كل دولة تريد الاستمرار ان تحظى بالاعتراف بترابها الوطني وبحدودها من قبل المجموعة الدولية ومن مواطنيها ايضاً» ثم يضيفان في موقع آخر «لكن هذه المسألة غائمة جداً في روسياً.
\r\n
\r\n
\r\n
ذلك انه لا الحدود الثقافية واللغوية ولا الحدود الجمركية ولا الحدود العسكرية لا تتناظر كلها مع الحدود السياسية». ثم ان واقع انفتاح الحدود الذي ترافق بانهيار الامبراطورية السوفييتية انما يعني بأن روسيا محرومة من مرجعية اساسية بسبب افتقارها الى حدود دقيقة. ثم انه في الوقت الذي بعثت عملية فتح الحدود آمالاً كثيرة وكبيرة فإن هذه الآمال امتزجت بقدر كبير من الخوف من حالة الفوضى وعدم الثبات التي تلوح في الأفق.
\r\n
\r\n
\r\n
نحو آفاق جديدة
\r\n
\r\n
\r\n
دافع بوريس يلتسين بوضوح عن مفهوم للحدود غير ذلك الذي كان سائداً من قبل، أي بعيداً عن الخط الذي يفصل بلادنا عن العالم، حسب تعبيره. وقال في 1994 بأنه لا ينبغي ان تكون الحدود جداراً لا يمكن اجتيازه إلا بسبب الاخطار المهددة للمصالح الوطنية، لاشك تنبغي حمايته ولكن لا ينبغي ان يكون عقبة مصطنعة تمنع تطوير التعاون والاتصالات التجارية والعلاقات بين الافراد والتواصل الروحي.
\r\n
\r\n
\r\n
واعتباراً من فترة الاصلاح الغورباتشوفي اخذت اجراءات عبور الحدود تصبح أكثر فأكثر سهولة، كما تنامت الاتصالات مع العالم الخارجي. واذا كان هناك حوالي مليوني شخص يجتازون في المتوسط حدود الاتحاد السوفييتي كل سنة، فإن الصحافة الروسية اشارت الى ان 200 مليون من الروس دخلوا بلدان الدول المجاورة المستقلة حديثاً - الجمهوريات السوفييتية سابقاً - باستثناء بلدان البلطيق.. واذا كان هناك حوالي 720000 شخص قد اجتازوا الحدود السوفييتية - البولندية عام 1980 فإن عددهم قد وصل الى 5,9 ملايين شخص عام 1994.
\r\n
\r\n
\r\n
وكان هناك 6,35 مليون شخص قد اجتازوا حدود روسيا عام 1990 ووصل عددهم الى 2,74 مليوناً عام 1994.
\r\n
\r\n
\r\n
بالتوازي مع ذلك، ومنذ بداية عقد التسعينات، بدأت عملية إصلاحات عديدة على طول الحدود. ثم ان تدفق الأشخاص والسلع والعربات دفع روسيا والبلدان المجاورة الأخرى الى فتح العديد من نقاط العبور الجديدة، بل وجرى شق العديد من الطرق التي لم تكن موجودة سابقاً. كذلك خرجت بلدان آسيا الوسطى من الإطار الذي أحاطت نفسها به وذلك كخطوة أولى نحو بناء شبكات تصل حتى إيران، وخاصة حتى مرفأ بندر عباس على المحيط الهندي.
\r\n
\r\n
\r\n
وكانت الأغلبية الساحقة من شبكات المواصلات في ظل الاتحاد السوفييتي تربط حصراً تقريباً المجال السوفييتي نفسه، لكن مثل هذا الأمر تغير بعد عام 1990، وبالتالي كان لابد من بذل جهود كبيرة على صعيد إشادة البنى التحتية في مجال النقل والاتصالات. كذلك تغير الوضع كثيراً فيما يخص دخول الأجانب الى روسيا، ذلك أنه فضلاً عن تسهيل اجراءات الدخول انفتحت أمام الأجانب مناطق عديدة كانت ممنوعة منعاً باتاً عليهم عندما كان النظام السوفييتي قائماً.
\r\n
\r\n
\r\n
وكان تأثير الانفتاح على العالم الخارجي كبيراً جداً بالنسبة لسكان المناطق الحدودية بشكل خاص، ذلك ان التبادل التجاري عبر الحدود كان شبه مقطوع في العقود السابقة، لكنه سرعان ما عاد للظهور بصورة، عفوية، مع فتح الحدود، وفي كل مكان تقريباً أقيمت أسواق غير رسمية في أغلبيتها على طول الحدود الروسية مع جيرانها، وخاصة بولندا وتركيا والصين وبقية البلدان المستقلة حديثاً.
\r\n
\r\n
\r\n
هكذا فإنه ما ان تم فتح الحدود حتى تشكلت الحركة عبرهما مباشرة تقريباً، مما ولد بسرعة أيضاً بعض الثروات، ثم ان مجرد فتح حدود روسيا يعني تطبيع هذه الحدود. لكن في الوقت نفسه، ولأسباب عديدة، فإن روسيا لا تتعرف على نفسها في إطار حدودها، الأمر الذي يحرمها من نقاط مرجعيات في وقت هي بصدد البحث عن هويتها.
\r\n
\r\n
\r\n
الحدود القلقة
\r\n
\r\n
\r\n
يرى الروس ان الحدود التي ورثوها عند انهيار الاتحاد السوفييتي تفتقر الى الشرعية، وهي مرسومة على أساس الخط الذي كان يفصل بين الجمهوريات السوفييتة السابقة وروسيا. وهذا الخط لا يتناظر مع أية حدود طبيعية، إذ ليست لروسيا أية حدود من هذا النوع سوى المحيط الهاديء والأنهار التي تفصلها عن الصين وهذه موضوع خلاف أيضاً، أما أغلبية الحدود الأخرى وخاصة في السهول المترامية، فهي لا تقوم على أساس الفصل الطبيعي.
\r\n
\r\n
\r\n
ولا شك بأنها ليست الحدود الأولى في العالم التي يتم ترسيمها بصورة تعسفية، وهناك حالات كثيرة تتسم فيها مثل هذه الحدود بالثبات والاستقرار كما هي الحال بالنسبة للحدود بين الولايات المتحدة وكندا.
\r\n
\r\n
\r\n
ان الحدود بين الجمهوريات السوفييتية السابقة لم يكن يتم النظر إليها أبداً على أنها حدود بالفعل، وإنما مجرد فواصل إدارية داخل بلاد كان كل شيء فيها مركزياً. ثم عندما قام اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفييتية عام 1922، وبعد ذلك أيضاً جرت عمليات تعديل عديدة للفواصل الإدارية بطريقة تعسفية غالباً ولا تخضع لأي منطق سوى السعي لتحقيق أهداف سياسية.
\r\n
\r\n
\r\n
ولم يكن الغرض من تلك التعديلات هو بأي حال تزويد الأمم المختلفة بأطر تسمح لها بالتفتح، وإنما كان الغرض بالأحرى هو إضعاف تلاحم هذه الأمم. أي أن هدف القادة السوفييت لم يكن أبداً هو القيام بترسيم واضح لحدود الجمهوريات الاتحادية، وبالتالي لم يكن لأية دولة بين الدول التي ورثت الاتحاد السوفييتي، بما في ذلك روسيا، أية حدود مرسومة بدقة. هكذا دخلت هذه الدول كلها بعد تفكك الامبراطورية في عمل شاق في ميدان ترسيم حدودها.
\r\n
\r\n
\r\n
لقد واجهت روسيا احتجاجات عديدة في مجال هذا الترسيم لاسيما على قاعدة خلافات قديمة مع الجارين الآسيويين الأساسيين، أي الصين واليابان، أما الخلاف مع الصين فإنه يتعلق بمناطق واسعة شرق منغوليا وغربها، وكان يبرز هذا الخلاف على السطح كل مرة تتوتر فيها العلاقات بين القوتين الشيوعيتين الكبيرتين، وذلك على مدى عقود عديدة.
\r\n
\r\n
\r\n
وفي 1992 صدق مجلس السوفييت الأعلى روسيا على معاهدة لتسوية الخلاف حول الجزء الشرعي من الحدود الروسية الصينية ثم تم التوصل الى اتفاق ثان جرى التصديق نهائياً عليه عام 1995؛ لكن بقيت مع ذلك خلافات حول بعض الجزر التي لم تطالها الاتفاقات.
\r\n
\r\n
\r\n
أما الخلاف الحدودي مع اليابان فإنه له نتائج خطيرة، وذلك ان قضية جزر الكوريل، التي تطالب بها طوكيو قد عطلت منذ الحرب العالمية الثانية توقيع أية اتفاقية سلام بين الاتحاد السوفييتي ثم روسيا وبين اليابان. وعلى الرغم من الحلول التي اقترحها عدة مسؤولين روس في نهاية فترة حكم ميخائيل غورباتشوف فإن المسألة ظلت في الطريق المسدود حتى مطلع التسعينات.
\r\n
\r\n
\r\n
وفي اكتوبر 1993 قام بوريس يلتسين بزيارة إلى اليابان مما ساهم في تخفيف حدة التوتر الحدودي. وفي 1994 أكد الرئيس الروسي بأن بلاده «أرض غير مفيدة» وإذا كانت العلاقات بين البلدين قد تحسنت فيما بعد فإن قضية جزر «كوريل» ستبقى معلقة.
\r\n
\r\n
\r\n
القطيعة مع التاريخ
\r\n
\r\n
\r\n
إذا كان الروس لا يتعرفون على أنفسهم في حدودهم لعام 1991، فإن هذا يعود إلى كون أن هذه الحدود لا تتناظر مع أي ترسيم تاريخي. انها تؤطر مجالاً لا يتناظر مع الامبراطورية ولا مع الاتحاد السوفييتي. يقول الباحثان دنيل ايكيرت وفلاديمير كولوسوف ان «روسيا لم تتوصل أبداً إلى صياغة هوية وطنية ضمن اطار ثابت، فتاريخها الحدودي اتسم دائماً بتذبذبات كبيرة».
\r\n
\r\n
\r\n
وقد كانت الحدود الروسية خلال مسيرتها التاريخية في حالة تطور مستمر. فمنذ القرن الخامس عشر أي الفترة التي فرضت فيها إمارة موسكو نفسها بمثابة روسيا، وحتى القرن العشرين وسعت روسيا من حدودها، حيث اتسمت بعض المراحل بتقدم كبير على صعيد ذلك التوسع مثلما كان الحال في ظل حكم ايفان الرهيب وبطرس الأكبر وكاترين الثانية.
\r\n
\r\n
\r\n
كما اتسمت بعض المراحل الأخرى بالتقهقر والانكفاء مثل فترة بداية القرن السابع عشر عندما حاول البولنديون والسويديون الاستفادة من الضعف السياسي والاقتصادي لروسيا. كما حاول الروس بواسطة الهجرات وتوسيع حدودهم.
\r\n
\r\n
\r\n
ويتمثل أحد أسباب القلق الروسي من واقع انه لم يعد هناك بعد عام 1991 أي تناظر بين الشعب الروسي وروسيا، لاسيما وأن الروس كانوا قد وجدوا هويتهم بالامبراطورية الروسية ثم ب «الامبراطورية» السوفييتية، وعندما تفكك الاتحاد السوفييتي وجدت روسيا نفسها مقطوعة عن 25 مليون روسي اي ما يعادل 4,17% من مجموع السكان الروس في اطار الاتحاد السوفييتي. هؤلاء الملايين من الروس يعيشون في الخارج.
\r\n
\r\n
\r\n
هذا الشتات الدياسبورا الهائل المرتبط بشكل وثيق مع تاريخ روسيا وتاريخ الاتحاد السوفييتي بدا كعضو تم بتره فجأة من الجسد الروسي. وهؤلاء الروس من الشتات موجودون في مختلف الدول المستقلة حديثاً بعد أن كانت في عداد الجمهوريات السوفييتية. وخاصة في أوكرانيا، حيث دل تعداد السكان عام 1989 الأخير المتوفر حول مجمل أراضي الاتحاد السوفييتي السابق على أنه يوجد حوالي 5,11 مليون روسي. وفي كازاخستان حيث يوجد 2,6 ملايين روسي.
\r\n
\r\n
\r\n
وهناك أيضاً جاليات روسية مهمة في كل من أوزبكستان 6,1 مليون وبيلوروسيا 3,1 مليون وكازاخستان 900 ألف نسمة والعدد نفسه في ليتوانيا.
\r\n
\r\n
\r\n
لا شك أن هناك علاقات وثيقة بين روسيا وبين هؤلاء الروس في الشتات بملايينهم الخمسة والعشرين. لكن السؤال يتعلق بطبيعة هذه العلاقات والروابط. فهل تعتبر روسيا نفسها بمثابة وطن هؤلاء الروس الذين قد يتطلعون للعودة إليها؟ هل عليها أن تعتبرهم روساً أم كأجانب من أصل روسي؟ هل هي مسؤولة عن أمنهم؟
\r\n
\r\n
\r\n
هذه أسئلة بين كثيرة غيرها وتحدد الاجابات عليها جزءاً من المسار المستقبلي لروسيا ومنطقتها.
\r\n
\r\n
\r\n
لغز الجيران الشائك
\r\n
\r\n
\r\n
روسيا هي صاحبة أطول حدود في العالم حيث تمتد حدودها على مسافة 60 ألفاً و932 كيلومتراً من بينها 22 ألفاً و125 كحدود برية.. وتشترك معها في هذه الحدود براً وبحراً 16 دولة من بينها ثماني دول كانت جمهوريات سوفييتية سابقة.
\r\n
\r\n
\r\n
هذه الحدود أصبحت بعد زوال الاتحاد السوفييتي بمثابة مناطق ازدهر فيها النشاط الاقتصادي بفضل التجارة والتعاون، حسب رأي البعض، وبسبب كل أشكال التهريب، كما يرى آخرون. بل تحدث بوريس يلتسين عن «علاقات شراكة قوية» بين روسيا والنرويج وفنلندا.
\r\n
\r\n
\r\n
وكانت مثل هذه العلاقات قد بدأت في الواقع منذ الفترة الأخيرة من حياة الاتحاد السوفييتي. وكانت قد أنشئت في شهر ديسمبر 1993 منطقة حرة منطقة تبادل تجاري حر في كالينجراد التي كان قد جرى ضمها للاتحاد السوفييتي عند نهاية الحرب العالمية الثانية.
\r\n
\r\n
\r\n
واصبحت روسيا اليوم ترى بها موقعا متقدما لها في الغرب على الرغم من انها مفصولة عنها بليتوانيا، وكانت عملية نقل العسكريين عبر ليتوانيا قد اوجدت توترات شديدة بين البلدين اما بالنسبة للبضائع فحسب اقوال مدير جهاز الامن الفيدرالي الروسي «سيرجوي ستيباشين» فإن القسم الكبير منها أي البضائع لا يصل ابدا الى الجهة المقصودة ذلك انها «تضيع» اثناء المرور ترانزيت في ليتوانيا وحيث يتم بيعها للغرب.
\r\n
\r\n
\r\n
عملية حرمان كالينجراد من المنتوجات والسلع الضرورية لسد الحاجات اليومية لسكانها تدفعها نحو «تدبير أمورها» بمختلف الطرق.
\r\n
\r\n
\r\n
وتطرح في هذا السياق ايضا مشكلة الجنود والضباط العائدين من المانيا الشرقية في مطلع عام 1994، وبما ان موسكو لم تكن لديها امكانية لدمجهم بالجيش او ايجاد سكن لهم فقد دفعت قسما كبيرا منهم للعيش في كالينجراد، التي كان فيها عام 1994 اكثر من مئة الف شخص شكّلوا مع أسرهم حوالي ربع السكان، حيث يعمل الكثير منهم في «البزنس»، كما ان الحدود الروسية مع بولندا تعرف كل اشكال التهريب.
\r\n
\r\n
\r\n
والظواهر نفسها ايضا موجودة على حدود روسيا في اروبا كما في آسيا، هكذا اذن سقط «الستار الحديدي» ليخلي المكان لحدود اصبحت مثل «الغربال» الذي يسمح بالمرور عبره بسهولة. ان هذا الوضع يعكس حالة عالم هو بصدد التبدل وحيث تغدو «الاعمال التجارية» و«الصفقات» بمثابة مرادف للحظ وللوباء بالوقت نفسه. واذا كان بعضها قد شكل عامل استقرار اجتماعي واقتصادي فإن بعضها الآخر بدا كمصدر محتمل لأشكال مختلفة من الفوضى.
\r\n
\r\n
\r\n
حدود شفافة
\r\n
\r\n
\r\n
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، كان أمام روسيا الخيار بين حماية مجمل حدود الدولة، أي حماية الحدود البالغ طولها 14000 كيلومتر الفاصلة بين روسيا و«مجموعة الدول المستقلة» التي تضم الجمهوريات السوفييتية السابقة باستثناء بلدان البلطيق، لتوانيا ولاتفيا وإستونيا، وبين «السير في طريق الثقة والواجبات المتبادلة بحيث يتم ترك الحدود الداخلية حدود البلدان الاعضاء في مجموعة الدول المستقلة، مفتوحة وشفافة مع حماية الحدود الخارجية للبلدان المعنية عبر التنسيق والمعاملة بالمثل، حسب تعبير الجنرال الروسي نيكولاييف، قائد قوات حراسة الحدود. الذي اضاف: «بالاهتداء بالمنطق وا��فطرة السليمة اخترنا السبيل الثاني».
\r\n
\r\n
\r\n
كان قد تم في 9 اكتوبر 1992 توقيع اتفاق بين الدول الأعضاء في مجموعة الدول المستقلة، ينص على حرية الانتقال داخل المجال الجغرافي للمجموعة بالنسبة لمواطنيها، أي كما كان في زمن الاتحاد السوفييتي، بما يتماشى مع رغبة المواطنين المعنية في البداية على الأقل. وفي 1992 كتب احد الصحافيين الروس يقول ان «روسيا بحاجة الى حدود» ثم اردف: «لكن بدلاً من ان تكون من الاسلاك الشائكة المكهربة، لماذا لا تتم اقامة مراكز سلمية للمراقبة الى جانب مقاهٍ جميلة؟».
\r\n
\r\n
\r\n
وبقدر ما تؤكد السلطات الروسية على الشفافية بالنسبة للحدود الداخلية لمجموعة البلدان المستقلة فانها تؤكد ايضا على حماية الحدود «الخارجية» لهذه الدول المستقلة حديثا.
\r\n
\r\n
\r\n
ان مبدأ الحديث عن حدود خارجية، بالنسبة لمجموعة الدول المقصودة هو مبدأ سهل لكن الواقع شديد التعقيد. ذلك انه اذا كانت روسيا تملك الموقع الراجح داخل مجموعة البلدان المستقلة فان هذا لا يعني ابدا بأن المجموعة هي وريثة الاتحاد السوفييتي. والدول الاخرى، مع ارتباط بعضها الى حد كبير بروسيا في ميادين مختلفة. هي حريصة على ان لا يعتدي الجار الكبير على سيادتها. من هنا تصطدم روسيا بأشكال متفاوتة من المقاومة.
\r\n
\r\n
\r\n
وما كانت تطلبه روسيا في بداية عقد التسعينات الماضي في دول مجموعة البلدان المستقلة هو اعترافها بوجود حدود خارجية لها والقبول بالدفاع عنها، حسب صيغة تعاقدية من قبل قوات المجموعة، او من قبل القوات الروسية او من قبل قوات ثنائية من الطرفين. كذلك حاولت روسيا في الوقت نفسه ان تقنع المواطنين بأن القبول بمثل هذا الامر هو من مصلحة الجميع.
\r\n
\r\n
\r\n
وتتوجت الجهود المبذولة في هذا الاتجاه إلى توقيع اتفاق بتاريخ 26 مايو 1995، لم توقع عليه خمس دول هي اذربيجان ومولدافيا وتركمانستان واوزبكستان واوكرانيا، قبلت بموجبه الدول ان تقوم القوات الروسية بحماية حدودها الخارجية، والدول المقصودة هي ارمينيا وجورجيا وقيرغيزستان وطاجكستان، بحيث تعمل قوات حرس الحدود الروسية بالتعاون مع وحدات البلدان المعنية على ان يتم وضع قوات الطرفين تحت قيادة روسية.
\r\n
\r\n
\r\n
الصراع القوقازي
\r\n
\r\n
\r\n
في القوقاز تسود حالة من عدم الاستقرار والوضع تصعب السيطرة عليه والنزاعات العديدة المستمرة او التي انفجرت في مطلع عقد التسعينات في المنطقة خاصة في ناجورنو كاراباخ وابخازيا ثم في الشيشان كانت لها آثارها على الواقع الحدودي. ففي ارمينيا وجورجيا حصلت روسيا على ما تريد، أي قيامها بحماية الحدود بالتعاون مع قوات البلدين. هكذا وجدت القوات الروسية نفسها في مناوشات مستمرة على حدود ابخازيا كذلك شهدت منطقة القوقاز تناميا لنشاطات التهريب.
\r\n
\r\n
\r\n
وكانت اذربيجان هي الدولة الاولى من بين دول مجموعة البلدان المستقلة التي لم تكن فوق اراضيها قوات روسية اعتباراً من عام 1993 باستثناء قاعدة صغيرة للدفاع الجوي، حيث رفضت وجود جنود روس من حرس الحدود فوق ترابها الوطني. وكما هي الحال بالنسبة لبلدان البلطيق، فإن مسألة الحدود ومسألة وجود قوات سوفييتية ثم روسية قد اختلطتا مع مسألة الاستقلال.
\r\n
\r\n
\r\n
بعد رحيل القوات الروسية عن اذربيجان، تضاءلت الرقابة على حدودها مع تركيا وايران، بسبب نقص الاعتدة لديها وعدم كفاية القوات المتوفرة والموجهة عملياً للنزاع مع ارمينيا، وبالتالي اصبحت تلك الحدود قابلة للاختراق بسهولة من مختلف الزائرين «السريين» ومن عصابات التهريب باتجاه بلدان مجموعة الدول المستقلة.
\r\n
\r\n
\r\n
ثم ان الحدود بين اذربيجان وروسيا هي نفسها عرضة للاختراق، لاسيما بسبب وجود شعب من الرحل في داغستان يعيش ابناؤه متنقلين على الخيول بين البلدين. وهناك عمليا حالة من التوتر، على الحدود الروسية الأذربيجانية ازدادت حدتها اعتباراً من عام 1994 مع انطلاق النزاع الشيشاني وفي الوقت نفسه تعرض حراس الحدود الروس في انجوشيا وداغستان لهجمات كانت قاتلة احياناً.
\r\n
\r\n
\r\n
بشكل عام كانت الاوضاع معقدة على حدود روسيا مع البلدان المستقلة حديثا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، لكن المسؤولين الروس يرون انه من واجبهم حماية الحدود الخارجية للبلدان المستقلة حديثاً. وهناك بعض الاحيان اصوات ترتفع مطالبة روسيا بحماية حدودها وليس حدود الآخرين، لكنها لاتزال اصوات نادرة حتى الآن.
\r\n
\r\n
\r\n
الحجة الاولى المقدمة لحرص روسيا على حماية الحدود الخارجية لمجموعة البلدان المستقلة حديثا هي ذات طبيعة اقتصادية، ذلك ان عملية ترسيم الحدود وبناء مراكز مراقبة واقامة فواصل.. الخ، ستكلف مليارات الدولارات، بحيث ان الروس سيضطرون الى بيع «السترة والسروال» حسب تعبير الجنرال نيكولاييف، قائد قوات حرس الحدود الروسية، وهناك ايضا «الحجة الامنية» التي تعني مباشرة حماية المصالح الوطنية الروسية، ثم هناك من يبني موقفه على أساس الدفاع عن «العائلة» السوفييتية السابقة، وهذا ما عبر عنه بوريس يلتسين بالقول:
\r\n
\r\n
\r\n
«إن الواقع لايزال كما كان سابقاً، أي بلد واحد(..) وإذا قسمناه فإننا نمزق من لحمنا.(..) ينبغي المحافظة على هذه المجموعة البشرية ولو انها ترجع الى الاشتراكية الشمولية مثلما تتم المحافظة على غابة او نهر صاف او هواء نقي(..) إن جميع شعوب الاتحاد السوفييتي السابق هي من دون استثناء تنتمي الى عائلة واحدة».
\r\n
\r\n
\r\n
لكن ثمن هذا كله هو ان تبقى روسيا مفتوحة امام جميع الرياح
\r\n
\r\n


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.