بينما يتحدر الثاني، وهو خادم الكنيسة الكبير، من أسرة ريفية، متواضعة. (...) وعلى غرار البابا يوحنا بولس الثاني، تأثر بينيديكتوس السادس عشر، الفيلسوف واللاهوتي، بالسياسة التي أدت الى نشوء دول أوروبا الشرقية بعد الحرب العالمية الأولى، وبتراث هذه السياسة الثقافي المميز. وعايش بينيديكتوس مرحلة الأنظمة الشمولية الوحشية من قرب (...). ويعتقد جورج دبليو بوش (...) أن بعث الأخلاق في المجتمع الأميركي هو أنموذج يناسب العالم بأسره. وتتناقض غطرسة هذا الأخير المستمدة من أداء الولاياتالمتحدة الأميركية الاقتصادي والعسكري، مع تواضع جوزيف راتزينغر الذي كلفه البابا الراحل وضع حد للمنشقين عن الكنيسة، واستبعاد الأفكار المنحرفة والتحذير من حداثة تخلط بين التسامح الديني ونسبية الاديان، وبين الحرية والإباحة. \r\n \r\n وعلى رغم الاختلاف الظاهر بين جورج بوش الذي اعتمد على التيار الإنجيلي، وريث بروتستانتية القرن السابع عشر (...) الذي يمزج بين المحافظة الاجتماعية والاخلاقية، لإعادة انتخابه، والبابا الألماني الذي يبحث في الاناجيل والعادات الكنسية (...) عن سبل إصلاح البشر وقلوبهم. (...) وعلى رغم هذا الاختلاف فإن القارة الأميركية كانت أول من اقترح خلافة راتزينغر للبابا يوحنا بولس الثاني عند مرض هذا الأخير في نهاية العام المنصرم. مع العلم أن هذا الاقتراح لا يشكك في استقلالية القرار الذي اتخذه الكرادلة في نيسان (أبريل) 2005. وليس انتخاب راتزينغر نتيجة تسوية مماثلة للتسوية (...) التي أبرمها رونالد ريغان مع البابا يوحنا بولس الثاني لقاء مساندة أميركا للكنيسة وحركة \"سوليدارنوسك\" البولندية من جهة، ولجم الفاتيكان لدعاة التحرر من الرهبان واللاهوتيين في أميركا اللاتينية، من جهة أخرى. فهذا الانتخاب هو نتيجة رؤية سوداوية مشتركة (بين الرئيس جورج بوش والكرادلة) لانهيار القيم الأخلاقية في الغرب، وانحرافات الحداثة العلمانية (...). \r\n \r\n فجورج دبليو بوش هزم السيناتور الديموقراطي والكاثوليكي جون كيري في معقل ناخبيه الكاثوليك. (...) وظهر بوش البروتستانتي على أنه أفضل مدافع عن الفاتيكان بنضاله ضد الإجهاض، والموت الرحيم، وإجراء الأبحاث على خلايا الأجنة، وباستعادته عبارة \"ثقافة الحياة\" العزيزة على قلب البابا يوحنا الثاني في مناظرة تلفزيونية. (...) وشكل التحالف (...) بين الكاثوليك المحافظين والبروتستانتيين الأصوليين دعامة من دعائم فوز جورج بوش بولاية ثانية. \r\n \r\n رفض كل التسويات \r\n \r\n لم تمارس ضغوط أميركية على مجمع الكرادلة الحالي. فرفض الكاردينال راتزينغر انتهاج استراتيجية من التسويات مع الحداثة العلمانية هو سبب فوزه بالكرسي البابوي. (...) والى رفض التسويات العقائدية، رفض الكاردينال راتزينغر التسويات على الصعيد الاخلاقي. (...) ومن المرجح ألا يخالف بينيديكتوس السادس عشر رأي جورج فيغيل، أكبر مؤرخ أميركي لسيرة البابا يوحنا الثاني والمثقف الكاثوليكي الاكثر تأثيراً في الولاياتالمتحدة، القائل إن \"الكنائس (...) التي تترك تعاليمها مشرّعة على التغيير لن تصمد طويلاً، بل تنهار وتختفي (...)\". \r\n \r\n ولا يدعو الوجوم الذي ساد الأوساط الإكليروسية والعلمانية على أثر انتخاب الكاردينال راتزينغر الى الدهشة. فهذه الأوساط تعتبر أن \"تقدم\" الكاثوليكية أو\"إصلاحها\" ليس بالضرورة زوال الرسالة الإنجيلية أو استسلامها في وجه الحداثة. وكذلك لا تدعو صرخات الابتهاج بالنصر المسموعة في أوساط محافظي الكنيسة الجدد (...) الى العجب. ويستند هؤلاء في سعيهم الى \"تبشير جديد بالإنجيل\" إلى إعادة تصميم هوية كاثوليكية واضحة وقوية، والى نبذ كل مصالحة مع فلسفة الأنوار، ورفض التفسيرات المشككة في النصوص المقدسة والعلوم الإنسانية التي تفسد الإيمان المسيحي. ويذهب جورج فيغل الى أن \"المشروع التقدمي\" في الكنيسة مات مع انتخاب بينيديكتوس السادس عشر. (...) \r\n \r\n ولن يعترض أي من البروتستانتيين الانجيليين المزدهرين في أميركا على هذا المفهوم الاصولي للكاثوليكية. \r\n