\r\n ومع حلول صباح يوم الخميس العاشر من أبريل كان معظم وسط المدينة قد نهب. وعلى الجانب الشرقي من نهر دجلة حيث وصل رجال المارينز اليوم السابق، كانت عملية النهب قد أصبحت مشاعا للجميع، وظل الجانب الغربي من مدينة بغداد بعيدا عن أيدي السارقين لأن الجسور على النهر أغلقت بواسطة دبابات ابرامز التابعة لفرقة المشاه الثالثة بالجيش الأميركي التي كانت قد استولت على الجزء الشرقي من المدينة. \r\n \r\n \r\n ولم يكن جون أندرسون قد رأى صديقه الطبيب علاء بشير منذ أسبوع، ولهذا فقد توجه إلى مستشفى الواسطي. وعلى الطريق المؤدي إلى المستشفى، رأى العديد من المعدات الطبية الأخرى التي نهبت بوقاحة، وكانت سيارات النقل محملة بالمعدات من كل نوع، وكان الناس يدفعون أو ينزعون الاشياء بطريقة جنونية وسمع المؤلف طلقات رصاص من وقت لآخر، بينما تصاعدت أعمدة الدخان من بنايتين. ولم يجد أندرسون أي اثر للمارينز في أي مكان. \r\n \r\n \r\n لغز نهب بغداد \r\n \r\n \r\n في بهو مستشفى الواسطى، استلقى كثير من الجرحى على أسرة نقالة ومعهم أقاربهم. وكان من بين الجرحى سائق عربة إسعاف أطلق المارينز النار عليه عند أحد الحواجز على الطريق. \r\n \r\n \r\n ولم يجد المؤلف الدكتور علاء بشير فالتقى بنائبه الدكتور وليد الذي بدا عليه الإرهاق وقد تلوث القفازان على يديه بالدماء فرفعهما إلى أعلى. وكان ذلك الطبيب مستمرا في العمل أكثر من ست وثلاثين ساعة متصلة دون نوم إذ كان نهر من الجرحى يتدفق نحو المستشفى للعلاج في الوقت الذي يعمل فيه وحده، وغاب الطاقم الطبي المعاون له منذ يومين. ولم يعد الدكتور وليد يدري إلى متى سيتمكن من الاستمرار؟!، ولا ماذا يفعل فقد كانت مستشفى الواسطى آخر المستشفيات العاملة في وسط بغداد بينما نهبت المستشفيات الأخرى، ولذلك فقد أصبح هو أيضاً مهدداً بخطر الاجتياح. \r\n \r\n \r\n وانتحى وليد بالمؤلف جانباً واقترب منه كثيراً، وهمس قائلاً له : «منذ ستة أيام من يوم الجمعة الرابع من أبريل، يوم سقوط مطار بغداد في أيدي الأميركيين، بعث صدام حسين في طلب الدكتور علاء بشير لمقابلته، وأرسله وليد بسيارة يقودها سائقه الخاص، ومنذ ذلك الوقت لم يظهر علاء أو السائق، واصبح وليد يخشى من حدوث الاسوأ بالنسبة لهما. وسأله أندرسون عما إذا كان يظن أن علاء كان مع صدام في الوقت الذي حدث فيه القصف في المنصور منذ ثلاثة أيام مضت. \r\n \r\n \r\n ولم يكن وليد يعلم ولكنه قال إنه لا يعتقد أن صدام قتل، وأنه لا يعرف شيئا عن مصير علاء بشير، ولكنه يشعر بقلق شديد عليه، واقترح أن يذهب مع أندرسون للبحث عنه، وذكر أنه يعرف أين تقيم أخت بشير في الجانب الغربي من المدينة، وإذا كان مايزال على قيد الحياة فأغلب ظنه أنه قد يكون مقيماً لديها، واتفق الاثنان على التوجه في صباح اليوم التالي إلى هناك، إذا كانت الجسور مفتوحة. \r\n \r\n \r\n وفي صباح يوم الجمعة انسحبت دبابات الجيش الأميركي من الجسور القائمة فوق نهر دجلة، وعلى الفور تدفقت سيول العربات عبر النهر وبدأت عملية نهب بغداد الغربية. وأرسل جون أندرسون إلى الدكتور وليد يطلب منه الإنتظار يوما آخر قبل البدء في البحث عن الدكتور علاء بشير. \r\n \r\n \r\n \r\n وأراد المؤلف الذهاب إلى مستشفى الكندي ولكنه وجد أبوابها موصدة بالسلاسل والتف عدد من العراقيين حولها وأخبره ممرض كان واقفا بينهم بأن المستشفى كان مهدداً من حشد من النهابين ففر طاقم العاملين به وأجلي المرضى إلى مستشفيات أخرى، وسأل أندرسون عن «علي » الطفل الذي أصيب إصابات بالغة من القصف الأميركي، فقيل له إنه لا يزال حياً ويقيم الآن في مستشفى في مدينة صدام فطلب من سائقه التوجه إليها فاعترض السائق وقال له إن المنطقة أصبحت خطيرة جدا، ولكنه أصر على طلبه. \r\n \r\n \r\n وعندما وصلت السيارة إلى أول حاجز صرخ الرجال الموجودون فيه في السائق، وفتحوا باب السيارة وحاولوا جذب جون أندرسون خارجها، فتحدث إليهم حتى أغلقوا الباب، وسمحوا للسيارة بالمرور، وعندما وصلت إلى أحد المستشفيين الاثنين الموجودين في مدينة صدام كانت هناك مجموعة كبيرة من الشبان المسلحين تقف خلف البوابات المغلقة وبعد أن شرح لهم السائق سبب مجيئهما، فتحوا البوابات لتمر السيارة، ثم أغلقوها خلفهم، وعندئذ خرج جون أندرسون منها، فأحيط على الفور بعدد من الرجال وبدأوا يسألونه باللغة العربية : من أنت ؟ هل أنت أميركي ؟ ما الذي جاء بك ؟ \r\n \r\n \r\n وبدأ أندرسون يشعر بالخوف ولكنه حاول إخفاء شعوره، وجاء شاب بدا عليه وكأنه طالب في معهد ديني، وصرخ فيه بالانجليزية قائلا إن مدينة صدام وما فيها من مستشفيات أصبحت الآن تحت سيطرة علماء مسلمين، وسأله : هل كنت تدرك ذلك ؟ وأجاب أندرسون بأنه لم يكن يعرف أن المستشفى أصبح تحت سيطرة إسلامية، وكرر قوله إنه جاء لرؤية على الطفل المصاب بحروق، فقال الشاب له إن الطفل موجود في مستشفى آخر، وسأله : هل تحب أن تقابل الشيخ المسؤول الآن عن المستشفى ؟ \r\n \r\n \r\n فقال جون لي : نعم، محاولا إبداء الاهتمام بالأمر، وبعد نحو دقيقتين جاء اثنان من الائمة المعممين، وبدا أن أحدهما هو صاحب السلطة، وأخذ أندرسون يهز رأسه بينما كان يتحدث إليه ولم ينتبه إلى أن الرجال المحيطين به هم من أتباع رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر. \r\n \r\n \r\n وذكر الرجل أنهم يعتقدون أن الأميركيين دبروا بدهاء عملية نهب بغداد، ولهذا تولوا الإشراف على الامن العام والخدمات الضرورية في مدينة صدام. وخلال يومين سيطر رجال الصدر على المنطقة بسكانها البالغ عددهم مليونين ونصف المليون وأطلقوا عليها اسم مدينة الصدر تيمنا باسم رجل المعارضة الراحل. وبعد أن أنهى الرجل كلامه دخل إلى المستشفى، تاركا أندرسون وسط الناس. \r\n \r\n \r\n لقاء مع علوني \r\n \r\n \r\n في تلك اللحظة اقترب منه رجل خرج من بين الجموع، وكان وجهه مألوفا لديه ولا يبدو عليه أنه عراقي، وتذكر أندرسون أنه أحد المراسلين العرب لقناة الجزيرة. وجاء إليه الرجل وتحدث إليه باللغة الانجليزية، وقال له بصوت خفيض : ماذا تفعل هنا ؟ وشرح له أندرسون سبب مجيئه، ولكنه قال له إن ما يرغب فيه الآن هو مغادرة المكان، فتمتم الرجل قائلا : وأنا كذلك ثم سأله في هدوء شديد : «هل أنت أميركي ؟» فلما أجاب أندرسون بأنه كذلك أخذ يهز رأسه يمينا ويسارا، وقال له بدوره إنه جاء إلى هنا لأنه سمع ما تردد عن سيطرة مقتدى الصدر على المستشفيات ولكنه لم يحب الأجواء التي وجدها. \r\n \r\n \r\n وكان يحاول إقناع الحراس بإرسال مرافق مسلح معه للخروج من المنطقة، وكان القلق يبدو على وجهه وهو يتفاوض معهم، ثم طلب من أندرسون أن يبقى حيث كان، فأخذ أندرسون يناور ويمرق من خلال الزحام، حتى وقف بجوار سيارة سائقه صباح، ولكن كان رجال الميليشيا منتشرين حوله ويرمقونه بنظراتهم ثم يتحدثون إلى بعضهم بعضا، وبعد لحظة عاد الرجل العربي وقال له : «ادخل إلى سيارتك واتبعنا». \r\n \r\n \r\n وكان من الواضح أن رجال الصدر رفضوا إرسال سيارة لترافقهم ولكنهم وافقوا على إرسال مرافق من رجالهم في سيارة الرجل العربي. وتبعت سيارة أندرسون السيارة الأخرى، وحاول سائقه أن يظل وراء من يسميه المؤلف بالعربي. وعند أول حاجز بدا أن الحراس يمتنعون عن السماح للسيارتين بالمرور ولكنهم وافقوا بعد دقائق قليلة، وعند الحاجز الأخير قفز المرافق من سيارة العربي، وبعد عدة أمتار انطلقت سيارة قناة الجزيرة مسرعة. \r\n \r\n \r\n ويقول مؤلف الكتاب إنه لم ير رجل الجزيرة مرة أخرى، ولكن بعد عدة شهور، وعلى وجه التحديد في شهر سبتمبر 2003، كان يشاهد أخبار المساء في تليفزيون البي بي سي البريطاني بعد عودته إلى إنجلترا وإذا بوجه ذلك الرجل العربي يطالعه على الشاشة، وعندئذ عرف أنه تيسير علوني المواطن الاسباني السوري الأصل، وأنه قد أعتقل لتوه في منزله في غرناطة بتهمة علاقته بتنظيم القاعدة. \r\n \r\n \r\n في صباح اليوم التالي ذهب أندرسون إلى مستشفى الواسطى ليرافق الدكتور وليد في البحث عن الدكتور علاء بشير. وعبرت السيارة النهر إلى الجانب الغربي من بغداد. وقد لاحظ أن كل مبنى حكومي تقريبا تعرض للنهب، وبينما كانا يمران أمام فندق الرشيد وجدوه سليما على عكس كل التوقعات السابقة، ولكنه كان فريسة للنهب أيضاً، وشاهد أندرسون ووليد والسائق رجالاً يسرقون الاثاث من الفندق. ويقول المؤلف إنهم لم يروا أي أميركي بالقرب من المكان، حتى أنه بدا يشعر بالاسى والغضب لأن ابناء بلده كانوا يقفون ويتفرجون بينما كانت بغداد فريسة للنهب والحرائق. \r\n \r\n \r\n وأخذت السيارة تشق طريقها بحذر من دون دراية أو إحساس واضح بالأماكن الآمنة أو غير الآمنة، وكانت تدور معارك بالبنادق من مكان لآخر. وعلى جانب الطريق كان عشرات من الشباب يسيرون متثاقلين من الاجهاد، وبدا عليهم أنهم ظلوا يمشون على أقدامهم ساعات عديدة، ووضحت عليهم آثار العطش والجوع وهم يتجهون جميعا إلى الجنوب. \r\n \r\n \r\n وقال وليد : « إنهم جنود» وأشار إلى بعض قطع الملابس العسكرية وقد تناثرت على طول الطريق. وكان عدة مئات من الجنود يمرون في الطريق مشيا على الاقدام في طريقهم إلى منازلهم في بغداد وغيرها من المدن في الشمال. وكان الناس يقدمون لهم الخبز والماء. \r\n \r\n \r\n وعرف أندرسون أن جميع هؤلاء الرجال من وحدت الجيش العاملة على الجبهة وأنهم اختاروا ترك أسلحتهم وهجروا مواقعهم بدلا من القتال، وبدل معظمهم أزياءهم العسكرية وارتدوا ملابس مدنية. وأوقف الدكتور وليد اثنين منهم وأكد له أنهما من « العسكر» ، وقال أحدهما إنه جاء من كركوك في طريقه إلى بيته في البصرة في أقصى جنوب العراق. \r\n \r\n \r\n وبعد أن غادر أندرسون العراق بعد فترة من الزمن عاد مرة أخرى إلى زيارته عدة مرات بين الفترة من أواخر شهر يونيو 2003 حتى منتصف يونيو 2004 متردداً بين بغداد وعمان. وفي إحدى رحلاته في شهر نوفمبر 2003 عاد إلى العاصمة العراقية ليكتب انطباعاته قائلا إنه وجد مشاعر العراقيين ضد الأميركيين زادت حدة. \r\n \r\n \r\n وكان قد قام بزيارة إلى أحد رجال الاعمال العراقيين، اسمه علي، وتناول الغداء على مائدته، وقد عبر له على عن وجهة نظره قائلا «إن معظم الانتحاريين مفجري القنابل هم من خارج العراق، ولكنني «أصارحك بأننا كعراقيين نشعر بالسعادة عندما نسمع بأن هؤلاء الناس قتلوا أميركيين. نحن جميعا نشعر بالسعادة وأي شخص يقول لك غير ذلك فهو كاذب». \r\n \r\n \r\n ويضيف أندرسون إن الأميركيين ليسوا وحدهم فحسب، بل إن المسلحين يعتبرون كل من يشتبه في أنه يتعاون مع التحالف هدفا لهم سواء كان عراقيا أو غربيا. وأول الضحايا هم السياسيون ورجال الشرطة، والمترجمون والنساء اللواتي يغسلن ملابس الجنود الأميركيين تعرضوا للاغتيال، ولم يعد أي مكان في العراق آمنا. وفي اليوم نفسه الذي عاد فيه أندرسون إلى بغداد تعرض فندق فلسطين للقصف بعدة صواريخ انطلقت من عربة يجرها حمار. \r\n \r\n \r\n ويقول أندرسون إن الفنادق الأخرى هجرها روادها بما فيها فندق السفير الاثير لديه، وقام حراس مسلحون بحماية بعضها بينما أقامت فنادق أخرى جدرانا من الاسمنت المسلح لحمايتها من السيارات المفخخة. وبحلول نهاية العام كان 250 أميركيا قد لقوا مصرعهم فضلا عن الكثير من العراقيين، منذ أن أعلن بوش انتهاء العمليات العسكرية في بداية مايو. وقد ساهم بنصيب من الضحايا بريطانيون وإيطاليون وكوريون وإسبان وتايلانديون ويابانيون وبلغاريون وبولنديون ونحو ست جنسيات أخرى. \r\n \r\n \r\n الرحيل .. يا صديقي ! \r\n \r\n \r\n يرى مؤلف الكتاب أن أسر صدام حسين بالطريقة المذلة في الجحر الذي كان يختبئ فيه في تكريت في منتصف ديسمبر أحيا الآمال في توقف موجة العمل المسلح المعادية للأميركيين، ولكن في خلال أيام زادت التفجيرات والهجمات في جميع أنحاء البلاد. وبعد شهور من قيام خبراء وكالة المخابرات المركزية الأميركية، بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل، لم يسفر بحثهم عن شيء، ولكن هذا الأمر أصبح أقل أهمية بعد أن أعلن الرئيس الأميركي بوش أن «العراق أصبح خط الجبهة الجديد في الحرب على الإرهاب ». \r\n \r\n \r\n ويصف أندرسون ذلك الاعلان بأنه ليس أكثر من محاولة لإرضاء الذات، لأنه عندما كان في بغداد في أوائل ديسمبر 2003 التقى ببعض العراقيين المشتركين في المقاومة، وكان أحدهم ويسمى نفسه أبوعبد الله يتحدث اللغة الإنجليزية بطلاقة، وقد قال لمؤلف الكتاب «يجب على الأميركيين أن يرحلوا وهذا كل ما نريده، ولن تكون هناك أي عمليات عندما يرحلون، نحن لسنا في حاجة إلى أميركا لإصلاح هذا البلد أو بنائه.. بل إلى مجرد رحيلهم يا صديقي». \r\n \r\n \r\n وفي رحلة أخرى عاد جون لي أندرسون إلى بغداد في 17 مارس 2004، وهو يقول عن ذلك إن «العراق أصبح مكانا أكثر خطورة مما كان عليه في العام السابق، لقد تحرر العراقيون من الديكتاتورية بعملية حرية العراق، ولكن حريتهم الجديدة ليست بالشيء الذي يستطيعون الاعتزاز به بسهولة». \r\n \r\n \r\n ويضيف: «أصبح العراقيون الآن أحراراً في التعبير عن آرائهم والبحث في مواقع الإنترنت، ومشاهدة شبكات التليفزيون الفضائية، وقراءة ما يريدون من الصحف، والانضمام إلى الحزب السياسي الذي يختارونه باستثناء حزب البعث، ولكن المسلحين أيضا أصبحوا أحرارا في توجيه ضرباتهم ضد من يريدون وفي الوقت والمكان الذي يختارونه». \r\n \r\n \r\n ويرى المؤلف أن الحرية تظل قيمتها نظرية فحسب ما لم توجد دولة قادرة على تسخير منافعها لمواطنيها، ولابد من وجود الأمان لتحقيق ذلك. وقد يبدو ذلك وكأنه تركيبة بسيطة، ولكنها هي الشيء الجوهري الذي لا يزال مفقودا في العراق بعد عام من إعلان جورج دبليو بوش أن البلاد تخلصت من الشيطان. \r\n \r\n \r\n ويقول أندرسون : «ما من عراقي عرفته يشعر بالراحة أو الحماية على الرغم من وجود 130 ألف جندي أميركي في العراق، بل الأمر على العكس من ذلك، وبسبب المخاطر على سلامتهم هم، تعيش القوات الأميركية في مجتمعات مؤمنة مثل المنطقة الخضراء، أو في قصور صدام السابقة، أو في معسكرات حربية، وفي ظل حماية الحراس والجدران المقاومة للانفجارات. \r\n \r\n \r\n وعندما يخرجون من أماكنهم تلك يحتكون بالمجتمع العراقي وهم مختبئون خلف ستراتهم الواقية من الرصاص وخوذاتهم فوق رؤوسهم، وهم مدججون بالسلاح ويتحركون في البلاد في عربات مدرعة وبنادقهم جاهزة للإطلاق، وفي معظم الأيام كان كثير منهم يلقون مصرعهم في كمائن، أو بسبب قنابل يتم تفجيرها عن بعد، وبعد مثل هذه الحوادث غالباً ما يقوم الجنود بإطلاق النار، وبوحشية في بعض الأحيان، ويرشقون كل شيء حولهم بالرصاص.. وفي أغلب الاحوال يقتلون مدنيين عراقيين تصادف وجودهم في المكان وفي مرمى رصاصاتهم». \r\n \r\n \r\n ويضيف المؤلف : «لم يعد مأمونا أن يسافر الغربيون عبر البلاد ففي مارس وحده أدت سلسلة من الكمائن على الطرق العراقية إلى موت نحو عشرين مدنيا غربيا بمن فيهم رجال أعمال ومقاولون مدنيون ورجال دين وخبراء في أعمال الاغاثة». \r\n \r\n \r\n ويستشهد المؤلف بالقصف الذي أصاب فندق «جبل لبنان» الذي كان سبب استهدافه واضحا لأن بعض الأجانب كانوا يقيمون فيه، وقد تلت ذلك تفجيرات في فنادق صغيرة أخرى. \r\n \r\n \r\n وبعد هذه الهجمات انتقل معظم المراسلين الغربيين ومدنيون آخرون ممن بقوا في بغداد إلى الحياة خلف الجدران الواقية التي أحيط بها كل من فندقي فلسطين وشيراتون، أو فندق الحمراء الذي أصبح أيضا محاطا بالأسوار العراقية والحراس المسلحين. أما أهل بغداد العاديون فإنهم هم وحدهم الذين يعيشون من دون حماية، واصبحت الحياة بالنسبة لهم محفوفة بالمخاطر. وقد انتشرت عصابات الإجرام ونشطت دون أن ينالها أي عقاب، وقد إرتفع عدد حالات الاغتيال والاغتصاب إلى حد كبير منذ سقوط بغداد بالإضافة إلى خطف السيارات وخطف الافراد للمطالبة بالفدية. وفي حالات متعددة كان الضحايا هم الاطفال. \r\n \r\n \r\n حالات غريبة \r\n \r\n \r\n من بين الحالات الغريبة التي يرويها مؤلف الكتاب جريمة خطف علاء أصغر أبناء سائقه صباح والذي يبلغ اثني عشر عاما، وكان الصبي يسير مع زملائه من البيت في طريقه إلى المدرسة في الصباح وتوقفت إلى جوارهم سيارة بها بعض الرجال الذين اختطفوا الصبي، وبعد ساعات قليلة تلقى صباح مكالمة هاتفية من مجهول طلب منه دفع خمسين ألف دولار، إذا كان يريد استرداد ولده حيا. وبطبيعة الحال كان المبلغ المطلوب فوق طاقة سائق مثل صباح. \r\n \r\n \r\n وظل السائق في الأيام الثلاثة التالية يفاوض الخاطفين حتى توصل بالمساومة إلى خفض المبلغ إلى ستة آلاف دولار، وكان عليه أن يبيع سيارته لدفع الفدية. \r\n \r\n \r\n وفي اليوم الثالث ذهب اثنان من إخوته إلى بقعه منعزلة حددها الخاطفون. وهناك قابلهما رجال مقنعون تسلموا منهما النقود.وبعد ساعات قليلة أحضروا الصبي وتركوه على الطريق بالقرب من منزله. وقال الصبي لوالده إنهم ابقوه في «جراج» معصوب العينين. ونتيجة لذلك قرر الاب عدم إرسال ابنه إلى المدرسة وإبقاءه في البيت، وبذلك حرم الصبي من الدراسة. وقال صباح لجون أندرسون : «هل بوسعي أي شيء آخر؟» وانفجر في البكاء. \r\n \r\n \r\n وفي اليوم الرابع من شهر أبريل 2004 بدأ نزيف الدم في الارتفاع، وأسفر بعد أسبوعين عن مقتل مالا يقل عن سبعين أميركيا وسبعمئة عراقي، وكانت تلك أسوأ أيام العنف في العراق منذ الغزو الأميركي- البريطاني، ولم تظهر أية إشارة إلى توقفه. \r\n \r\n \r\n ويقول المؤلف إن تصاعد الاشتباكات غير المتوقع وعدد الضحايا الكبير أديا إلى انتشار تخوف عالمي وأثارا تساؤلات جديدة عن أسلوب إدارة بوش في ممارسة احتلال العراق. \r\n \r\n \r\n وإذا كان هناك من يعتريه أي شك من قبل فقد أصبح واضحا للعيان الآن لكل شخص أن الولاياتالمتحدة لا تزال تخوض حربا في العراق. وقد اشتعل فتيل موجة العنف الجديدة بوقوع عدة حوادث، ففي 31 مارس وقع أربعة مقاولين أميركيين في كمين وقتلوا أثناء تجولهم بالسيارة عبر الفلوجة. \r\n \r\n \r\n وبعد ذلك قامت فرقة المارينز الأولى بالالتفاف حول المدينة لقتل الرجال المسؤولين عن مصرع المقاولين أو لإلقاء القبض عليهم.. وعندما توغل الجنود الأميركيون في المدينة يوم 5 أبريل واجهوا مقاومة عنيدة وتكبدوا خسائر كبيرة، وسرعان ما تحولت مهمتهم البوليسية إلى الحصار ولجأوا إلى السحق والقصف وضرب المدينة بطائرات الهيلوكبتر، إف - 81 والدبابات، وهرب عشرة آلاف مدني من المدينة. \r\n \r\n \r\n وفي الوقت نفسه فتحت جبهة جديدة وواجه التحالف للمرة الأولى قتالا لا ممن يسميهم المؤلف «المتمردين السنة» وحدهم بل وكذلك من الشيعة أيضا. \r\n \r\n