هي السياسة الرسمية التي تنتهجها حكومة بيونج يانج. وفي الغرب يكاد الاهتمام كله ينحصر على التصريحات الرسمية، التي تذيعها \"وكالة أنباء بيونج يانج المركزية\". رغم غرابة النبرة المصاحبة لتلك التصريحات، فهي تعمد إلى نعت كوريا الشمالية بأنها دولة أسيء فهمها، وبأنها لا تسعى إلى شيء آخر سوى التطلع لإقامة علاقات طبيعية مع الولاياتالمتحدة الأميركية. لنأخذ مثالاً على ذلك، التصريحات الرسمية التي بثت الأسبوع الماضي، حول تطوير كوريا الشمالية للأسلحة النووية. فقد جاء في الأخبار الرسمية ما يلي:\"في الوقت الذي تعلن فيه بيونج يانج عن تطويرها وحصولها على الأسلحة النووية دفاعاً عن النفس، فإنها لا تتطلع إلى أكثر من حدود التعايش السلمي مع الولاياتالمتحدة\". \r\n \r\n غير أن لغة الدعاية السياسية اليومية، التي يتكرر طرقها في أذهان وآذان الشعب الكوري، تقول شيئاً آخر تماماً. فالكتب المدرسية المقررة، وكذلك البوسترات والملصقات الجدارية، بل وحتى الأعمال الأدبية المتداولة، تحفل جميعها بالتهليل والدعوة إلى ما يمكن تسميته ب\"الهجمة الدبلوماسية\" الطائشة، التي سترغم العالم كله على الرقص على إيقاعات الزعيم الفذ، كيم جونج إيل. أما الكاريكاتيرات والرسوم المتحركة الساخرة، فتصور عجز الولاياتالمتحدة الأميركية عن تنفيذ تهديداتها العسكرية لبيونج يانج، كما لو كان فشلاً في الجهاز العصبي الأميركي! وفي الجانب الأدبي، هناك رواية بعنوان \"ماسورة البندقية\" كانت قد صدرت في عام 2003، وهي بمثابة عمل روائي تاريخي رسمي، يصور كيفية انحناء إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون أمام قوة عزم الزعيم كيم في عام 1998. وتنتهي الرواية بهذه الجملة التي ينسبها الراوي إلى بيل كلينتون وهو ينحني بإذلال أمام نظيره الكوري الشمالي:\"إن دولتكم هي دولة عظمى أيضاً، يا سيادة الرئيس\". ويرد عليه كيم إيل بقوله:\"يسرني أن أسمع ذلك\" وبعدئذ، يمضي الرئيس الكوري في وضع قانون وقاعدة التعامل مع الولاياتالمتحدة. وما دام الحال هكذا، أما تزال الولاياتالمتحدة تبحث تحت الحجارة وفي أعماق الكهوف، عن دليل على تطوير بيونج يانج لأسلحتها النووية؟ لعل الكوريين الشماليين، هم الأقل مفاجأة بالأنباء التي جرى بثها الأسبوع الماضي، حول حصول بلادهم على الأسلحة النووية. كيف لا وهم الذين ظلوا يسمعون على مدى سنوات عديدة، عن أن لبلادهم من الأسلحة، ما يمكنها من تدمير جيش أية أمة من الأمم – مهما كان شأنه- خلال يوم واحد فحسب؟ وليس ذلك وحده، بل تعج جدران بيونج يانج بالبوسترات واللوحات الفنية التي تصور انهيار مقر الكونجرس الأميركي تحت ضربة صاروخ كوري شمالي واحد. \r\n \r\n ومهما يكن، فقد حان الوقت الذي يتعين علينا أن نعطى فيه اهتماماًَ أكبر، بهذا التعظيم الذي توليه بيونج يانج لما تسميه ب\"دبلوماسية الهجوم\". فبموجب هذا التعظيم، تتكون الرسالة اليومية التي تؤكد للشعب الكوري وللعالم الخارجي معاً، أنه ليس ثمة معنى أو قيمة لتقديم أية تنازلات من جانب بيونج يانج، أو للتوصل لاتفاق مع أحد، سواء عبر مفاوضات ثنائية أم جماعية. كما أصبح لازماً الانتباه لما تشيعه الثقافة الرسمية برموزها ومفرداتها التي تغذي يومياً هوس جنون العظمة، وتضفي تفرداً خاصاً على قيادة النظام الحاكم في بيونج يانج. وبالفعل فقد بدأت واشنطن تصغي أكثر لما يقال في بيونج يانج، تماماً مثلما بدت بيونج يانج أكثر إصغاءً واهتماماً بما يقال عنها في واشنطن. \r\n \r\n \r\n بي. آر. مايرز \r\n \r\n أستاذ الدراسات الكورية الشمالية بجامعة كوريا الجنوبية \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \"نيويورك تايمز\" \r\n \r\n