\r\n اننا نعلم ان الاصلاح يجب ان يكون نابعاً من المجتمع نفسه كي يكون فعالاً وطويل الأمد، وندرك كذلك ان الاتحاد الأوروبي لو فرض نفسه كثيراً فسيثير الشك بأن لديه جدول عمل لفرض نوع جديد من الامبريالية، وستضيع جهوده هباء. \r\n \r\n وعلى رغم ذلك توجد لأوروبا مصلحة منطقية وشرعية في دعم التغيير الايجابي في كل منطقة الشرق الأوسط. ان أوروبا والشرق الأوسط وشمال افريقيا مرتبطة ببعضها بعضاً ارتباطاً وثيقاً، ويتجلى ذلك بوضوح عندما نفكر في التنمية الاقتصادية والهجرة غير الشرعية وتحديد النسل والحرب على الارهاب ومسائل الطاقة والجرائم عبر الحدود، بالإضافة الى ذلك، فقد وجد عرب كثيرون وطناً جديداً في قارة أوروبا، ويزيد إدراكنا بالامتنان للعالم العربي من جراء مساهمته الثقافية والعلمية في طريقة معيشتنا. ونظراً الى هذا القرب وهذه الروابط التاريخية يشعر الأوروبيون بضرورة الحديث بصراحة عن المشاكل وشرعيتها. \r\n \r\n وسيبقى الثبات والرفاهية في منطقة الشرق الأوسط ككل تحت ضغط طالما ظل معظم الدول في المنطقة غير قادر على المشاركة الكافية في النزعة العالمية نحو التطوير الاقتصادي والديموقراطية واحترام القانون. وقد بدأت بالفعل كل الدول العربية تقريباً في العمل على ترسيخ الاصلاح، ولكن الصعوبات كبيرة، وذكر ذلك بما لا يدع مجالاً للشك في تقارير التنمية الانسانية التي حررها الباحثون العرب. ومع هذا يوجد اجماع متزايد في العالم العربي في ما يتعلق بأهمية الاصلاحات ذات الأبعاد الأكثر عمقاً، وقد ذكرت هذه النقطة بكل وضوح في مجموعة من المؤتمرات الاقليمية التي قامت بإصدار بيانات، أهمها بيان الجامعة العربية في تونس هذا العام الذي صرحت فيه الدول العربية بأنها على استعداد للعمل سوياً نحو التغيير. \r\n \r\n ويناشد هؤلاء الذين يدعمون التغيير في العالم العربي بتقليل المسافة بين الشعب والسلطة، ويركزون على أهمية الديموقراطية الحقيقية وحماية الحريات الاساسية كشروط للتطوير، ويقولون بكل وضوح انه اذا لم يسمح للنساء بتقديم حصة مساهمتهن في المجتمع فسيؤدي ذلك في أحسن الحالات الى إبطاء التطوير، وفي اسوأ الأحوال الى عدم بدئه مطلقاً، وهذه الأهداف نبيلة وتستحق التقدير. \r\n \r\n ان المصلحة الأوروبية في العالم العربي طويلة الأمد، والدعم الذي نقدمه كبير، ففي الفترة بين 2002 و2006 قدم الاتحاد الأوروبي 5.3 بليون يورو كهبات، وبلغ مجموع ما خصصه للمنطقة من خلال بنك الاستثمار الاوروبي اكثر من 13 بليون يورو كهبات وقروض سهلة، وهي تزيد بنحو 2 بليون يورو كل سنة. وأتى جزء كبير من ذلك عن طريق عملية برشلونة التي بدأت في 1995 والتي كونت الأساس للعلاقة بين الاتحاد الأوروبي ودول البحر الأبيض المتوسط. وهذه الأموال تعود بالفائدة على تحسين البنية التحتية والاصلاح الاقتصادي وبشكل متزايد على مشاريع حقوق الانسان وسيادة القانون. \r\n \r\n هذا الاهتمام من جانب أوروبا لن يتراجع في المستقبل، بل سيزيد على الأرجح، كما يتضح من المشاركة الاستراتيجية مع منطقة الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط التي اتفق عليها رؤساء حكومات أوروبا في وقت مبكر من هذا العام. والتعبير الآخر عن العهد الذي قطعناه على أنفسنا هو ان الاتحاد الأوروبي يعمل الآن سوياً مع الدول الاعضاء في مجلس التعاون الخليجي على اتفاقية للتجارة الحرة. \r\n \r\n وفي الشهور الأخيرة قام الاتحاد الأوروبي تحت رئاسة هولندا باتخاذ العديد من الخطوات التي تجعل التعاون بيننا اكثر انتاجية، وجرت للمرة الأولى محادثات ذات جدية مع عملية برشلونة حول مكافحة الارهاب والسياسة الأمنية، وبدأنا ايضاً محادثات حول تحديد النسل. وكوننا نسعى الى تنسيق طرق عملنا نحو هذه التحديات على الناحيتين من البحر الأبيض المتوسط هو أمر طيب، وبالطبع نفعل في هذا الصدد أشياء اخرى الى جانب المحادثات، فهناك تعاون ميداني متزايد بين مؤسسات الاستخبارات والشرطة في بلادنا، ونعمل على تكثيف الروابط العسكرية بيننا، وأحد التجديدات في هذا المضمار هو مشاركة المغرب في قوات «ألثيا» في البوسنة والهرسك تحت رئاسة الاتحاد الأوروبي. \r\n \r\n واحدى المبادرات المشتركة هي انشاء مؤسسة «أنا ليند» للحوار بين الثقافات والحضارات. ومهمة هذه المؤسسة هي زيادة تعرفنا على بعضنا بعضاً، ولا شك انها ستساعد الحكومات والجمعيات على معرفة كيف يمكن ان يتحرر المواطن لإشباع طموحه ولعدم الاستجابة الى اغراء التعصب والرهبة من الاجانب. وسيكون مقر المؤسسة في الاسكندرية، وهي المدينة التي ظلت آلاف السنين كملتقى الطرق بين الحضارات، والتي لا يوجد أنسب منها لهذا الغرض. \r\n \r\n والتجديد والاصلاح مدرجان ايضاً في جدول أعمال منصة المستقبل، التي سيجري تنظيمها في الرباط في 11 كانون الأول (ديسمبر)، وقد تأسست هذه المنصة بواسطة الدول الاقتصادية العظمى الثماني برئاسة الولاياتالمتحدة، كما ستقوم الحكومات وممثلو قطاع الشركات والمجتمع المدني بتبادل الآراء في الرباط. والهيكل البنائي وموقع المنصة يتمشيان مع المبدأ الأوروبي الذي ينص على ان الاصلاح يجب ان يكون نابعاً من الوطن نفسه. \r\n \r\n وبالطبع لا يمكن الفصل بين جدول أعمال الاصلاح والوضع السياسي والأمني. والنزاع العربي - الاسرائيلي له ظل مظلم في المنطقة بكاملها، وسيعمل حل للنزاع الفلسطيني - الاسرائيلي واتفاق سلام بين سورية واسرائيل وبين لبنان واسرائيل على اعطاء دفعة قوية منشطة. وقد جرت محادثات مباشرة بين وزيري الخارجية الفلسطيني والاسرائيلي في لقاء البحر الأبيض المتوسط - أوروبا في الاسبوع الماضي في لاهاي، وكان الجو ودياً للغاية، ونتمنى ان تكون روح لاهاي علامة تفاؤل لما سيحدث في المستقبل. \r\n \r\n لا يوجد لدى أوروبا خطط تفصيلية لمعجزات تحل مشاكل جيرانها في الجنوب، ويجب ان يجري العمل على الاصلاح أولاً وقبل كل شيء بواسطة الدول نفسها في الشرق الأوسط وشمال افريقيا، ومن ناحية اخرى لا يمكن للاتحاد الأوروبي ان يظل ساكناً وان يستمتع فقط بانجازات الاندماج الأوروبي، لأن الكساد الاقتصادي وعدم الأمن السياسي لدى جيراننا في الجنوب يؤثران ايضاً على انجازاتنا، ومن هذا المنطلق فإننا نساهم بحصتنا بكل تواضع واحترام. \r\n \r\n وزير خارجية هولندا. \r\n \r\n