ولكن الحقيقة اكثر تعقيدا فهناك اختلافات تاريخية بين الشرق والغرب وقد تراجعت هذه الاختلافات منذ حصلت اوكرانيا على استقلالها في 1991 والبلاد ليست مستقطبة اليوم كما تظهر الارقام اذا ما استمرت الازمة فإن هناك مخاطر حقيقية من امكانية احياء تلك الانقسامات خاصة اذا ما لجأت الاطراف المتخاصمة للاحتكام للولاءات الاقليمية‚ \r\n \r\n ادعى يوشنكو باستمرار حصوله على الدعم الوطني لحملته وخلال حملته الانتخابية غالبا ما كال المديح لمؤيديه في الشرق‚ ويدرك مؤيدون مدى المخاطر التي قد تنتج عن إلهاب المشاعر المحلية‚ \r\n \r\n ويقول هريهوي نيميريا رئيس مؤسسة النهضة الاوكرانية: ستكون هناك مخاطر جمة اذا حدثت عملية استقطاب البلاد على اساس الغرب الاوكراني الاوروبي ضد الشرق الروسي‚ \r\n \r\n كانت اوكرانيا لقرون منقسمة بين الاراضي الشرقيةوالغربية حيث دمجت الاراضي الشرقية تحت حكم القياصرة الروس بينما حكمت المناطق الغربية من قبل بولندا ولاحقا من قبل الامبراطورية النمساوية المجرية‚ \r\n \r\n الغرب قطنه الاوكرانيون الذين يدينون بالكاثوليكية بينما قطن الشرق الاوكرانيون الذين يدينون بالارثوذكسية الروسية اضافة للكثيرين المنحدرين من اصول روسية‚ \r\n \r\n المحاولات التي بذلت لاقامة دولة بعد الحرب العالمية الاولى فشلت عندما اصبح الغرب تحت الحكم البولندي بينما اصبح الوسط والشرق تحت الحكم السوفياتي‚ \r\n \r\n وفي عام 1945 دمجت البلاد بشقيها الشرقي والغربي في جمهوريات الاتحاد السوفياتي الاشتراكية‚ \r\n \r\n بعد عام 1991 عادت القوى السياسية القديمة لتأكيد نفسها وبعض السياسيين الاوكران اعدوا اجندة وطنية في الوقت الذي اسف الكثيرون في الشرق لانهيار الاتحاد السوفياتي‚ \r\n \r\n هذه المواقف ظلت تتغير باستمرار حسب الاوضاع الاقتصادية السائدة فلقد صوتت البلاد بأغلبية ساحقة من اجل الاستقلال في عام 1991‚ ولكن اظهرت نتائج استطلاعات الرأي التي نظمت في التسعينيات ايام الازمة الاقتصادية الخانقة ان الاغلبية كانت تؤيد اعادة الانضمام الى روسيا‚ \r\n \r\n ولكن مع التحسن الاقتصادي الذي طرأ منذ 1999 فإن نتائج استطلاعات الرأي اظهرت توجه الاوكرانيين لدعم الاستقلال والنتائج الرسمية للانتخابات الاخيرة تظهر وجود انقسامات عميقة‚ ففي الشرق دعم اكثر من 90% من الناخبين يانكوفيتش وعلى وجه التحديد في اقليم دونيتك الفني والمكتظ بالسكان وفي اقليم لوهانسك المجاور نفس هذه الارقام تقريبا حصل عليها يوشنكو في الاقاليم الغربية في لفيف وشيرنوبل‚ \r\n \r\n ويقول المراقبون الدوليون ان اعمال الغش التي رافقت النتائج أدت الي تضخيم الانقسام‚ ويدعي انصار يوشنكو انه كان بامكانه الحصول على نسبة 15% في الاقاليم الشرقية بدلا من 2% كما ذكرت النتيجة الرسمية‚ ولو تم توفير امكانيات الوصول لوسائل الاعلام الى تلك المنطقة وامتنعت بعض الجهات عن اتباع سياسات التخويف في المدارس والمصانع لكان بامكانه الحصول على نسبة 20 الى 30%‚ \r\n \r\n وقد فاز يوشنكو بأغلبية واضحة في العاصمة كييف 76% وهذا يفسر خروج مئات الالوف من سكان المدينة الى الشوارع لدعمه في هذا الوقت فإن عدد المتظاهرين المؤيدين ليانكوفيتش لم يتعد الألف متظاهر فقط‚ \r\n \r\n يانكوفيتش حصل على الدعم نتيجة لوقوف الرئيس ليونير كوشما الى جانبه اضافه الى بارونات المال ومصانع الحديد في الشرق‚ الناخبون في الشرق ايدوه لانه يأتي من الشرق اما في المناطق الاخرى فلهم وجهة نظر تقول انهم لا يريدون لانفسهم ان يحكموا من قبل رئيس احاط نفسه بشلة فيها مسؤولون فاسدون ورجال اعمال ذوو ذمم تالفة‚ \r\n \r\n يقول فلاديمير سفشنكو وهو رجل شرطة متقاعد في كييف اننا لسنا ضد الشرق اننا نقف الى جانب كل فرد في اوكرانيا كل ما نريده هو الخلاص من هذه العصابة من اللصوص‚ \r\n \r\n وهناك شيء غريب في فتكتور يوشينكو زعيم العارضة فعندما يتحدث الى مئات الآلاف من مؤيديه يبدو اقل ارتياحا من بعض نوابه وخصوصا الفاتن يوليا تيموشينكو والديناميكي بترو يوروشينكو صاحب القناة التليفزيونية الرئيسية الموالية ليوشينكو فزعيم المعارضة يوشينكو ليس خطيبا بالفطرة ويستعمل الكتابة التي يلجأ اليها اثناء إلقاء خطاباته ويتوقف متعثرا ويتلمس وجهه باستمرار كما لو انه يتذكر اثار الجروح المتخلفة من عملية التسميم التي اتهم بها السلطات الاوكرانية‚ \r\n \r\n لكن الجمهور يستمع الى كل كلمة يقولها ومجرد ظهوره يجعل الناس يبكون فهم يبكون ليس بسبب الاذى الذي نجم عن السم الذي شوه وجهه الذي كان جميلا ذات يوم وانما بسبب الامل الذي اوجده لهم فهم لا يبكون من اجله وانما من اجل انفسهم فمثلا ليليانا كوزيوتينا عاملة في احد مكاتب كييف كانت من ضمن الجمهور المحاصر للمباني العامة في وسط المدينة قالت بالنسبة لي يوشينكو يعني الحرية والاستقلال وفرصة لنا لنحكم بلادنا‚ \r\n \r\n يناضل يوشينكو لانتزاع الرئاسة عقب انتخابات مختلف على نتائجها التي اعلنت السلطات فوز فكتور يانكوفيتش مرشح الحكومة وذلك بدعم من الرئيس الاستبدادي الحالي ليونو كوتشما‚ وقام خافيير سولانا مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الاوروبي ووسطاء دوليون آخرون زاروا كييف من اجل التوصل الى نهاية سلمية وديمقراطية للأزمة‚ \r\n \r\n يقول انصار يوشينكو انهم يدعمونه بسبب نزاهته ويريدون نهاية لحكم كوتشما الفاسد ولا يثقون ابدا بيانكوفيتش الرجل الذي سجن مرتين على جرائم عنف في العهد السوفياتي اما يوشينكو فهو رجل طيب في حين ان يانكوفيتش فهو مجرم مدان سابق‚ هذا ما قاله سائق باص من مدينة تشيركاسي الذي استخدم باصه لسد مدخل مقر الحكومة‚ وفي رسالة احتجاج كتب 400 دبلوماسي اوكراني يقولون نريد رئيسا يتمتع بسلطة اخلاقية عالية‚ \r\n \r\n لوقت طويل امتنع يوشينكو عن انتقاد كوتشما مباشرة لخوفه من العواقب المحتملة بما في ذلك المخاطرة في حياته ولكنه في هذه الحملة ادان كوتشما وادارته ووصفهم بأنهم «عصابة من اللصوص» ووصف يانكوفيتش ليس اكثر من كوتشما الثالث اي بعبارة اخرى خليفة للكوتشما الذي انتهت تقريبا ولايته الثانية واما عملية التسميم الغامضة التي حدثت في شهر سبتمبر الماضي والتي قال الاطباء بأنها كادت تقتل يوشينكو فهي التي عززت تصميمه على التخلص من هذا الحكم المستبد‚ \r\n \r\n ما زال الطريق طويلا امام الرجل القادم من اصول ريفية والمولود لأبوين كانا يعملان كمدرسين عام 1954 في شمال شرق اوكرانيا قرب الحدود مع روسيا وتخرج كاقتصادي وبدأ حياته العملية في مجال المالية الزراعية السوفياتية وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي برز يوشينكو كصاحب بنك عام 1993 واصبح رئيسا للبنك المركزي ودخل البنك في صراع مدمر مع صندق النقد الدولي حول استعمال القروض المقدمة من الصندوق لتزوير مركز البلاد الائتماني وتقديم قروض سرية ذات فائدة متدنية لبنوك مدعومة سياسيا ولكنه خرج سليما من تلك الفضيحة‚ \r\n \r\n ادت مهارات يوشينكو الى دفع كوتشما لتعيينه رئيسا للوزراء في ديسمبر 1999 من اجل ان يساعد في وضع نهاية للركود الاقتصادي الحاد وكانت لاصلاحاته الليبرالية تأثيرات سريعة ولكن كما اوضحت التسجيلات السرية مؤخرا كان كوتشما غيورا من شعبية رئيس وزرائه وحاول الاضرار به - ومع ذلك ظل يوشينكو يدافع عن رئيسه ضد الاتهامات الموجهة اليه بالضلوع في موت جورجي غونغادزه الصحفي المعارض‚ \r\n \r\n بعد 16 شهرا تمت اقالته عندما قرر الاوليغاركية المحيطة بكوتشما ان اصلاحات يوشينكو الليبرالية هددت مصالحهم الخاصة ولكن يوشينكو الذي كان بحلول ذلك الوقت قد رسخ مؤهلاته كزعيم قادر على تحدي كوتشما خرج الى العلن وشكل تحالف العارضة باسم «اوكراننا» الذي حقق تقدما جيدا في الانتخابات البرلمانية لعام 2002‚ \r\n \r\n في صيف هذا العام شن يوشينكو هجومه الشامل الاخير وقبل موعد اجراء الانتخابات الرئاسية الاخيرة شن حملة انتخابية شاقة برغم عملية التسميم التي تعرض لها‚ وخلال الاسبوع الذي تلا الاعلان عن نتيجة الانتخابات المختلف عليها الهم احتجاجات شعبية فاجأت العالم فالشعب الذي كان يخاف رفع صوته خشية من السلطات قد وجد الشجاعة اخيرا لكي يصرخ يوشينكو كما ابدى فريق يوشينكو قدرة كبيرة ومهارات عالية في التنظيم وتعلم الحركات الاحتجاجية في اماكن اخرى من اوروبا الشرقية بما فيهم حركة التضامن البولندية التي ظهر زعيمها السابق ليخ فاليسا في كييف من اجل دعم المتظاهرين‚ \r\n \r\n يواجه يوشينكو حاليا تحديين الاول يتمثل في الحفاظ على قوة دفع الاحتجاج وبنفس الوقت ضمان عدم لجوء انصاره الى استعمال العنف والثاني يتمثل باستعمال جميع الوسائل السياسية والقانونية الممكنة من اجل تأمين نقل السلطة ومؤيدوه ليسوا من اصحاب المزاج الذي يمكن ان يقبل بأقل من الهزيمة الكاملة لنظام كوتشما‚ \r\n \r\n لكن يوشينكو على عكس فاليسا‚ لا يقود بلادا موحدة فمنافسه يانكوفيتش الذي اعلن عن حصوله على 49% من اصوات الناخبين فاز ب 42% بموجب استطلاعات الرأي التي اجريت عقب ادلاء الناخبين بأصواتهم من قبل جهات ممولة من قبل الغرب فمؤيدوه موجودون بكثافة في قلب الصناعة الاوكرانية دونتيسك والاماكن الاخرى في الشرق واما يوشينكو فأنصاره موجودون بكثافة في غرب البلاد ووسطها وخطر حدوث انقسام خطر حقيقي رغم ان الفوارق الثقافية التقليدية بين شرق البلاد وغربها لم تعد عميقة كما كانت سابقا‚ \r\n \r\n وما يزيد من تعقيد الصورة دخول مصالح بقية دول العالم‚ فالغرب يدعم دون تحفظ يوشينكو وروسيا ندعم يانكوفيتش علنا وسيواجه يوشينكو صعوبات كبيرة اذا اضطر لحكم اوكرانيا في نزاع مفتوح مع دونتسك وموسكو ولكن هذا قفز الى الامام اكثر من اللازم فأولا عليه ان يفوز بالسلطة في كييف‚ \r\n