لقد كان أبو عمار أبا حنونا في ظروف الكفاح القاسية لكل المنضوين تحت لواء الثورة والمنظمة والسلطة‚ بل لكل الفلسطينيات والفلسطينيين في المنافي والمخيمات القريبة والبعيدة‚ ولذا من الطبيعي ان يعد الجميع «زهوة» الصغيرة أختا صغيرة للجميع تستحق ان تغمر بحنان الملايين حتى لو لم تكن غير امتداد بيولوجي لقائد تاريخي عظيم! \r\n \r\n ولكن الأمر يختلف مع السيدة سهى الطويل خصوصا إذا تحفظت على الملف الطبي الذي تسلمته من اصدقائها الفرنسيين‚ لانه ليس من العدل اخفاء جريمة ومجرم بتكريم الضحية‚ لأن الحق يتطلب توجيه فوهة المدفع الى مرتكب جريمة الاغتيال بالسم لا مجرد حمل الجثمان وتشييع الزعيم كرئيس دولة وحركة تحرر وطني لا كشهيد ايضا‚ على مدفع رمزي! \r\n \r\n ان المطلوب من سهى تسليم الملف وتمكين شعب ياسر عرفات من الأسباب الحقيقية لاستشهاده وإلا فالإدانة التاريخية ستلحق بها وبمن خصها بها الملف متعاملا مع هذه المسألة بازدواجية من جهة يشيّعه كرئيس دولة وزعيم شعب ومن جهة ثانية يعامله كمجرد زوج لسيدة كادت تشوش على هيبته لحظة احتضاره عازفة على أوتار الإرث‚ \r\n \r\n والخلافة حادة النشاز! \r\n \r\n من يُفرط بِمَن استشهد عرفات ذودا عنه؟ \r\n \r\n ولكن الرئيس والقائد والأب ياسر عرفات لم يعد بيننا‚ ومن العبث انتظار من يحمل صفاته وخبراته ومزاياه‚ فهل نوقف المسيرة الكفاحية والمسارات السلمية واستمرار الحياة بانتظار غودو؟! \r\n \r\n بالطبع لا‚ انما يجب توزيع صلاحيات عرفات ضمن سياق اصلاحي وطني دقيق يستجيب لمتطلبات الصمود والمقاومة والتفاوض من موقع الاتكاء الى قوة الحق لا الانصياع الى «حق القوة»‚ وبهذا المعنى نجري اصلاحات لتقوية مؤسسات المنظمة ومؤسسات السلطة ومؤسسات حركة «فتح» بعد فصلها الواحدة عن الأخرى فصلا نهائيا وواضحا‚ بعد ان كانت مختلطة نظرا لتمركز القرار الرئاسي للسلطة والحركة والمنظمة بيد الرئيس أبو عمار‚ وهذا من الناحية الاجرائية ممكن وتلوح بوادر الأخذ به‚ لكن الأهم هو التزام منهج عرفات الوطني خصوصا على صعيد التمسك بالحقوق الفلسطينية الثابتة‚ الدولة المستقلة‚ وعاصمتها القدس‚ وحقوق اللاجئين‚ فإذا كان ثمة قائد فلسطيني يجرؤ على التفريط بما دفع ابو عمار حياته من أجل التمسك به‚ فلا ريب في ان شعب فلسطين داخل الأراضي المحتلة وخارجها سيعده خائنا ولن يلزم توقيعه على هذا التفريط فلسطينية او فلسطينيا لا الآن ولا بعد قرن آخر‚ \r\n \r\n لقد كانت السلطة الفلسطينية أداة ومرحلة لكن البعض بعد رحيل عرفات‚ وبإملاءات صهيو أميركية يريدها غاية وهدفا‚ ومراهنة على جيل من الذين لم يعرفوا الثورة عن كثب‚ ولا يدركون ان مرجعية النضال الفلسطيني هي منظمة التحرير وليس السلطة التي لا يُسمح لشرطتها بحمل السلاح إلا ضد رجال المقاومة‚ قد يحاك جيل من المناضلين الى التقاعد ويدفع بآخرين الى خارج مؤسسات السلطة والمنظمة ربما بهذه القلة او تلك‚ عساهم يتمكنون بالضغط المالي وبقرطة المؤسسات الفلسطينية ان يخمدوا النبض الثوري وصولا الى التكيف مع الإملاءات الصهيو أميركية عن طريق الترويض‚ لكن المغامرين في هذا الاتجاه يزرعون بذلك بارودا بدلا من ان يغرسوا ما يعزز الوحدة الوطنية الفلسطينية‚ \r\n \r\n وإذا كانت الذريعة ان مؤسسات المنظمة مترهلة‚ فإن أحدا غير قادر على اثبات ان مؤسسات السلطة أكثر رشاقة رغم صغر سنها‚ لكن المهم سياسيا وكفاحيا تفعيل مؤسسات المنظمة التي يجب المراهنة عليها كمرجعية للنضال الوطني الفلسطيني‚ وترك السلطة لإدارة شؤون الفلسطينيين في الضفة والقطاع واختبار جدية الطرف الاسرائيلي في التقدم نحو السلام على الأرض لا على الورق‚ \r\n \r\n لقد اعترف الفلسطينيون بدولة اسرائيل واستثمرت الأخيرة هذا الاعتراف ولا تزال الى ابعد الحدود اقليميا ودوليا‚ فما الذي جناه الفلسطينيون مقابل ذلك غير وعد بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة لم يدخر آرييل شارون رئيس الوزراء الاسرائيلي المنتخب مرتين على التوالي شرا مستطيرا إلا ووظفه بوحشية لتيئيس الفلسطينيين من وجود كيان مستقل لهم بناء على انتظار وعود بوش الصغير وشارون المجرم‚ \r\n \r\n ان على من يخلف عرفات في اي من مناصبه ان يأخذ ذلك في الحسبان‚ ومثلما تنصل شارون من عهود ومواثيق رابين بعد اغتياله برصاص اليمين الصهيوني‚ فإن أمام خلفاء الرئيس عرفات الفرصة التي جعلتها سياسة شارون متاحة للعودة الى ميثاق منظمة التحرير الفلسينية بعد ان اغتال اليمين الصهيوني ايضا الرئيس عرفات الذي أخذ معه غصن الزيتون الى قبره الاسمنتي‚ إلا انه ترك البندقية أمانة حتى التحرير عند كتائب الأقصى وعز الدين القسام وأبي علي مصطفى وغيرهم من فصائل المقاومة الباسلة‚ \r\n \r\n لقد كان عرفات يقاوم شارون متمسكا بغصن الزيتون الذي كان يبعث هذا الثور الشمشوني على الهيجان بين رفوف الفخار التي راكم الغبار عليها اتفاقات سلام عربية لم تحم أقدمها وأخطرها ثلاثة شرطة حدود مصريين من رصاص الموت الاسرائيلي‚ ولم يهدأ سُعَار شارون حتى اسقط الغصن الأخضر وحامله بسمه الانتقامي الحاقد‚ \r\n \r\n إزاء ذلك يجب ان نكون حذرين‚ فنلتزم النهج الوطني الذي قضى أبو عمار ذودا عنه ولا تأخذنا الحمية الحزبية العشائرية فنغض الطرف عن أهمية التمسك بنهج عرفات وثوابته الوطنية‚ ليتسرب ثانية الى سلطة القرار من قاومهم ابو عمار حتى آخر لحظة في عمره من اولئك المنتمين الى العشيرة الحزبية نفسها التي تريد ترشيح الرجل الذي عرف بممالأة واشنطن وتل أبيب وبمناوأة خط ونهج الختيار! \r\n \r\n الآن ثمة مناخ لتداول الأقنعة والقبعات‚ لذا على القوى الوطنية ان تفتح عيونها وبصائرها وعقولها وقلوبها معا وان لا تهمل كبيرة او صغيرة كي لا يتسرب الوهن والاسترخاء الى المفاصل المشدودة لأن ثمة من يتربص لجعل الوحدة الفلسطينية رهينة يساوم عليها من أجل التنازل عن الثوابت التي ترفرف حولها بحنو وحرص روح رمز النضال الفلسطيني الرئيس الراحل ياسر عرفات! \r\n