وبينما كان جنديا المارينز يصعدان أمطرهما متمرد كان يختفي في أعلى البرج بوابل من رصاص بندقيته. وأصابت الطلقات وجه الجندي الأول فتناثر دمه على الجندي الذي يتحرك خلفه. أما الجندي الثاني هذا فقد تعثر وتدحرج على السلالم، بينما رقد الجندي الأول ويليام ميلر، 22 عاما، بصمت في منتصف الطريق وقد اصيب بجروح بليغة. \r\n غير ان جنود المارينز لم يتركوا رفيقهم وحيدا، فقد اندفعوا واحدا تلو الآخر في المنارة نحو الظلمة ونحو النيران وتسلقوا السلالم. \r\n وبعد اربع محاولات ظهر جسد ميلر الفاقد الحياة من البرج وكان رفاقه مقطوعي الأنفاس وغطاهم الغبار. وتحت وابل من رصاص عدد من المتمردين القريبين شق المارينز طريقهم عائدين الى قاعدتهم. \r\n وبعد ذلك قال الجندي مايكل غوغين، 19 عاما، «كنت أحاول أن اكون حذرا ولكنني كنت أحاول إخراجه». \r\n وهكذا انقضت ثمانية أيام على المعركة في هذه المدينة العراقية، وهي أطول فترة من قتال الشوارع الذي واجهه الاميركيون منذ حرب فيتنام. وقد اعطت المسافة القريبة القتال كثافة جهنمية، حيث كان الجنود قريبين الى الحد الذي يرون فيه الأعداء بالعين المجردة. \r\n وبالنسبة لمراسل صحافي غطى ستة نزاعات مسلحة بما فيها الحرب في العراق منذ اندلاعها في مارس 2003 فان القتال الذي شاهده وهو يرافق الوحدة الأمامية في الفلوجة كان تجربة مختلفة نوعيا، قفزة الى نمط مختلف من المعارك. \r\n ومن الصواريخ الأولى التي انطلقت من المدينة بينما كان المارينز يتحركون نحوها بدا طابع المعركة استثنائيا. ان خصوصية المعركة، أي الدخول في حرب مدن، كانت شيئا جديدا بالنسبة لهذا الجيل من الجنود الأميركيين، ولكنه نوع من القتال الذي يمكن أن يروه ثانية. انه صراع طاحن من أجل استئصال رجال حرب العصابات المتخندقين في المدينة وفي شوارع كتبت أسماؤها بلغة لا يعرفها الا قلة من الجنود الأميركيين. \r\n والثمن الذي دفعه الأميركيون حتى الآن: 51 قتيلا و425 جريحا، وهو رقم قد يزيد ولكن ذلك يتجاوز عدد الضحايا في اية معركة من معارك الحرب العراقية. \r\n وجنود المارينز ال150 الذين رافقتهم كانوا أشداء شأن الوحدات القتالية الأخرى. فقد كانوا يتحركون في المدينة على اقدامهم، ويدخلون الى قلب المقاومة دون دبابات أو ناقلات جنود تحميهم الا في حالات نادرة وكانوا يشقون طريقهم عبر الازقة الضيقة وكل واحد منهم يحمل حقيبة على ظهره تزن 75 رطلا. \r\n وخلال ثمانية ايام من القتال أصيب 36 من أفراد سرية المارينز بينهم ستة قتلى، مما يعني ان افراد الوحدة كانوا يواجهون احتمال الموت او الاصابة بجروح بنسبة واحد الى اربعة. \r\n وكان حال اصوات وآهات وملامح المعركة قديمة، كما هو الحال دائما في كل حرب، وجديدة كما هو حال انظمة الاسلحة الاحدث من وزارة الدفاع التي استخدمت في المجابهة، بينما كان المتمردون يسعون بالوسائل المتاحة لهم الى تعقب اهدافهم، اي تعقبنا. \r\n وكان جنود المارينز يندفعون، وسط النيران المضادة، الى تحديد مكان على امتداد جدار حجري ليواصلوا القتال. وكان الصمت يخيم بين هدير القذائف التي تنطلق من المدافع وانفجارها عندما تسقط، بينما تعالى صراخ جنود المارينز عندما اصيب رفيقهم جيك كنوسبلر بفكه جراء انفجار قنبلة يدوية. \r\n وقام الجنود بسحب المصاب من البيت المظلم حيث انطلقت القنبلة، وكان ذلك في الثانية فجرا، حيث السماء يغطيها الظلام. \r\n ولم يكن في المعركة شيء مما رأيته يشبه المشاهد التي نراها عادة في الافلام السينمائية، ولكنها غالبا ما بدت اقل واقعية. \r\n وبدأت قذائف المورتر والآر بي جي تتساقط على جنود السرية في اللحظة التي بدأ فيها افرادها يخرجون من ناقلات الجنود خارج الفلوجة. وكانت القنابل شبيهة بذلك النوع الذي يذكر المرء بما يطلق احتفالا بعيد الاستقلال لدى الأميركيين يوم الرابع من يوليو. \r\n وكانت بنايات بكاملها ومنائر وبشر يتبخرون في سيل من القذائف المتفجرة، وكان رجل يرتدي دشداشة بيضاء يزحف عبر حقل مهجور ليختفي خلف شجرة عندما سقط بنيران دبابة اميركية. \r\n وفي بعض الاحيان تحدث الاصابات وسط وابل من النيران من بندقية او مدفع. ففي الصباح الاول من المعركة وخلال قتال ضار عند جامع المحمدية اندفع ما يقرب من 45 جنديا من المارينز مع الفصيل الثالث من سرية برافو في شارع الاربعين. وفي الوقت الذي تحرك فيه الفصيل نحو الجانب الآخر كان هناك اربعة رجال ممددين ينزفون في الشارع. \r\n واسرع جنود المارينز لسحبهم، كما فعلوا في وقت لاحق عندما دخلوا الى المنارة، وكان الاوان قد فات بالنسبة للرقيب لوني ويلز الذي نزف حتى الموت على جانب الطريق. وكان احد الرجال الذين اطلقوا النار واندفعوا لسحب الرقيب ويلز الجندي ناثان اندرسون الذي قتل في هجوم حدث بعد ثلاثة ايام من ذلك. \r\n ووسط اجواء الموت المنتشرة في المكان كان هناك الانطباع الذي لا مفر منه وهو ان جنود المارينز كانوا من الشباب، وكان الجميع يعرفون ذلك، وكان كثير منهم ما يزالون طلابا في المدرسة الثانوية عندما بدأت هذه الحرب. \r\n ومرة تلو اخرى خلال ذلك الاسبوع كان ضابط السرية الرائد ريد اوموهوندرو يبعد جنوده عن الوقوع ضحية النزعة الانطوائية، سواء عبر سلوكه الذي يتميز بالعزيمة او هدوئه، وهو يتحرك تحت النيران. \r\n وفي الساعات ال16 الاولى من المعركة عندما كان القتال مستمرا وخطر الموت قائما في كل لحظة، لم يجفل الكابتن اوموهوندرو ابدا وكان يقود جنوده عبر الازقة والممرات الخلفية الضيقة في مدينة الفلوجة بتحسس غريب للزمان والمكان، وللعدو ولمواقع رجاله حتى في الظلام، وهو يتسم برباطة الجأش. \r\n \r\n * «خدمة نيويورك تايمز»