ومنذ بداية الاحتلال تحولت صلاة الجمعة في مدينة الصدر الى طقوس في مدينة تقترب من حافة الهاوية. وتعبر كلمات الخطيب والاف من المصلين عن مشاعر مدينة تشعر بنفس مشاعر الكآبة منذ سقوط صدام حسين في 2003. \r\n وهناك احساس بالتعب والارهاق الحاد الذي جعل بلدا يتمتع بالتكيف مثل العراق يشعر بفقدان الامل. وينتشر احساس بالاشمئزاز من السيارات الملغومة وعمليات ذبح الرهائن التي يقوم بها المتمردون السنة، وهي فظائع حدت من غضب العديد من الشيعة حول الهجوم على المتمردين السنة في الفالوجة. كما ظهرت نوعية جديدة من السياسات تتنافس من اجل الشرعية في انتخابات تؤيدها الولاياتالمتحدة وحلفاؤها العراقيون». \r\n واعلن خطيب الجمعة عبد الزهرة السويدي «نحن اتباع الصدر بلا نزاع». وكان السويدي يلقي خطبته يوم الجمعة من على منبر مذهب خارج المسجد. وكانت امامه صورة والد الصدر محمد صادق الصدر وهو رجل دين شيعي يحظى باحترام كبير اغتيل على يد النظام في عام 1999. وكان يحيط بالخطيب مجموعة من الرجال غير المسلحين يرتدون سراويل سوداء وقمصانا بيضاء يضعون عليها «بادجات» تحمل صورة الاب والابن. وكانت الخطبة صارمة ومشحونة بالعواطف، بدأت بالإشارة الى القتال في الفلوجة وقتل جندي من قوات المارينز لسجين غير مسلح، وهي الحادثة التي سجلها مصور اميركي واذيعت في جميع انحاء العالم. \r\n وقال الخطيب «لقد فضح الله المعتدين مرة اخرى عندما كشف جرائم قتل الجرحى. لا ولا ولا للشيطان ولا ولا ولا للكذب». \r\n واستطرد السويدي «لقد انتهكوا حرمة شهر رمضان الكريم باعتدائهم. لقد انتهكوا حرمة المسجد في الفلوجة»، ورد عليه المصلون «لا لا للمتعجرف». \r\n تجدر الاشارة الى ان صلاة الجمعة، بالنسبة للشيعة والسنة تنافس القنوات الفضائية في مدى تأثيرها على الرأي العام العراقي. \r\n وفي المساجد السنية في بغداد، تدور الاحاديث حول بطولات المقاومة واكاذيب الاميركيين. وتقارن المعارك التي تدور في الفلوجة والسامراء بمعارك الرسول، الذي هزمت قواته، الاقل حجما، الكفار في مكة. \r\n ويمضى السويدي في خطبته قائلا «ان شعبنا، من الشمال الى الجنوب، قد تعرض لعديد من الصعوبات بسبب غرورهم». \r\n وقد اصبحت هذه الصعوبات عادية في بغداد، لدرجة ان اعلانات الشوارع في المدينة تبدو وكأنها تسخر من سكانها. ففي واحد من هذه الاعلانات في ساحة عنتر تظهر عبارة «معا تحت جناح السلام»، بينما يعد اعلان اخر ب50 الف دولار أي شخص يقدم معلومات حول متمردين يعدون لهجمات او لمواقع لسيارات متفجرة. \r\n ويقول حسن كاظم، وهو رجل في السادسة والثلاثين من عمره من سكان مدينة الصدر، وهو يستمع لخطبة الجمعة «ان المدينة مثل الجثة، مهما بذلت لتجميلها فإنها جثة». \r\n ومنذ ظهور حركة الصدر في أعقاب سقوط صدام حسين، استغلت تلك المشاعر، وسعت لتحريك افقر قطاعات الشيعة، وهم من المهاجرين التي تزدحم بها مدينة الصدر. وقد قادت الحركة تمردين ضد القوات الاميركية في ابريل ومرة اخرى هذا الصيف، قبل التوصل الى هدنة في شهر اكتوبر (تشرين الأول) وتعهد الولاياتالمتحدة بإنفاق 330 مليون دولار على تجديد شبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي في المدنية. وتتردد في المدينة الان تكهنات عما اذا كان وقف اطلاق النار سيستمر، واذا ما استمر، ما اذا كانت حركة الصدر ستشارك في الانتخابات. \r\n وعلى العكس من الجماعات الشيعية الاخرى، فإن حركة الصدر تتواصل مع السنة وتدعو الى التجانس الطائفي. وقد منحها تمردها ضد القوات الاميركية مصداقية بين الذين يعارضون الاحتلال. وتصور نفسها على انها تمثل القيادة الشيعية الدينية، حتى اذا ما كان بعض هذه القيادات تختلف معها. واتخذ مساعدو الصدر موقفا غامضا بالنسبة للانتخابات. وذكر السويدي في خطبته انها «اقل اهمية من الحديث نيابة عن المضهدين». \r\n ومنذ سقوط صدام، كان العراقيون يأملون في نقطة تحول. ففي بداية الاحتلال توقع العديد انتشار الرخاء. وبعد تعيين الحكومة المؤقتة في شهر يونيو (حزيران) الماضي، اعتقد العديد ان الاستقرار قد تحقق. والان هناك انتخابات متوقعة، يأمل البعض انها ستأتي بحكومة صادقة. \r\n ويقول جليل ابراهيم الذي كان يقف وحده على الرصيف خلال الصلاة «ان شاء الله سأدلي بصوتي. اريد حكومة وطنية، حكومة تخدم البلد. ربما ستنتخب الحكومة المقبلة وستصبح شرعية». \r\n ومشاعر العراقيين حول الانتخابات متناقضة، فهم يصرون على ان الانتخابات ستكون حرة وعادلة في الوقت الذي يعبر البعض عن شكهم في ذلك. \r\n ويوضح محمد علي، وهو رجل في الخمسين من عمره «لن اصوت لاحد. خمسون سنة في هذا البلد وليس لدي أي شيء. قتل وارهاب وسرقات. متى سنحصل على السلام»؟ \r\n ويعكس الافتقار الى الغضب بخصوص الهجوم على الفالوجة النقلة الدرامية في المشاعر. فعندما حاصرت قوات المارينز مدينة الفالوجة في شهر ابريل (نيسان)، اثارت اخبار الضحايا المدنيين سكان العاصمة. وبعث انصار الصدر بالطعام والمواد الطبية، وانتشرت شائعات انهم بعثوا مقاتلين. اما هذه المرة تبدو المشاعر اقل حدة، تعكس الغضب من عمليات القتل الوحشية التي يشير العديد من سكان الصدر، الى ان المقاتلين الاجانب هم المسؤولون عنها. وقال عبد الحسين ظافر الذي كان يحضر الصلاة «هذا يحرمه الدين. هذا ليس اسلاما». وبعد ساعة بالضبط أنهى السويدي خطبته. كانت اعلام العراق التي تحمل عبارة «الله اكبر» ترفرف فوق المسجد الى جوار الاعلام الدينية الخضراء والبيضاء والسوداء، والى جواره يظهر ملصق عليه صورة الصدر وعبارة «اعتبر الشيعة والسنة شيئا واحدا. كلنا مسلمون، والمسلمون شيء واحد». \r\n وبعد انتهاء الخطبة اقيمت الصلاة، وخلال دقائق ذهب المصلون كل الى حاله. \r\n \r\n *خدمة «واشنطن بوست» خاص ب «الشرق الأوسط»