فهم لم يعدوا عرضة للنفي أو القمع كما في السابق، وهم يحرضون على الجهاد في المساجد البارزة ويدفعون باتجاه جعل العراق دولة إسلامية. ومع انهم ما زالوا على الهامش هنا في العاصمة العراقية إلا أنهم في المناطق المتمردة داخل «المثلث السني» قد برزوا كنقطة استقطاب. \r\n يقول سعدون الدليمي الذي يرأس مركز البحوث والدراسات الاستراتيجية في بغداد «الإسلاميون يتنامون بشكل سريع بين الفئات الفقيرة والمهمشة. ويسمح العنف للمتطرفين بحشد الناس والسعي للهيمنة على الفضاء السياسي المتاح». \r\n خصومهم يصفونهم بانهم اصوليون متطرفون لكن الكثيرين منهم يفضلون تسميتهم بالسلفيين الذين يشددون في التأكيد على رغبتهم في إعادة العالم الإسلامي إلى الممارسات التي سادت في زمن الرسول محمد والذي يعتبرونه العصر الذهبي. وفيما ينصب المشروع الأميركي على اقامة نظام ديمقراطي علماني في العراق فإن مشروع هؤلاء لا يختلف كثيرا عما يريد تنظيم «القاعدة» الارهابي تحقيقه، وهم حاليا يلعبون دورا سياسيا أكثر وضوحا. فحينما يتم اختطاف الرهائن يقوم الدبلوماسيون بالاتصال بهم على أمل أنهم سيتمكنون من المساعدة على إطلاق سراحهم. وحينما يريد الدكتور إياد علاوي أن يتفاوض مع المتمردين في مدينة الفلوجة التي هي الآن في قبضة الاصوليين المتشددين، فإنه يذهب إلى المساجد التي يعملون فيها. كذلك حينما يمر الشبان العراقيون من أبناء السنّة بمأزق ما في حياتهم فإنهم يذهبون إلى المساجد. \r\n يقول الشيخ اياد احمد الجبوري، إمام مسجد النور ببغداد، ان نسبة حضور المصلين للمسجد شهدت زيادة كبيرة منذ الغزو الاميركي، ويضيف قائلا «ان الغزو الاميركي ساعد العراقيين على معرفة حقيقة الاسلام والتحدث بحرية» بعد انتهاء سيطرة النظام السابق على النشاط السياسي في المساجد العراقية. ويقول الجبوري ان القتال الذي يدور في المثلث السني قد دفع الكثيرين للسير في هذا الاتجاه. ويضيف الجبوري «ان الاميركيين كانوا يريدون تحويل الفلوجة الى بقعة للارهاب إلا ان الله ارادها ان تكون مكانا لتعزيز وتقوية المقاومة» على حد تعبيره. وأضاف ان «رائحة دم الرجال الذين استشهدوا في القتال ضد القوات الاميركية كانت مثل رائحة المسك وأن اسلحة المقاتلين كانت لا تتوقف عن العمل خلال القتال الذي دار في ابريل (نيسان) الماضي لأن رصاصها لا ينفد» على حد قوله. واثنى الجبوري على قطع رؤوس من وصفهم ب«الجواسيس» مثل المترجم الكوري كيم سونغ ايل الشهر الماضي، وأضاف قائلا انه يجوز شن هجمات على أي شخص له صلة بالاميركيين. ويقول الدليمي انه من الخطأ التركيز فقط على المجموعات السنية. وأشار الى ان مجموعات شيعية مثل «جيش المهدي»، التابع لمقتدى الصدر، مارس القتل والتخويف ايضا. ويشير مراقبون الى ان غالبية نشاط المتمردين داخل العراق، سواء كان تفجير مراكز الشرطة بواسطة السيارات المفخخة او اغتيال مسؤولين عراقيين او المعارك التي دارت يوم الاحد بين القوات الاميركية ومسلحين في بلدة بهرز، بات يقوم به الآن سنيون اصبح الكثير منهم اكثر تطرفا في 17 شهرا ظلوا يقاتلون خلالها القوات الاميركية. وفيما يواصل المتمردون الحرب الساخنة في المثلث السني، يحاول رجال الدين وأئمة المساجد في بغداد بناء قاعدة سياسية. من ضمن هؤلاء الشيخ حارث ضاري الذي عاد الى العراق من الامارات العربية المتحدة عقب سقوط نظام صدام. وتتمتع اسرة ضاري بجذور عميقة في هذه المنطقة ويقال ان جده قتل ضابطا في الجيش البريطاني عام 1920 مما ادى الى انطلاق شرارة اول ثورة عراقية. اصبح ضاري مسؤولا عن مسجد «ام المعارك»، وهو مجمع شيده الرئيس العراقي المخلوع احتفالا بانتهاء حرب الخليج الاولى. وشيدت مآذن المسجد على شكل صواريخ بالاضافة الى الاشكال الزخرفية والرخام في البهو الرئيسي للمسجد. واطلق الشيخ ضاري على المجمع اسم «ام القرى» بدلا من «ام المعارك» وأسس رابطة للعلماء المسلمين، وهي هيئة سنية، على أمل منافسة مؤسسة رجال الدين الشيعة في النجف. واصبحت الرابطة مع ازدياد حالات الاختطاف واحتجاز الرهائن وسيطا بين مجموعات الخاطفين والمسؤولين الاجانب والحكومة الانتقالية العراقية. وقد ساعد الشيخ ضاري في الافراج عن اكثر من 12 رهينة عن طريق اتصالاته، وان كان يصر هو ومساعدوه على ان ذلك لا يعني انهم من المتمردين. واوضح نائبه احمد السامرائي قائلا «ليس لدينا علاقة بهذه الجماعات التي تختطف الرهائن. ونرفض تماما اخذ الرهائن والقتل. هذا عمل ليس اسلاميا». \r\n وكانت الهيئة قد استعرضت عضلاتها فقد ذكر الشيخ السامرائي انه رأس وفدا للقاء علاوي قبل عشرة ايام لتقديم شكوى بخصوص الخطط الاميركية لشن غارة على مدينة سامراء. وبالرغم من ان المعارك في سامراء ليست بحدة معارك الفلوجة، فإن جماعات المتمردين المعادية للتحالف هي التي تدير المدينة. ودفع الخوف من القتال الافا من ابناء المدينة للهرب. وذكر السامرائي انه اقنع علاوي بتقييد القوات الاميركية التي تخشي من تحول المدينة الي فلوجة ثانية. وقال الشيخ السامرائي «لقد ابلغته انه اذا ما ذهب الى سامراء فإن ذلك سيحرج الحكومة. وقال لي انه سيبذل كل ما في وسعه لوقف العنف هناك». واوضح ان معظم السكان الذين هربوا عادوا الى بيوتهم. \r\n وبالرغم من ان هيئة العلماء المسلمين معادية بشدة للاميركيين، فإنه خطابها اقل تطرفا من العديد من رجال الدين الجدد، ولا سيما عندما يتعلق الامر بالعلاقات مع الطائفة الشيعية التي تمثل 60% من السكان. ويرفض السلفيون التعاون مع الشيعة ويقولون انهم خرجوا عن الاسلام الصحيح. غير ان ضاري والسامرائي سعيا الى بناء جسور مع الزعمات الشيعية، ففي خطبة يوم الجمعة الماضي دعا السامرائي مرارا الي الوحدة بين المذهبين، وقال انه يريد من المتمردين التركيز بصفة كاملة على القوات الاميركية، بدلا من شن هجمات التي ادت الى مقتل المزيد من العراقيين. \r\n كما تعرضت هيئة ضاري الى انتقادات من بعض الحلفاء لموقفها من عمليات الاختطاف وجهودها التي تبذلها للافراج عن الرهائن. فقد وجه تسجيل صوتي منسوب لابو مصعب الزرقاوي، المتطرف الاردني المرتبط ب«القاعدة» وتزعم الولاياتالمتحدة انه يستخدم الفلوجة كقاعدة، انتقادات قوية في الشهر الماضي الى ضاري لانتقاده ذبح الرهائن. \r\n غير ان المجموعات التي تنتقد ضاري تشير الى ان الاعتدال النسبي يخفي طموحات اكثر تطرفا. وبالفعل يجري تقييد زيارات العديد من السنة المتحررين. فقد تحدث باحث سياسي قبل عدة اسابيع في احدى الفضائيات ضد اخذ الرهائن والمتطرفين الذين قال انهم يريدون حرمان العراق من فرصة ان يصبح مجتمعا مفتوحا. وبعد فترة قصيرة وصلته رسالة تحتوي على رصاصة كلاشنيكوف وملاحظة تحذره وتؤكد له ضرورة التوقف عن الحديث، وقد قلل الباحث من ظهوره. \r\n ويقول هذا الباحث «انهم (الاصوليين المتشددين) يتحدثون بطريقة لطيفة الان، ولكن هدفهم هو خلق مجتمع مغلق يرفض القيم الغربية، واذا لم تتحسن الاوضاع الان فإن اصواتهم ستزداد قوة». \r\n \r\n *خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» خاص ب«الشرق الأوسط»