ولكن هناك الكثير من التقابلات والتوازيات، التي يمكن على أساسها اختبار درجة تشابه الدور الذي يمكن أن تقوم به الأممالمتحدة في العراق، كما في أفغانستان. في مقدمة هذه التوازيات، التقسيمات العرقية والثقافية والدينية العميقة في كلا المجتمعين الأفغاني والعراقي. وفيما لو قيمنا أداء الأممالمتحدة في أفغانستان، فسوف تكون النتائج على النحو التالي: \r\n \r\n أولا الأداء الأمني: ولابد هنا من إعطاء المنظمة الدولية علامة ما دون النجاح بكثير. ذلك أن الأخضر الإبراهيمي نفسه اعترف بقصور المنظمة الدولية في هذا الجانب، أثناء خطاب الوداع الذي كان قد ألقاه هناك. فقد جاء على لسانه \"يسكن الخوف قلب كل مواطن أفغاني بسبب انعدام الأمن وحكم القانون\". ولكن السؤال المهم: كيف حدث هذا؟ الإجابة هي أن كلا من المنظمة الدولية ومبعوثها الخاص الإبراهيمي، قدما تنازلات هي التي انتهت إلى أن تكون أفغانستان في هذه الحالة من انعدام الأمن وغياب حكم القانون التي تواجهها الآن. فقد كان المداد الذي وقعت به اتفاقات بون- التي اختيرت بموجبها أول حكومة أفغانية تلي نظام طالبان- لم يجف بعد، حين سمحت المنظمة للمليشيات العسكرية الأفغانية، بأن تعود وتزدهر من جديد في ظل أفغانستان ما بعد طالبان. وقد ظلت هذه المليشيات المسلحة داخل العاصمة كابول، في تحد صريح لكل الاتفاقات التي جرى التوقيع عليها في بون. يذكر أن الاتفاقات المشار إليها طالبت بإخلاء العاصمة كابول من مثل هذه المليشيات. وضمن ذلك، قدمت الأممالمتحدة سلسلة متصلة من التنازلات تجاه صيانة الأمن الأفغاني، خطوة بخطوة حتى يتسنى لها الإيفاء بالجدول الزمني المحدد للقيام بالمهام التالية: عقد اجتماعين للويا جيرغا، وصياغة الدستور، ثم إجراء الانتخابات العامة. \r\n \r\n غير أن أفغانستان اليوم، عادت دولة تكابد النزاعات والمصاعب في عدة جبهات ، وتحرك الحياة الاقتصادية فيها المخدرات، وتزعزع كيانها المليشيات المسلحة، التي حظي بعض لوردات الحرب فيها وقادتها المعروفين، بمقاعد وزارية لهم في مرحلة ما بعد طالبان. ولكل هذه الأسباب، فإن أي نجاح تنسبه الأممالمتحدة لنفسها في الجانب الأمني هناك، لا يمكن له أن يدون على الورق فحسب، وليس على أرض الواقع بأي حال من الأحوال. \r\n \r\n ثانيا في مجال التنمية: وهنا أيضا لا سبيل لتمرير الأممالمتحدة في هذا الاختبار الصعب. فربما كانت توقعات وتطلعات الأفغان نحو مستقبل اقتصادي لبلادهم في أعقاب سقوط نظام طالبان، كبيرة وعالية، على نحو غير واقعي. أما اليوم، وإثر مضي ما يقارب الثلاثة أعوام على سقوط النظام السابق، فقد سادت خيبة أمل كبيرة جدا بينهم. فهم لم يروا سوى مؤشرات هزيلة وضئيلة على حركة تنمية وعمران تنتظم الريف، قياسا إلى توقعاتهم وتطلعاتهم الكبيرة التي أشرنا إليها. والحال هكذا، فإنه من الطبيعي أن تظل معدلات البطالة عالية بينهم، في وقت لا تزال فيه البنية التحتية الإنتاجية ضعيفة للغاية. وبالنتيجة فإنهم لم يشعروا بأي تغيير يذكر، طرأ على مستوى حياتهم ومعيشتهم، أثناء حكم طالبان وبعدها. مقابل هذا الفقر المدقع والحرمان الذي يعيشونه، فإنهم يرون عمال الإغاثة الدوليين، وهم يتنقلون داخل أفواج من السيارات الجديدة الفارهة ذات الدفع الرباعي، ويسكنون في فيلات فاخرة إما جديدة، أو أعيد ترميمها وتأثيثها كليا. \r\n \r\n ثالثا الحكم الذاتي: وهنا أيضا خيبة أمل أخرى ليست أفضل حالا من سابقتيها. فقد تقرر تأجيل إجراء الانتخابات العامة حتى شهر سبتمبر المقبل. ليس ذلك فحسب، بل إنه لم يتم تسجيل معظم الناخبين الأفغان بعد. فوق ذلك كله، فإنه لم يتضح حتى الآن، ما إذا كانت الانتخابات المقبلة ستجرى لانتخاب الرئيس فحسب، أم أنها ستشمل انتخاب المجالس والهيئات التشريعية أيضا. إلى ذلك كله، فقد ووجهت أية انتقادات للمجاهدين السابقين، بالتهديدات بالقتل، والمطالبة بتقديم الاعتذار عنها، سيما وأن بعض قادة هؤلاء قد تقلدوا المناصب الحكومية والوزارية. \r\n \r\n رابعا التوفيق العرقي والديني: وماذا فعلت الأممالمتحدة هنا كذلك سوى الخيبة والفشل؟ فهي لم تفعل شيئا واحدا من شأنه الحد من ممارسات التمييز العرقي، والاستعلاء اللغوي والثقافي على الآخرين. بل الواقع أن تقاعس الأممالمتحدة عن أداء دورها في هذا الجانب، شجع الآخرين أكثر من ذي قبل، على اضطهاد قبائل البشتون التي كانت بمثابة العمود الفقري لنظام طالبان. الأسوأ من ذلك أن هذا ا لتقاعس أعطى البشتون شعورا بأنه لا فرصة لهم لاتخاذ موطئ قدم لهم في الحياة السياسية الأفغانية الجديدة. وكان الأحرى أن يتم التصدي لمثل هذا التمييز العرقي والثقافي منذ البداية، بدلا من إعطاء عرقية ما، دورا ونفوذا أكبر على غيرها، بحجة أنها العرقية المضطهدة سابقا في ظل نظام طالبان! ولما كان ذلك هو النهج الذي طالما سلكته الأممالمتحدة كثيرا، فإنه لن يفعل شيئا أكثر من فتح البلاد أمام المزيد من النزاعات والحروب حول السلطة والسيطرة على مواقع النفوذ السياسي. \r\n \r\n نختتم هذا الجرد لأداء الأممالمتحدة في أفغانستان بالاستشهاد بتقرير المنظمة نفسها: إن كل ما نتمناه، هو أن يكون أداؤنا أفضل من هذا في العراق. فهل فعلت المنظمة؟ \r\n \r\n كاثي كانون \r\n \r\n زميلة لدى مجلس العلاقات الخارجية ورئيسة مكتب \"الأسوشيتد برس\" في باكستانوأفغانستان \r\n \r\n \r\n ينشر بترتيب خاص مع خدمة \" لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست\" \r\n