وهذه المدينة الشيعية المقدسة التي وصفها احد الضباط الأميركيين بانها الصنو للفاتيكان. تنتشر على اطراف ضواحيها قوة أميركية من الفرقة المدرعة الأولى قوامها 2500 جندي. وما زالت النجف تخضع لسيطرة قوات جيش المهدي التابع للصدر رغم ان غالبية سكانها يدينون بالولاء للزعيم الشيعي الديني المعتدل آية الله علي السيستاني الذي يرتبط بروابط وثيقة مع إيران. ولدى اقترابهم من مدينة الكوفة تم اعتراض صحفي ومترجم وسائق يعملون لصالح «الديلي تلغراف» عند احدى نقاط التفتيش وأمروا بالخروج من سيارتهم واقتيدوا إلى مكتب محلي تابع لقوات الصدر داخل شاحنة محملة بالقذائف الصاروخية. وعندها قال احد المسؤولين في الميليشيا عبر جهاز اتصال: «القينا القبض على احدهم ويقول عن نفسه انه بريطاني الجنسية».. وبعد التأكد لاحقا من جنسيتي اثر التدقيق في جواز سفري قال للمترجم «انه محظوظ. فلو كان أميركيا لقتلته على الفور». وبعد تعرضهم للتحقيق طيلة ساعتين تم اطلاق سراح فريق الصحيفة البريطانية وتوجهوا إلى مدينة النجف بمرافقة عسكرية من قوات جيش المهدي. ولم يواجه الفريق الصحفي أية نقطة تفتيش على طول الطريق بامتداد مائة ميل من بغداد جنوبا ولكن وعند احدى ضواحي مدينة بغداد انفجرت قنبلة جانبية على بعد مائة ياردة من مركبة عسكرية أميركية كانت تمر على الطريق. وعندها خرج احد الجنود الأميركيين من احدى عربات الهمفي وهو يتلفظ بالفاظ بذيئة ضد رجال المقاومة الذين فجروا القنبلة. وسألنا: هل شاهدتم احدا يفر من هنا؟ وتوقع احد كبار المحققين في جيش المهدي والملقب أبو أمير ان تمتد الانتفاضة من النجف لتشمل بغداد والمقاتلين الاشداء في الفلوجة شمالا ضد قوات التحالف. وقال: «ان العراق يرزح تحت نير الاحتلال وعلى جميع سكانه من شيعة وسنة واكراد ان يعملوا يدا بيد لمحاربة الأميركيين وتحقيق النصر عليهم. واذا ما دخل الأميركيون النجف فستكون هناك شلالات دماء في شوارعها لم تشهدها من قبل. وان مقتدى الصدر يطالب بالافراج عن كافة أسرى جيش المهدي وسحب كافة القوات الأميركية من المنطقة. وتقديم صدام حسين للمحاكمة واعادة تسليم السلطة إلى العراقيين». ورغم استمرار المواجهة. الا ان هنالك ادلة على امكانية التوصل إلى تسوية. ولعل المطلب الأول يبدو مفرطا في التفاؤل. وحتى ان الصدر ألمح إلى امكانية حل جيش المهدي كميليشيا مسلحة جيدة التسليح. ولكنها مجموعات جاء معظمهم من مدينة الصدر الشيعية. وهي احدى ضواحي بغداد التي اطلق عليها هذا الاسم بعد مقتل والد الصدر على يد نظام صدام حسين قبل خمس سنوات. وكانت اصوات اطلاق النار تسمع في ضواحي مدينة الكوفة اثر اشتباكات بين قوات التحالف وجيش المهدي. وكان من بين قوات التحالف قوات اسبانية والتي ابلغت بانها ستعود إلى موطنها قريبا. ومع حلول الظلام أسر مقاتلو جيش المهدي عربة همفي أميركية. وتقع مكاتب آية الله السيستاني على بعد أقل من مائة متر من مكاتب مقتدى الصدر في النجف. ويبدو أن السيستاني الذي رفض الاجتماع بمنافسه على زعامة الشيعة يعمل من خلف الكواليس لتجنب حمام دم وابقاء القوات الأميركية خارج مدينة النجف. وقد علق صاحب متجر لبيع الساعات على أصوات هتافات المتحمسين حامي الرؤوس الذين كانوا يهتفون في الخارج. قائلا: «نريد ما هو ابعد من رفع الشعارات. وقد استغل الصدر الموقف. ولكن السيستاني بعث إليه برجال دين يطلبون منه التهدئة». وينظر انصار الصدر الذين يعود شعورهم بالغضب والسخط إلى ما عاناه الشيعة من قمع في عهد صدام إلى جورج بوش كطاغية ظالم مثله مثل صدام حسين. وقال أبو أمير: «ان صدام حسين احد تلامذة اسياده الأميركيين. ونشكر الله وليس الأميركيين على سقوط نظام صدام حسين الذي مهد الطريق أمام الأميركيين لاحتلال العراق».