اليوم هو أول أيام فتح الدعاية الرسمية لمرشحي الرئاسة التي انحصرت بين عبد الفتاح السيسي وحمدين صباحي ، وقد ذهب صباحي لمؤتمر جماهيري في أسيوط بينما اكتفى السيسي باستقبال بعض الإعلاميين في مقر حملته ، لأنه ما زال خائفا أن يشارك في مؤتمرات جماهيرية يقابل فيها الناس في العاصمة والمحافظات الأخرى كأي مرشح انتخابي ، ثم يقول لك أن الوضع الأمني في أفضل حالاته !! ، كان ملاحظا أن غالب من حضر لقاء السيسي من الإعلاميين هي ذات الوجوه التي خدمت في بلاط جمال مبارك وأبوه ، والحقيقة أن الحدث الانتخابي يحتاج من القوى السياسية المصرية ، النظر إليه بصورة أبعد من شخصنة الموقف ، فهذه الانتخابات ليست أبدا بين شخصية حمدين صباحي وشخصية عبد الفتاح السيسي ، وإنما هي مواجهة بين معسكرين ، أيا كان حجم وثقل كل معسكر ، أحدهما يمثل المؤسسة العسكرية والدولة القديمة والنظام القديم بكل تفاصيله ومكوناته الأمنية والسياسية والاقتصادية والثقافية والإعلامية ، والثاني يمثل جهدا وطموحا جديدا للقوى المدنية ، وخاصة القوى التي تنتمي إلى ثورة 25 يناير ، بكل أشواقها إلى الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والقضائية وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة المهترئة أو المترسخ فيها الولاء للنظام القديم ، وحمدين صباحي ، تختلف أو تتفق معه إلا أنه أحد أبرز القوى التي شاركت في ثورة يناير وناضلت من أجلها ، وحقق في الانتخابات الرئاسية السابقة قرابة خمسة ملايين صوت ، بما يعني أنه يمتلك أرضية معقولة ، وأذكر أن أوساطا كثيرة من العمال والفلاحين والبسطاء كانوا يميلون لصباحي نفسيا وسياسيا وقتها ، وصباحي كأي سياسي آخر أصاب أحيانا وأخطأ أحيانا ، ويمكن أن تتحفظ على بعض أدائه أو حتى بعض تاريخه السياسي ، ولكن أي مرشح آخر ، أيا كان رافده ستجد فيه شيئا مما تكره ، وبالتالي فمحاولة البعض استحضار ما يشينه أو يسيء إليه في أتون هذه المنازلة هو عمل غير أخلاقي ، ويمثل تلاقيا ودعما للنظام القديم الذي لن يتوانى عن تشويه صباحي في المرحلة المقبلة خاصة إذا شعر أنه بدأ يمثل تهديدا جديا لمرشح النظام القديم ، وقد لاحظت أن الجيل القديم من الناصريين "باع" حمدين وانحاز إلى مرشح النظام القديم ، بينما شباب الناصريين الأكثر التحاما مع ثورة يناير انحازوا لحمدين ، ومع الأسف سمعت بنفسي من بعض "عجائز" الناصرية الموالين للسيسي سبا مقذعا لحمدين ينم عن مرارة وربما أحقاد . عندما ترشح الدكتور محمد مرسي في الانتخابات السابقة حصل على حوالي خمسة ملايين ونصف المليون صوت انتخابي في الجولة الأولى ، بطبيعة الحال هي عصارة أصوات جماعة الإخوان التي من المفترض أنها تحمست لمرشحها واعتصرت جهدها بالكامل ، ولكنه في الجولة الثانية الحاسمة تجاوز الثلاثة عشر مليون صوت ، بما يعني أن هناك قرابة ثمانية ملايين صوت من غير جماعته منحته دعمها ، وبديهيا أن هؤلاء لم يكونوا من المتحمسين له أساسا وربما لهم تحفظات عليه ، وإلا لأعطوه من البداية ، ولكنهم في جولة الحسم الثانية رأوا أنهم أمام خيارين اضطراريين ، إما مرشح النظام القديم وإما مرشح يحمل أملا جديدا لثورة يناير وتحقيق أحلام أبنائها ، فهذه الملايين الثمانية من كل التيارات تحركت بنبل شديد ، لم يعنيها شخص مرسي ولا انتماؤه وإنما كان يعنيها أن لا تنتصر الثورة المضادة التي يمثلها شفيق ، ونجح مرسي بأصوات هؤلاء الذين وصفوا بعد ذلك بعاصري الليمون ، وأعتقد أن الموقف بصورة أو أخرى يتكرر الآن ، لأن كل مؤمن بثورة يناير وأشواقها لا يخالجه أدنى شك الآن في أن السيسي لا يمثلها بقدر ما يمثل النظام القديم واستعادة هيمنته على الدولة التي اهتزت بعد ثورة يناير ، والذي لا يعطي صوته لحمدين سيعطيه حتما للسيسي ، حتى في حالة المقاطعة فإنها دعم سياسي صريح للسيسي ، مهما حسنت النوايا ، لأن المعسكر الآخر ، معسكر الثورة المضادة ، سيحشد بكل ما أوتي من قوة وراء السيسي ، وبالتالي فعندما تنسحب بصوتك فأنت تخلي له الساحة ، وتساعده على سحق منافسه ، والحقيقة أن النتيجة لن يقصد بها أبدا سحق شخص حمدين ، وإنما يقصد بها سحق ثورة يناير ومن يمثلونها ، ومن يتابع إعلام الثورة المضادة الآن يدرك ذلك بسهولة . الشكوك حول نزاهة العملية لا تبرر الانسحاب منها ابتداءا ، فهذه عدمية سياسية ، والاحتجاج على فكرة المشاركة بشكل مبدئي كان صحيحا لآخر لحظة إذا لم يشارك مرشح بحجم صباحي ، أما وقد شارك فلا خيار من خوض المنازلة ، لأنها ستمضي سواء شاركت أم امتنعت ، وبالحساب السياسي فإن صباحي وقوى الثورة أمامهم ثلاث فرص ، بينما السيسي ليس أمامه سوى فرصة واحدة ، فصباحي أمامه فرصة الفوز بالفعل ولو بهامش صغير أو إرغام خصومه على التزوير الفاضح والفج إذا أدركوا أن الأمور أفلتت ، وهذا الاحتمال قائم جدا في تقديري مع احترامي لمن يضخمون من أمر شعبية السيسي ، خاصة إذا أحسن صباحي إدارة حملته واستفاد من أخطاء السيسي وداعميه وهي كثيرة ، وحتى إذا اعتبرنا الفوز احتمالا ضعيفا ، فهناك الفرصة الثانية وهي أن يحقق صباحي أداءا عاليا يثمر عن نتيجة ضعيفة لفوز السيسي تحجم من اندفاعة قوى الثورة المضادة وتجعله بالحساب الانتخابي لا يختلف عن حالة فوز الدكتور مرسي ، والفرصة الثالثة هي محاصرة السيسي ومعسكره بما يضطرهم إلى الاندفاع في عمليات تزوير صريحة تفرغ الانتخابات من مضمونها وتفقدها الشرعية تماما دوليا ومحليا ، بينما السيسي ليس أمامه سوى فرصة واحدة لتحقيق شرعية ، وهي تحقيق النجاح الحاسم وبفارق كبير . الانتخابات الرئاسية الجديدة لا تعني طي صفحة الماضي أبدا ، سواء فاز السيسي أو فاز صباحي ، فهناك دم كثير وظلم سياسي فادح وانقسام وطني واسع ومجتمع تمزق حتى النخاع ومئات الآلاف من ضحايا العنف والقمع داخل السجون وخارجها ، ويستحيل على أي قيادة جديدة ، أيا كانت أن تمضي بالدولة أو تقودها أو تنقذها من الغرق بدون تسوية عادلة مع أصحاب تلك الحقوق ، ومصالحة شاملة تعيد السكينة الهدوء للوطن وتفرغ الاحتقانات ، وكل جعجعة بعيدا عن ذلك لا قيمة لها ، وأصحاب القرار يعرفون ذلك جيدا ، كما أنه لا يصح سياسيا أن تعطي ظهرك لأي حراك سياسي أو استحقاق سياسي انتظارا لاستحقاق واحد لا يتبدل ولا يتطور ، السياسة لا تعرف ذلك ، ولا تدار بمنطق العدمية السياسية أو المعادلات الصفرية ، كل شيء أو لا شيء ، بل تستفيد من كل فرصة وتوظف كل موقف تكتيكيا بما يساعد الوطن على تحقيق أقصى قدر من أشواقه للحرية والكرامة والعدالة ولو تدريجيا ، وحتى لو كنت بالأساس تتمنى أن لا يكون هذا الموقف قد حدث أو فرض عليك ، كما أن الإسهام في طريق نضالي لا يعني تخليك عن أي طريق آخر ، فقد تكون الجهود متكاملة وليست متناقضة أو ليس بالضرورة أن يكون بعضها بديلا عن بضع . العواطف المجردة لا تخدم رؤى سياسية ناضجة ، والاستغراق في الأحزان والإحباطات لا يساعدك على انتزاع ما تراه حقا لك ضاع ، والعصبية الشديدة في التعامل مع المواقف السياسية المعقدة أو المركبة تقربك من الهزيمة بقدر ما تبعدك عن النصر ، واستغراقك في نضال سياسي داخل إطار يعزلك عن باقي قوى الوطن يساعد خصمك ولا يساعدك . رابط المقال: لهذه الأسباب يستحق حمدين صباحي المؤازرة