أكد المدافعون عن جهود التوصل إلى تسوية تفاوضية مع إيران بشأن أنشطتها النووية غير المشروعة على الفوائد التي قد يحققها اتفاق يمنع سلمياً، وبشكل يمكن التحقق منه، طهران من تطوير أسلحة نووية. وفي المقابل حذر المتشككون من مخاطر إبرام «صفقة سيئة» لا يتم فيها كبح قدرات إيران بشكل كافٍ. ولكن غاب عن الجدل إلى حد كبير التفكير الأوسع نطاقاً بشأن التداعيات الاستراتيجية التي قد يتمخض عنها اتفاق نووي فيما يتعلق بالوجود الأميركي في الشرق الأوسط. ومثل هذا التقييم يتعين أن يأخذ في الاعتبار عواقب إزالة معظم العقوبات عن إيران ومنعها من استئناف التجارة الطبيعية مع الاقتصادات الرئيسية في العالم. وهذا المنظور يقدم لنا أكبر حجة لإقناع الحكومة الإيرانية بأن تتخلى عن العناصر الرئيسية في برنامجها النووي. ولكن إزالة العقوبات قد تؤدي أيضاً إلى تعزيز مكانة دولة رائدة في رعاية الإرهاب. فقد استطاعت إيران، في واقع الحال، حتى في ظل عقوبات أصابت المجتمع بالشلل أن تقدم دعماً قوياً للمتطرفين بالوكالة كجزء من قائمة أولوياتها الاستراتيجية الأوسع نطاقاً في الشرق الأوسط وما يتجاوزه، وهي أنشطة تتعارض مع مصالح الولاياتالمتحدة ومصالح أقرب حلفائها. ومن الممكن أن يمهد اتفاق نووي الطريق لانفراجة في علاقات إيران مع الولاياتالمتحدة وجيرانها. ولكن الأكثر ترجيحاً هو أن إزالة العقوبات ستعزز قدرة طهران على ممارسة نفوذ ضار في المناطق القريبة منها بما في ذلك سوريا ولبنان والعراق وشبه الجزيرة العربية والأراضي الفلسطينية. وبدلاً من أن يمثل اتفاق نووي ناجح نهاية لصراعنا المزمن مع إيران فقد يتمخض عن نتيجة أخرى هي أن تجد الولاياتالمتحدة وشركاؤها في الشرق الأوسط أنفسهم في مواجهة خصم أفضل موارد وأشد خطورة في جوانب معينة. وهذا لا يعني أنه يجب علينا أن ننبذ الدبلوماسية مع طهران. فمنع إيران من الحصول على أسلحة نووية ينبغي أن يكون هو أولى أولوياتنا، وأن اتفاقاً دبلوماسياً يغلق الباب بالفعل أمام هذا الخطر يستحق بعض المخاطرة. وعلاوة على هذا فإن البديل للدبلوماسية الناجحة وهو العمل العسكري يحمل تكلفته أيضاً ويعرض الاستقرار الإقليمي والاقتصاد العالمي للخطر. واحتمالات أن ينهي العمل العسكري الخطر النووي بشكل حاسم أقل من احتمالات قدرة اتفاق تفاوضي جيد على فعل ذلك. ولكن علينا أن ندرك أيضاً أن هناك تنازلات حقيقية يتطلبها حتى أفضل اتفاق نووي ممكن، وأن علينا أن نبدأ بوضع الأساس لتقليص هذه التنازلات. ولتحقيق هذه الغاية يتعين بحث خمسة أمور. أولاً: لابد من التوضيح أنه لن يتم التوصل إلى مصالحة حقيقية بين إيرانوالولاياتالمتحدة، وبصرف النظر عن نتيجة المحادثات النووية، دون تغيير شامل في سلوك إيران الذي يزعزع استقرار المنطقة. والتمسك بمثل هذه الرسالة التي تُعلن دوماً دون لبس سيساعد في محو التصور الهدام وغير الدقيق الذي يفهم منه أن واشنطن حريصة على أن تنفض يدها من الشرق الأوسط، وأنها ستقبل الهيمنة الإيرانية هناك. ثانياً: يجب علينا أن نكثف الحوار مع حلفائنا العرب والإقليميين للتوصل إلى فهم مشترك بشأن كيفية التصدي لإيران قوية اقتصادياً عشية إبرام اتفاق نووي. فتخفيف العقوبات سيعزز قدرة إيران على تدريب وتمويل وتزويد الإرهابيين بالوكالة بالعتاد، ولذا يتعين علينا وعلى شركائنا في المنطقة أن نبدأ بالاستعداد لتكثيف جهودنا للتعرف على هذه الشبكات وتعطيلها وتفكيكها. ثالثاً: تحتاج الولاياتالمتحدة أن تفحص جيداً موقفها في سوريا، التي يعتقد أنها الجبهة المحورية في صراع أوسع للهيمنة في الشرق الأوسط. وهناك تقارير مشجعة في الآونة الأخيرة تفيد بأن إدارة أوباما تفكر في صيغ مختلفة من تعزيز الدعم للمعارضة السورية بما في ذلك تقديم عدد محدود من أنظمة الأسلحة المهمة استراتيجياً. وإذا صحت هذه التقارير فإنها تعكس إدراكاً لأن قلب ميزان القوى الذي يستفيد منه نظام الأسد حالياً في ساحة القتال، وهو ما حققه بفضل المساعدة الإيرانية إلى حد كبير، يتطلب جهوداً أكثر نشاطاً وتركيزاً وتمويلاً أفضل. رابعاً: بدلاً من تخفيف حضور واشنطن في الشرق الأوسط والتركيز في مكان آخر فمن المرجح أن يرغمنا التوصل إلى اتفاق نووي مع طهران على تعزيز حضورنا العسكري والدبلوماسي والاستخباراتي في المنطقة من أجل مساعدة الشركاء هناك في تحقيق توازن أمام القوة الإيرانية المتزايدة. ويتعين اتباع حزمة من الخطوات لتحقيق هذه الغاية مثل الموافقة على تقديم قدرات عسكرية إضافية يسعى إليها الشركاء العرب والإقليميون، وتجديد مبادرة دمج الدفاعات الجوية لدول مجلس التعاون الخليجي، والقيام بتدريبات بحرية وجوية لاستعراض القدرات الأميركية والإقليمية والحفاظ على البنية التحتية القائمة بل وتعزيزها. خامساً: يتعين علينا البدء في التخطيط لما سيبدو عليه نظام العقوبات الجديد عشية إبرام اتفاق. فعلى رغم أنه لا يمكن تفادي زيادة تدفق الأموال على طهران مع رفع العقوبات المرتبطة بالأسلحة النووية، إلا أنه ينبغي أن تبقى العقوبات المتعلقة بالإرهاب كما هي، ويتعين التفكير في عقوبات جديدة لحرمان الشركات والبنوك الإيرانية والأفراد الذين لهم صلة بالأنشطة الإقليمية التي تزعزع الاستقرار من حصد المكاسب. ويتعين أن يجري التخطيط لمثل هذه العقوبات قبل التوصل إلى اتفاق نووي. ويتعين أن تكون هناك أيضاً خطة واضحة لإعادة فرض العقوبات التي تصيب بالشلل في حال تطبيق إيراني غير ملائم للاتفاق. ديفيد بترايوس المدير السابق لوكالة «سي. آي. أيه» وقائد القيادة الوسطى الأميركية فانس سيرتشوك باحث مساعد في مركز الأمن الأميركي الجديد نوع المقال: سياسة دولية الولاياتالمتحدة الامريكية