عندما ذهب الأفغان إلى صناديق الاقتراع الأسبوع الماضي لانتخاب رئيس جديد، نشر المتحمسون على وسائل الإعلام الاجتماعي صوراً مذهلة للناخبات الأفغانيات. وكانت الطوابير الطويلة المتعرجة للأفغانيات اللائي يقين أنفسن برد الشتاء القارص بقطع من البلاستيك، أبلغ رد رافض للكراهية والعنف التي تبديها حركة "طالبان" ضد النساء. والصورة المفضلة لدي، نشرها صحفي أفغاني يدعى "شافي شريفي"، تظهر أفغانية عجوز على كرسي متحرك ترتدي ملابس سوداء، وترفع أصبعها المصبوغ بالحبر الانتخابي، بينما تقول: «أدليت بصوتي لأن النساء لا يمكن أن يتوقعن تحسن الأحوال ما لم يصوتن». وبالطبع لا تكمن أهمية الانتخابات الأفغانية في حقوق الأفغانيات فحسب، وإنما في مستقبل الدولة بأسرها، وتظهر أيضاً السبب في أن الولاياتالمتحدة يجب أن تحافظ على علاقات أمنية واقتصادية قوية مع كابول. وأدرك أننا شاهدنا هذه الأصابع القرمزية من قبل في العراق، حيث كان من المفترض أن تمهد انتخابات عام 2005 الطريق أمام الديمقراطية، لكنها لم تفض إلا إلى مزيد من العنف الطائفي. وأعلم أيضاً أن هذه الانتخابات لم تنته بعد، لا سيما أن النتائج التمهيدية لن تُعرف حتى نهاية الشهر الجاري، وأنه ما لم يحصل أحد المرشحين الثمانية على أكثر من خمسين في المئة من الأصوات، فستكون هناك جولة أخرى من الانتخابات. وعلاوة على ذلك، لا تزال حركة "طالبان" تمثل تهديداً، خصوصاً في ضوء توفير باكستان المجاورة ملاذاً آمناً لها. ولكن هذه الانتخابات برهنت على أن أفغانستان ليست حالة ميؤوس منها مثلما يعتقد كثير من الأميركيين. وبداية وقبل كل شيء، يظهر التصويت أن غالبية الأفغان يريدون التغيير عن طريق صناديق الاقتراع، وليس عن طريق صناديق الرصاص، ما يعني أنهم يريدون حكومة وأوضاعاً أمنية أفضل وفساداً أقل. وهذه هي الانتخابات الثالثة في أفغانستان، وعلى رغم أن تلك التي أجريت في عام 2009، شابها بعض التزوير، إلا أن المراقبين يؤكدون أن مستوى التزوير في الانتخابات الأخيرة كان ضئيلاً، كما تضاعفت مشاركة الناخبين مقارنة بعام 2009، لتشمل 60 في المئة ممن يحق لهم الانتخاب. وفي هذه الأثناء، صوت كثيرون بدرجة جعلت أوراق الاقتراع تنفد في عدد من مراكز التصويت، وقد كان من الممكن أن تكون أعداد الناخبين أعلى لو لم يكن هناك تخويف من قبل حركة "طالبان" في بعض المناطق الريفية. وتقول الخبيرة في الشؤون الأفغانية لدى «مؤسسة كارنيغي» سارة تشايز، والتي عاشت لسنوات في قندهار وعملت مستشارة لدى كبار القادة الأميركيين: «هناك رغبة عارمة من أجل التغيير، وهو ما يتضح بشكل كبير في المشاركة الحقيقية من قبل الناخبين». وكانت هذه الانتخابات بمثابة رفض قوي لحركة "طالبان"، ورد على العنف، حسبما أفادت ناشطة حقوق الإنسان الأفغانية سيما سامار، التي أكدت أن الناخبين تجاهلوا مطالب "طالبان" بالبقاء في المنزل. ومثلما سمعت مراراً وتكراراً في رحلاتي إلى أفغانستان، حتى من كبار السن في القرى التي تتقاسم مع "طالبان" الخلفية العرقية نفسها، والتي تعود إلى قبائل «البشتون»، إن الأفغان لا يريدون العودة إلى حكم "طالبان" القاسي، كما أنهم لا يتفقون مع حظر المسلحين تعليم الفتيات. نوع المقال: سياسة دولية