ما جرى إلى الآن يكشف عن أن الاستبداد المركزي الذي كان يمارس مثلاً من بغداد أو دمشق تحول إلى استبداد لا مركزي يمارس من كل منطقة وكل طائفة وكل حزب وجماعة. وتبين أن الطغيان الفردي للقذافي تحول إلى طغيان مجتمعي متبادل بين القبائل الليبية. والحال لا يختلف كثيراً في بلد مثل اليمن. وليس في ذلك ترحم على الطغاة الذين سقطوا وإنما فقط تذكرة بأن الصحوة لا تقف عند هدم الخطأ وإنما يؤكد نجاحها عدم الوقوع في ما هو أسوأ منه. وهي مشكلة انتبه إليها عبد الرحمن الكواكبي في كتابه الخالد «طبائع الاستبداد» محذراً من خداع الذات بالمصطلحات بينما نبقى ندور في متاهات. يقول الكواكبي أن «الاستبداد الشرقي يزول ويخلفه استبداد شر منه». وكأنه ينبه إلى أن ما نراه ربيعا وصحوة ليس إلا ضحكا على الذات. والسبب في تقديره يرجع إلى «دأب الشرقيين ألا يتفكروا في مستقبل قريب». أي لا يضعون تصوراً كاملاً للانتقال ولهذا نراهم إلى اليوم وهم يفرحون ويتفاءلون ويتكلمون عن الربيع وعن الصحوات دون أن يقدروا حجم الزوابع والصدمات. ولهذا فإن الثورات التي هبت ضد المستبدين والاحتجاجات الاجتماعية التي تكررت ضد الظالمين ستبقى برغم جرأتها وما فتحته من أبواب للتغيير بلا قيمة جوهرية ما لم تندلع الثورة العربية المنتظرة منذ قرون: الثورة الثقافية الشاملة على العقل العربي لكي يحال دون استبدال استبداد باستبداد أو نفاق بنفاق أو سقوط بسقوط. وما عدا هذا فضحك على الذات. لقراءة هذا المقال كاملا اضعط هنا