نقابة المحامين تقرر عرض الميزانيات على الأعضاء قبل انتخابات الفرعيات    د هاني أبو العلا يكتب: .. وهل المرجو من البعثات العلمية هو تعلم التوقيع بالانجليزية    نجيب ساويرس يحدد أهم 3 قطاعات قادرة على سداد ديون مصر (فيديو)    وزيرا خارجية السعودية وباكستان يبحثان علاقات التعاون    الرئيس الصومالي: إقليم أرض الصومال يوافق على توطين الفلسطينيين وإنشاء قاعدة إسرائيلية    رسميا.. تحديد أول مواجهتين فى دور ال16 بكأس أمم أفريقيا    تشكيل تشيلسي لمواجهة بورنموث في البريميرليج    التشكيل – رايس يغيب عن أرسنال.. وواتكينز يقود هجوم أستون فيلا    آرسنال بالقوة الضاربة أمام أستون فيلا في البريميرليج    السجن 3 سنوات لعامل بعد شروعه في قتل شخص بسوهاج    حجز الأب وصديقه المتهمين في واقعة اختطاف صغير كفر الشيخ    للمرة الثانية.. أحمد العوضي يثير الجدل بهذا المنشور    الحسن عادل يطرح كليب "كل سنة" بمشاركة طفلة من متلازمة داون    رئيس الوزراء يستعرض مستجدات إعادة إحياء نزلة السمان كمقصد سياحي عالمي متكامل    حلويات منزلية بسيطة بدون مجهود تناسب احتفالات رأس السنة    الحالة «ج» للتأمين توفيق: تواجد ميدانى للقيادات ومتابعة تنفيذ الخطط الأمنية    ملامح الثورة الصحية فى 2026    وزارة «العمل» تصدر قواعد وإجراءات تفتيش أماكن العمل ليلًا    استقرار سعر الريال السعودي في ختام تعاملات اليوم 30 ديسمبر 2025    زيلينسكي: اجتماع أمني حاسم في كييف لتحالف الداعمين مطلع يناير    هل تبطل الصلاة بسبب خطأ فى تشكيل القرآن؟ الشيخ عويضة عثمان يجيب    هل يجب خلع الساعة والخاتم أثناء الوضوء؟.. أمين الفتوى يجيب    غزة.. إصابة نازحين جراء انهيار جدار متصدع من قصف إسرائيلي سابق    القاهرة الإخبارية تكشف أسباب فرض حظر التجوال في اللاذقية بسوريا    الخزانة الأمريكية ترفع العقوبات عن ألكسندرا بوريكو المرتبطة بروسيا    وزير الثقافة يتابع تنفيذ توصيات لجنة الدراما بشأن أعمال موسم رمضان 2026    طلاب جامعة العاصمة يشاركون في قمة المرأة المصرية لتعزيز STEM والابتكار وريادة الأعمال    خالد الجندى: القبر محطة من محطات ما بعد الحياة الدنيا    خالد الجندي: القبر مرحلة في الطريق لا نهاية الرحلة    نهاية تاجر السموم بقليوب.. المؤبد وغرامة وحيازة سلاح أبيض    المقاولون العرب يحرز الهدف الثالث أمام الأهلي    21 يناير.. افتتاح الدورة ال16 لمهرجان المسرح العربي    كشف ملابسات مشاجرة بالجيزة وضبط طرفيها    حبس رمضان صبحي سنة مع الشغل    السيطرة على انفجار خط المياه بطريق النصر بمدينة الشهداء فى المنوفية    رئيس جامعة قناة السويس يهنئ السيسي بالعام الميلادي الجديد    خبر في الجول - ناصر ماهر ضمن أولويات بيراميدز لتدعيم صفوفه في يناير    رئيس جامعة العريش يتابع سير امتحانات الفصل الدراسي الأول بمختلف الكليات    الأمانة العامة لمجلس النواب تبدأ في استقبال النواب الجدد اعتبارا من 4 يناير    ضبط قضايا اتجار غير مشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة قيمتها 7 ملايين جنيه    مواجهات قوية في قرعة دوري أبطال آسيا 2    مهرجان المنصورة الدولي لسينما الأطفال يكشف عن بوستر دورته الأولى    الصحة: تقديم 22.8 مليون خدمة طبية بالشرقية وإقامة وتطوير المنشآت بأكثر من ملياري جنيه خلال 2025    الزراعة: تحصين 1.35 مليون طائر خلال نوفمبر.. ورفع جاهزية القطعان مع بداية الشتاء    إصابة شخصين فى حادث تصادم سيارتين بقنا    وزارة العدل تقرر نقل مقرات 7 لجان لتوفيق المنازعات في 6 محافظات    إجراءات ضد أصحاب 19 مخبزافى السنطة بالغربية    معهد الأورام يستقبل وفدا من هيئة الهلال الأحمر الإماراتي لدعم المرضى    محافظ المنوفية يضع حجر الأساس لإنشاء دار المناسبات الجديدة بحي شرق شبين الكوم    طاقم تحكيم مصري يدير مباراة السودان وبوركينا فاسو في كأس الأمم الإفريقية    تراجع معظم مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات الثلاثاء    بنك مصر يخفض أسعار الفائدة على عدد من شهاداته الادخارية    جهاز القاهرة الجديدة: كسر بخط مياه فى شارع التسعين وجارى إصلاحه    رئيس جامعة الجيزة الجديدة: تكلفة مستشفى الجامعة تقدر بنحو 414 مليون دولار    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الثلاثاء 30-12-2025 في محافظة الأقصر    اليوم.. طقس شديد البرودة ليلا وشبورة كثيفة نهارا والعظمي بالقاهرة 20 درجة    الشرطة الأسترالية: منفذا هجوم بوندي عملا بمفردهما    إصابة منصور هندى عضو نقابة المهن الموسيقية فى حادث تصادم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تل الزعتر اليرموك
نشر في التغيير يوم 25 - 02 - 2014

مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين فى دمشق يتعرض منذ أشهر للحصار والقصف البرى والجوى، بما أدى إلى موت عدد من سكان المخيم جوعا، ولجوئهم إلى أكل أوراق الشجر والصبار، وانتشار الأمراض المعوية والجلدية لنقص الماء، وموت الأطفال حديثى الولادة وأمهاتهم والمسنين والمرضى والجرحى لنقص الدواء، ويتعرض من يحاول أن يخرج من المخيم إلى القتل، وقد قصف المخيم عدة مرات. وإن كانت القوات السورية النظامية التى تحاصر المخيم سمحت بدخول بعض المساعدات إليه بعد ضغط وسائل الإعلام الأجنبية، فإنها عادت لحصاره تو ما توقف هذا الضغط أو أدارت وسائل الإعلام وجوهها بعيدا.
ومحاولات مؤيدى النظام السورى لنفى المسئولية عنه محزنة حقا، فمخيم اليرموك حى من أحياء دمشق، والمسئولية عنه قانونيا وأخلاقيا، محليا وإقليميا، تقع على عاتق الجيش الذى يسيطر على المدينة وهو الجيش النظامى. وإن زعم مؤيدو النظام أن لهم قضية أو حقا، فإن الباطل خير ألف مرة من حق مزعوم تُفعل هذه الأفاعيل باسمه.
إن للنظام السورى باعا طويلا فى مجال تجويع الفلسطينيين، ربما أكثر من أى نظام عربى آخر. إن ثلاثا من دول الطوق الأربع غمست يدها فى دم الفلسطينيين مرة واحدة: أيلول، وصبرا وشاتيلا، وحصار غزة، وإن دولة واحدة فقط من دول الطوق الأربع غمست يدها فى دم الفلسطينيين ثلاث مرات: تل الزعتر، وحرب المخيمات، واليوم اليرموك.
فى المرات الثلاث تتكرر المشاهد: النظام السورى يستخدم ميليشيات متحالفة معه ويأمرها بحصار المخيم، فى تل الزعتر سنة 1976 كانت الميليشياتُ مسيحية مارونية لبنانية، منها الكتائب والأحرار وحراس الأرز والمردة، وفى حرب المخيمات بين 1985 و1988 اعتمد النظام على ميليشيا حركة أمل الشيعية اللبنانية، والتى كانت فى ذلك الوقت فى حال صراع مسلح مع حزب الله على النفوذ فى بيروت والجنوب، فلم يشارك حزب الله فى حرب المخيمات، بل كانت حركة أمل تطلق النار على الفلسطينيين وعلى حزب الله معا، واليوم، يعتمد النظام السورى على جيشه مباشرة وعلى بعض الميليشيات الفلسطينية الموالية له، الجبهة الشعبية القيادة العامة، وحركة فتح الانتفاضة.
فى المرات الثلاث، يقطعون الماء والكهرباء عن المخيم، ثم يمنعون المؤن حتى تنفد، ويبدأ الناس فى الموت جوعا، وفى المرات الثلاث كان الجوع يؤدى بالناس لأكل أوراق الشجر بل وبطلب فتوى لأكل القطط والكلاب والميتة، وفى المرات الثلاث كانت النساء الذاهبات إلى الآبار ومضخات المياه العاملة على أطراف المخيم يُقتلنَ برصاص القناصة المحاصرين للمخيمات، وبعضهن، كما ورد فى شهادتى حسين عياد وميساء الخطيب من سكان مخيم تل الزعتر، كن يسقطن فى البئر حين يصيبهن رصاص القناصة، ويضطر الناس مع ذلك لاستخدام ماء البئر والشهيدات فيه عاجزين عن انتشالهن لتوالى القنص عنده. وفى المرات الثلاث كان يقال للإعلام أن الجوع فى المخيم كذب، وأن روايات شهود العيان وهم، وأن ضحايا الجوع هواة شهرة. وفى المرات الثلاث كانت القوات القائمة بالحصار تأكل وتشرب أمام عدسات وكالات الأنباء على أطراف المخيم، إمعانا فى إهانة الناس وإذلالهم، وقد قامت إحدى القنوات اللبنانية الموالية للنظام السورى بإذاعة تقرير عن اليرموك يظهر فيه الجنود القائمون بحصار المخيم وهم يأكلون مع المذيعة، وينفون أن يكون ثمة جوع فى الداخل، فى تكرار لمشاهد إراقة حليب الأطفال على الأرض فى حصارَى مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة فى الثمانينيات، سواء الحصار اللبنانى المدعوم من إسرائيل والذى استمر ثلاثة أشهر من يونيو إلى سبتمبر 1982، أو الحصار اللبنانى المدعوم من سوريا والذى استمر أربع سنوات بين 1985 و1988. وفى المرات الثلاث كان النظام السورى يزعم أنه يقتل الفلسطينيين لأنه أكثر راديكالية ومقاومة منهم، ولكنه لا يشتبك مع إسرائيل البتة حتى وإن قصفت عاصمته. وفى المرات الثلاث كانت إهانة الفلسطينيين فى الإعلام جزءا أساسيا من الحرب ضدهم، لا للإجهاز على معنويات سكان المخيمات والمدافعين عنها تحت الحصار فحسب بل لتكسير صورة فلسطين ومعناها، وتشويه الرموز الفلسطينية، سياسيا وثقافيا، ولإرباك رد فعل الجمهور السورى واللبنانى أو تأخيره فلا يحرك ساكنا اعتراضا على حصار المخيمات.
وقد صرح كريستوفر غانس الناطق باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فى الشرق الأدنى (الأونروا) يوم 9 يناير 2014 قائلا: «إن المعاناة الإنسانية فى المخيم وصلت حدها الأقصى»، وإن النساء يمتن عند الولادة بسبب منع دخول الأدوية والأدوات الطبية إلى المخيم.
وتنقل الجارديان البريطانية عن نفس الناطق باسم الوكالة، بعد شهر من شهادته الأولى، يوم 9 فبراير 2014 أن الدكتور إبراهيم محمد العامل مع الأونروا أنقذ ولدا رضيعا اسمه خالد عمره 14 شهرا كان يعانى من نقص حاد فى التغذية، لقد كان الولد يقتات تقريبا على الماء لمدة شهرين، وشهدت أمه وتدعى نور وعمرها 29 سنة أنهم كانوا يغلون بعض التوابل بالماء ويأكلونها، ثم حين نفدت صاروا يأكلون حشائش الأرض حتى نفدت تلك أيضا.
وفى رسالة موثقة من المرصد الأورومتوسطى لحقوق الإنسان، وهى منظمة مقرها جنيف تعمل بالتنسيق مع الأونروا لإدخال الغذاء إلى المخيم، ورد أن أما طفلة، اسمها هبة، عمرها 15 عاما، ومعها طفلها، وعمره خمسة شهور أخبرت موزعى الأمم المتحدة أنها لم تأكل منذ ثلاثة أيام ولم تستطع أن ترضع طفلها، وحين أعطى المسعفون الطفل ماء ليشرب انتفخ حتى خاف المسعفون عليه لأن شيئا لم يكن دخل بطنه منذ أيام واستُدعى أحد أطباء الصليب الأحمر الدولى الحاضرين لعلاجه.
إن مشاهد الجوع هذه، كان يلحقها فى المرات السابقة حالات قتل وتمثيل بالجثث لمن يحاولون الخروج من المخيم، ففى حالة تل الزعتر مثلا، بعد تجويع المخيم لأشهر، أعلنت ميليشيات الكتائب المدعومة من النظام السورى وقتها أنها ستسمح للفلسطينيين بالخروج لينقلهم الصليب الأحمر إلى مأمنهم، ولكن ما إن بدأ الفلسطينيون فى الخروج حتى قام مقاتلو الميليشيا ومقاتلاتُها بالتسلى على موت الفلسطينيين، تقول ميساء الخطيب وهى إحدى الناجيات من المذبحة، وقد نشرت شهادتها وشهادة حسين عياد المذكورة آنفا فى ملحق فلسطين لجريدة السفير اللبنانية فى 12 أغسطس 2013 و15 سبتمبر 2012.
«ارتكبت مجزرة ذلك اليوم بحق كل شاب وصبى زاد عمره على 10 أعوام فى أثناء محاولة مغادرة المخيم، وكذلك بحق العشرات من الفتيات والنساء والمسنات: (..) أُمٌّ كانت تحمل رضيعها الذى وضعته قبل يومين، ركض باتجاهها أحد القتلة وانتزع الرضيع من حضنها وقذفه على بعد مسافة ليسقط فوق أشجار حالت دون رؤية موقع سقوط جسده. فتاة مصابة بقدميها كانت تزحف وسط الحشود، قال أحد القتلة لزميله: خذها تحت التينة ابسطها! قالت له: الموت أهون ألف مرة، فردّ: «روحى موتى»، وأطلق النار عليها. ابن عمى غازى، كان يحمل جدتى العجوز على كتفيه معتقدا أن حملها قد ينقذه من الموت، أنزلوها عن كتفيه، وقتلوها قبل أن يقتلوه. عجوز انزلقت لتقع فى خندق، حاولت التسلق للخروج منه، فقال لها أحد القتلة: لوين.. لوين (إلى أين) يا حجّة؟ خليكى مَحَلِّك، وأطلق على رأسها رصاصات عدة. أبوياسين فريجة، الممرض فى وكالة الغوث، كان يرتدى مريوله الأبيض ويحتضن زوجته المصابة فى كتفها. انتزعوا زوجته منه، ثم ربطوا ساقيه بسيارتين، انطلقت كل منهما فى اتجاه معاكس.ابن عمتى على، كان عمره 17 عاما، وكان بسيطا جدا على البركة، ربطوه بسيارة من الخلف وانطلقت بأقصى سرعة وهى تسحله على الأسفلت. أبوأكرم، تاجر القماش المعروف فى المخيم، عندما حاولوا انتزاع ابنه منه، نثر عليهم النقود التى كانت بحوزته، لكنهم قتلوا ابنه أمام عينيه قبل أن يطلقوا النار عليه أيضا، ومن ثم جمعوا النقود عن الأرض!».
إن الذين ارتكبوا تل الزعتر، وجوعوا الناس فى حرب المخيمات، لم يعاقبوا إلى اليوم، بل منهم وزراء ورؤساء مجالس نيابية فى لبنان وقادة فى سوريا، ولهذا تتكرر المآسى اليوم فى اليرموك، وإن كان أول مأساة اليرموك يشبه أول مأساة تل الزعتر، فعلينا جميعا أن نتحرك لكى لا تكون لها النهاية نفسها.
رابط المقال:
http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=25022014&id=a4956dbf-3239-4057-8258-082362e3b18d


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.