«15.55 مليار دولار».. الصادرات السلعية تحقق أعلى معدلاتها خلال أول 5 أشهر من 2024    الخماسي الحديث يعقد مؤتمرًا صحفيًا للكشف عن تفاصيل بطولة العالم للناشئين    أول تعليق من «البيئة» بشأن حادث نفوق حوت بالساحل الشمالى    عمرو دياب: أحترم جمهوري ولا أملك غيره منذ 35 عامًا    بائع غزل البنات بعد تصدره الترند: «ربنا كرمني من وسع ومش عاوز حاجة غير الستر»    الصين تنتقد ستولتنبرج لتصريحاته حول دورها في حرب أوكرانيا    وزير الشئون الإسلامية السعودية: ما تحقق في موسم الحج أمر يدعو للفخر    محافظ المنوفية يحيل رئيس الوحدة المحلية لمدينة قويسنا ونائبه للتحقيق (تفاصيل)    "التنمية الصناعية" تستعد لطرح جديد للأراضي عبر الخريطة الاستثمارية.. اعرف التفاصيل    لليوم الثالث..اقبال علي شاطي جمصة في اجازة عيد الأضحي المبارك...صور    تشييع جثمان حاج مصري من الدقهلية توفي أثناء أداء المناسك    كيف تتجنب سحب البطاقة الائتمانية في ماكينة الصراف الآلي؟    حماس تحذر من تصاعد خطر المجاعة داخل غزة    نوستالجيا 90/80 ترفع شعار كامل العدد على مسرح السامر    هل يؤاخذ الإنسان على الأفكار والهواجس السلبية التي تخطر بباله؟    4 أطعمة يجب تجنبها في العيد للحفاظ على صحتك    مجدي يعقوب يشيد بمشروع التأمين الصحي الشامل ويوجه رسالة للرئيس السيسي    راموس يوضح حقيقة اعتزاله كرة القدم    تفاصيل جديدة في واقعة وفاة الطيار المصري حسن عدس خلال رحلة للسعودية    بعد انتشار ظاهرة قطع الأشجار.. تحرك برلماني عاجل لوقف وحظر تصدير الفحم    مستشهدًا بالدوري الإنجليزي.. خبير اللوائح يحسم الجدل حول كرة الزمالك (صورة)    تنسيق الأزهر 2025.. ما هي الكليات التي يتطلب الالتحاق بها عقد اختبارات قدرات؟    معلومات الوزراء: المتحف المصرى بالتحرير أقدم متحف أثرى فى الشرق الأوسط    إصابة 5 أشخاص نتيجة انقلاب توك توك فى ترعة الشيخ سليم فى الإسماعيلية    تنسيق الجامعات 2024.. شروط القبول ببرنامج الهندسة الزراعية والنظم الحيوية جامعة الإسكندرية فرع الشاطبي    شد الحبل وكراسى موسيقية وبالونات.. مراكز شباب الأقصر تبهج الأطفال فى العيد.. صور    الصحة: ترشيح 8 آلاف و481 من أعضاء المهن الطبية للدراسات العليا بالجامعات    تامر حسني بيطير فى الهواء بحفل التجمع (صور)    الفنان إسماعيل فرغلي يكشف تفاصيل جديدة عن إصابته بمرض السرطان    خبير سياحي: الدولة وفرت الخدمات بالمحميات الطبيعية استعدادا لاستقبال الزوار    إيبارشيات وأديرة سوهاج تهنئ قيادات المحافظة بعيد الأضحى المبارك    خبير تحكيمي: طاقم تحكيم مباراة الزمالك والمصري تهاون في حقه وكان يجب إعادة ركلة الجزاء    دعاء الخروج من مكة والتوجه إلى منى.. «اللهم إياك أرجو ولك أدعو»    هوكشتاين: نمر بأوقات صعبة ونريد حلولا حاسمة للوضع على الحدود بين لبنان وإسرائيل    موعد مباراتى ليفربول ومانشستر سيتى فى الدورى الإنجليزى 2024 - 2025    دار الإفتاء: ترك مخلفات الذبح في الشوارع حرام شرعًا    وزارة التخطيط: 21 مليون مواطن مستفيد من المرحلة الثانية لمبادرة حياة كريمة    احذر الحبس 10 سنوات.. عقوبة تزوير المستندات للحصول على بطاقة الخدمات المتكاملة لذوي الإعاقة    طريقة تحضير كبسة اللحم بالأرز البسمتي    الحرس القديم سلاح البرتغال في يورو 2024    بكين: فقدان 4 أشخاص جراء الفيضانات الجبلية في منطقة شينجيانج بشمال غربي الصين    دعاء ثالث أيام عيد الأضحى.. اللهم إني أسألك إيمانا دائما وعلما نافعا    الصحة: تنفيذ 454 زيارة مفاجئة للمستشفيات ومراكز الرعاية الأولية ب23 محافظة خلال عيد الأضحى    سفاح البصرة.. القبض على مصري بالعراق قتل 4 مصريين وقطع جثثهم    انقطاع الكهرباء عن قرى جنوبية في لبنان جراء قصف إسرائيلي    المالية: عودة الاقتصاد المصرى لمسار أكثر استقرارًا فى مواجهة التقلبات العالمية    "سويلم" يوجه باتخاذ الإجراءات اللازمة للاطمئنان على حالة الري خلال عيد الأضحى    جانتس لمبعوث بايدن: سندعم أي تحرك فعال لإزالة تهديد حزب الله    هل يجوز للزوجة المشاركة في ثمن الأضحية؟ دار الإفتاء تحسم الأمر    عبد الله غلوش: «إفيهات» الزعيم عادل إمام لا تفقد جاذبيتها رغم مرور الزمن    تظاهرات إسرائيلية غاضبة أمام منزل نتنياهو ومقر الكنيست    مدرب بلجيكا: لم نقصر ضد سلوفاكيا ولو سجلنا لاختلف الحديث تماما    افتتاح وحدة علاج جلطات ونزيف المخ بمستشفيات جامعة عين شمس.. 25 يونيو    تعرف على حكام مباراة الاتحاد والأهلي    العثور على جثة شخص بجوار حوض صرف صحى فى قنا    مصرع شخص وإصابة 5 فى حادث تصادم بالدقهلية    البطريرك يزور كاتدرائية السيّدة العذراء في مدينة ستراسبورغ – فرنسا    «حضر اغتيال السادات».. إسماعيل فرغلي يكشف تفاصيل جديدة عن حياته الخاصة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تل الزعتر اليرموك
نشر في التغيير يوم 25 - 02 - 2014

مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين فى دمشق يتعرض منذ أشهر للحصار والقصف البرى والجوى، بما أدى إلى موت عدد من سكان المخيم جوعا، ولجوئهم إلى أكل أوراق الشجر والصبار، وانتشار الأمراض المعوية والجلدية لنقص الماء، وموت الأطفال حديثى الولادة وأمهاتهم والمسنين والمرضى والجرحى لنقص الدواء، ويتعرض من يحاول أن يخرج من المخيم إلى القتل، وقد قصف المخيم عدة مرات. وإن كانت القوات السورية النظامية التى تحاصر المخيم سمحت بدخول بعض المساعدات إليه بعد ضغط وسائل الإعلام الأجنبية، فإنها عادت لحصاره تو ما توقف هذا الضغط أو أدارت وسائل الإعلام وجوهها بعيدا.
ومحاولات مؤيدى النظام السورى لنفى المسئولية عنه محزنة حقا، فمخيم اليرموك حى من أحياء دمشق، والمسئولية عنه قانونيا وأخلاقيا، محليا وإقليميا، تقع على عاتق الجيش الذى يسيطر على المدينة وهو الجيش النظامى. وإن زعم مؤيدو النظام أن لهم قضية أو حقا، فإن الباطل خير ألف مرة من حق مزعوم تُفعل هذه الأفاعيل باسمه.
إن للنظام السورى باعا طويلا فى مجال تجويع الفلسطينيين، ربما أكثر من أى نظام عربى آخر. إن ثلاثا من دول الطوق الأربع غمست يدها فى دم الفلسطينيين مرة واحدة: أيلول، وصبرا وشاتيلا، وحصار غزة، وإن دولة واحدة فقط من دول الطوق الأربع غمست يدها فى دم الفلسطينيين ثلاث مرات: تل الزعتر، وحرب المخيمات، واليوم اليرموك.
فى المرات الثلاث تتكرر المشاهد: النظام السورى يستخدم ميليشيات متحالفة معه ويأمرها بحصار المخيم، فى تل الزعتر سنة 1976 كانت الميليشياتُ مسيحية مارونية لبنانية، منها الكتائب والأحرار وحراس الأرز والمردة، وفى حرب المخيمات بين 1985 و1988 اعتمد النظام على ميليشيا حركة أمل الشيعية اللبنانية، والتى كانت فى ذلك الوقت فى حال صراع مسلح مع حزب الله على النفوذ فى بيروت والجنوب، فلم يشارك حزب الله فى حرب المخيمات، بل كانت حركة أمل تطلق النار على الفلسطينيين وعلى حزب الله معا، واليوم، يعتمد النظام السورى على جيشه مباشرة وعلى بعض الميليشيات الفلسطينية الموالية له، الجبهة الشعبية القيادة العامة، وحركة فتح الانتفاضة.
فى المرات الثلاث، يقطعون الماء والكهرباء عن المخيم، ثم يمنعون المؤن حتى تنفد، ويبدأ الناس فى الموت جوعا، وفى المرات الثلاث كان الجوع يؤدى بالناس لأكل أوراق الشجر بل وبطلب فتوى لأكل القطط والكلاب والميتة، وفى المرات الثلاث كانت النساء الذاهبات إلى الآبار ومضخات المياه العاملة على أطراف المخيم يُقتلنَ برصاص القناصة المحاصرين للمخيمات، وبعضهن، كما ورد فى شهادتى حسين عياد وميساء الخطيب من سكان مخيم تل الزعتر، كن يسقطن فى البئر حين يصيبهن رصاص القناصة، ويضطر الناس مع ذلك لاستخدام ماء البئر والشهيدات فيه عاجزين عن انتشالهن لتوالى القنص عنده. وفى المرات الثلاث كان يقال للإعلام أن الجوع فى المخيم كذب، وأن روايات شهود العيان وهم، وأن ضحايا الجوع هواة شهرة. وفى المرات الثلاث كانت القوات القائمة بالحصار تأكل وتشرب أمام عدسات وكالات الأنباء على أطراف المخيم، إمعانا فى إهانة الناس وإذلالهم، وقد قامت إحدى القنوات اللبنانية الموالية للنظام السورى بإذاعة تقرير عن اليرموك يظهر فيه الجنود القائمون بحصار المخيم وهم يأكلون مع المذيعة، وينفون أن يكون ثمة جوع فى الداخل، فى تكرار لمشاهد إراقة حليب الأطفال على الأرض فى حصارَى مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة فى الثمانينيات، سواء الحصار اللبنانى المدعوم من إسرائيل والذى استمر ثلاثة أشهر من يونيو إلى سبتمبر 1982، أو الحصار اللبنانى المدعوم من سوريا والذى استمر أربع سنوات بين 1985 و1988. وفى المرات الثلاث كان النظام السورى يزعم أنه يقتل الفلسطينيين لأنه أكثر راديكالية ومقاومة منهم، ولكنه لا يشتبك مع إسرائيل البتة حتى وإن قصفت عاصمته. وفى المرات الثلاث كانت إهانة الفلسطينيين فى الإعلام جزءا أساسيا من الحرب ضدهم، لا للإجهاز على معنويات سكان المخيمات والمدافعين عنها تحت الحصار فحسب بل لتكسير صورة فلسطين ومعناها، وتشويه الرموز الفلسطينية، سياسيا وثقافيا، ولإرباك رد فعل الجمهور السورى واللبنانى أو تأخيره فلا يحرك ساكنا اعتراضا على حصار المخيمات.
وقد صرح كريستوفر غانس الناطق باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فى الشرق الأدنى (الأونروا) يوم 9 يناير 2014 قائلا: «إن المعاناة الإنسانية فى المخيم وصلت حدها الأقصى»، وإن النساء يمتن عند الولادة بسبب منع دخول الأدوية والأدوات الطبية إلى المخيم.
وتنقل الجارديان البريطانية عن نفس الناطق باسم الوكالة، بعد شهر من شهادته الأولى، يوم 9 فبراير 2014 أن الدكتور إبراهيم محمد العامل مع الأونروا أنقذ ولدا رضيعا اسمه خالد عمره 14 شهرا كان يعانى من نقص حاد فى التغذية، لقد كان الولد يقتات تقريبا على الماء لمدة شهرين، وشهدت أمه وتدعى نور وعمرها 29 سنة أنهم كانوا يغلون بعض التوابل بالماء ويأكلونها، ثم حين نفدت صاروا يأكلون حشائش الأرض حتى نفدت تلك أيضا.
وفى رسالة موثقة من المرصد الأورومتوسطى لحقوق الإنسان، وهى منظمة مقرها جنيف تعمل بالتنسيق مع الأونروا لإدخال الغذاء إلى المخيم، ورد أن أما طفلة، اسمها هبة، عمرها 15 عاما، ومعها طفلها، وعمره خمسة شهور أخبرت موزعى الأمم المتحدة أنها لم تأكل منذ ثلاثة أيام ولم تستطع أن ترضع طفلها، وحين أعطى المسعفون الطفل ماء ليشرب انتفخ حتى خاف المسعفون عليه لأن شيئا لم يكن دخل بطنه منذ أيام واستُدعى أحد أطباء الصليب الأحمر الدولى الحاضرين لعلاجه.
إن مشاهد الجوع هذه، كان يلحقها فى المرات السابقة حالات قتل وتمثيل بالجثث لمن يحاولون الخروج من المخيم، ففى حالة تل الزعتر مثلا، بعد تجويع المخيم لأشهر، أعلنت ميليشيات الكتائب المدعومة من النظام السورى وقتها أنها ستسمح للفلسطينيين بالخروج لينقلهم الصليب الأحمر إلى مأمنهم، ولكن ما إن بدأ الفلسطينيون فى الخروج حتى قام مقاتلو الميليشيا ومقاتلاتُها بالتسلى على موت الفلسطينيين، تقول ميساء الخطيب وهى إحدى الناجيات من المذبحة، وقد نشرت شهادتها وشهادة حسين عياد المذكورة آنفا فى ملحق فلسطين لجريدة السفير اللبنانية فى 12 أغسطس 2013 و15 سبتمبر 2012.
«ارتكبت مجزرة ذلك اليوم بحق كل شاب وصبى زاد عمره على 10 أعوام فى أثناء محاولة مغادرة المخيم، وكذلك بحق العشرات من الفتيات والنساء والمسنات: (..) أُمٌّ كانت تحمل رضيعها الذى وضعته قبل يومين، ركض باتجاهها أحد القتلة وانتزع الرضيع من حضنها وقذفه على بعد مسافة ليسقط فوق أشجار حالت دون رؤية موقع سقوط جسده. فتاة مصابة بقدميها كانت تزحف وسط الحشود، قال أحد القتلة لزميله: خذها تحت التينة ابسطها! قالت له: الموت أهون ألف مرة، فردّ: «روحى موتى»، وأطلق النار عليها. ابن عمى غازى، كان يحمل جدتى العجوز على كتفيه معتقدا أن حملها قد ينقذه من الموت، أنزلوها عن كتفيه، وقتلوها قبل أن يقتلوه. عجوز انزلقت لتقع فى خندق، حاولت التسلق للخروج منه، فقال لها أحد القتلة: لوين.. لوين (إلى أين) يا حجّة؟ خليكى مَحَلِّك، وأطلق على رأسها رصاصات عدة. أبوياسين فريجة، الممرض فى وكالة الغوث، كان يرتدى مريوله الأبيض ويحتضن زوجته المصابة فى كتفها. انتزعوا زوجته منه، ثم ربطوا ساقيه بسيارتين، انطلقت كل منهما فى اتجاه معاكس.ابن عمتى على، كان عمره 17 عاما، وكان بسيطا جدا على البركة، ربطوه بسيارة من الخلف وانطلقت بأقصى سرعة وهى تسحله على الأسفلت. أبوأكرم، تاجر القماش المعروف فى المخيم، عندما حاولوا انتزاع ابنه منه، نثر عليهم النقود التى كانت بحوزته، لكنهم قتلوا ابنه أمام عينيه قبل أن يطلقوا النار عليه أيضا، ومن ثم جمعوا النقود عن الأرض!».
إن الذين ارتكبوا تل الزعتر، وجوعوا الناس فى حرب المخيمات، لم يعاقبوا إلى اليوم، بل منهم وزراء ورؤساء مجالس نيابية فى لبنان وقادة فى سوريا، ولهذا تتكرر المآسى اليوم فى اليرموك، وإن كان أول مأساة اليرموك يشبه أول مأساة تل الزعتر، فعلينا جميعا أن نتحرك لكى لا تكون لها النهاية نفسها.
رابط المقال:
http://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=25022014&id=a4956dbf-3239-4057-8258-082362e3b18d


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.