يكرّم الأمريكيون الرئيس ايزنهاور لأنه "أنهى حرباً وأبقانا خارج أي حرب أخرى" . وقد أنهى ايزنهاور الحرب الكورية عام ،1953 ورفض التدخل لإنقاذ الفرنسيين في ديين بيين فو (فيتنام) عام ،1954 وبدلاً من أن يدعم العدوان البريطاني - الفرنسي - "الإسرائيلي" عام ،1956 أمر الأطراف الثلاثة بالانسحاب من مصر . واليوم، إنهاء أطول حروب خاضتها أمريكا يوماً قد يكون قدر باراك أوباما . وإذا كان إنهاء حروب من دون انتصار قد لا يجعل المؤرخين ينعمون على رئيس بلقب "العظيم" أو "الكبير"، إلا أن هذا يكون أحياناً واجب رئيس ورث حرباً لم تعد الأمة تريد خوضها . وهذا كان قدر نيكسون، مثل ايزنهاور وأوباما . وعندما ننظر إلى الوراء ونستعرض تدخلاتنا في القرن الواحد والعشرين، أين نجد مكاسب مقابل كل معاركنا وكل أولئك القتلى والجرحى؟ ونحن نعرف التكلفة: 8000 قتيل، و40 ألف جريح، و2000 مليار دولار . ولكن أين المنافع؟ بعد سقوط معمر القذافي في ليبيا، ذهب المرتزقة الذين استأجرهم إلى مالي . وفي بنغازي، المدينة التي بدأنا الحرب من أجل إنقاذها، قتل سفير أمريكي وثلاثة أمريكيين آخرين على أيدي إرهابيين . وليبيا اليوم تبدو في سبيلها إلى التفكك . والقذافي كان متسلطاً رهيباً، ولكن هل كان يشكّل تهديداً لنا، خصوصاً بعد أن تخلّى عما كان لديه من أسلحة دمار شامل؟ وفي مصر، ساعدنا في إسقاط الرئيس حسني مبارك، ورحبنا بانتخاب مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي . وبعد ذلك بسنة، رحبنا بعزل مرسي . والإرهاب عاد الآن إلى مصر، خصوصاً في سيناء، وكل المصريين تقريباً يكرهوننا . والنظام الذي رفعناه إلى السلطة في العراق، يمارس اضطهاداً، إلى درجة أن محافظة الأنبار ترحب الآن بالقاعدة . ورئيس الوزراء نوري المالكي يطلب من الولاياتالمتحدة أسلحة لكي يستعيد الأنبار، كما يطلب عسكريين أمريكيين لتدريب جنوده . وعلى النقيض من العراق الشرير سابقاً، يميل العراق الجديد نحو إيران . والرئيس الأفغاني حامد قرضاي رفض التوقيع على اتفاقية أمنية تمنح جنودنا حصانة قانونية إذا بقوا . وهذا يمكن أن يؤدي إلى انسحاب أمريكي كامل بنهاية ،2014 وإلى عودة طالبان التي أسقطنا حكمها عام 2001 . ونحن الأمريكيين حاربنا هناك بشجاعة طوال 12 سنة، ولكن ماذا استفدنا؟ وباكستان، التي تملك أسلحة نووية، أصبحت ملاذاً لطالبان، وربما أيضاً أخطر بلد في العالم . وفي الصيف الماضي، كان أوباما على وشك أن يطلق ضربات عسكرية ضد سوريا، عندما وقفت أمريكا متحدة لمعارضة ذلك . ولو فعلنا، لكنا نفذنا ضربة لمصلحة تمرد تسيطر عليه جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام . ألا يمكننا رؤية أن أسوأ أعداء بشار الأسد هم أيضاً أسوأ أعدائنا؟ والمحافظون في أمريكا يقولون الآن إن معظم هذه التطورات كان يمكن تفاديها لو تركنا قوة عسكرية في العراق، وساندنا الانتفاضة السورية قبل أن يسيطر عليها الجهاديون . وقد دعوا لضرب الأسد الصيف الماضي، ويدعون الآن إلى فرض عقوبات أكثر قسوة على إيران، ويؤيدون شن حرب على إيران إذا لم تتخل كلياً عن تخصيب اليورانيوم . غير أن المحافظين الجدد فقدوا صلتهم مع الشعب، لأنهم كانوا مخطئين في كل شيء . لقد أخطأوا بشأن أسلحة الدمار الشامل في العراق، وبشأن حرب قالوا إنها ستكون "نزهة" . وأخطأوا عندما قالوا إن الشعب العراقي سيرحب بنا كمحررين، وأن العراق سيصبح ديمقراطياً ونموذجاً للشرق الأوسط . وأخطأوا بشأن خدمة مصالحنا من خلال مهاجمة ليبيا . وهم لم يروا الكارثة التي ستضرب باكستان . ومن ليبيا إلى لبنان، وسوريا إلى اليمن، والعراق إلى أفغانستان، أصبح الشمال الإفريقي والشرق الأوسط مشتعلين . فما الذي خسرناه بخروجنا من الحروب التي وجدنا أوباما غارقين فيها؟ وماذا سنستفيد إذا عدنا لإرسال قوات إلى وسط اللهيب؟ وهذا يقودنا إلى سؤال ذي صلة: هل أخطأ أوباما عندما انتشلنا من الحروب التي أغرق جورج بوش بلدنا فيها؟ كيف سيجيب التاريخ عن هذا السؤال؟ نوع المقال: سياسة دولية الولاياتالمتحدة الامريكية