اليوم يعيش العرب الإحباط الديموقراطيّ، أو الإحباط بالديموقراطيّة. عسف الأنظمة العسكريّة وصعود الإسلام السياسيّ نجحا في استيلاد أسوأ ما في تراكيبنا الأهليّة والثقافيّة، وفي تعميمها: في مصر يحصل اليوم اعتذار عسكريّ - شعبيّ عن ثورة يناير. في سوريّة تبتلع الحربُ الأهليّة والأزمةُ الإقليميّة-الدوليّة الثورة. في ليبيا تبدو الدولة والثورة خطّين متوازيين إلى ما لا نهاية. ربّما كانت تونس وحدها لا تزال تلوّح لنا ببصيص أمل، لكنّه لا يزال بصيصاً مهدّداً. وحتّى لو صار أملاً فإنّ موقع تونس ودورها يحدّان من اكتساب الحدث بُعداً عربيّاً شافياً. لقد نجح الإسلاميّون والعسكر، مدعومين بأسوأ ما في تجربتنا التاريخيّة، في الاقتصاص من ثورات «الربيع». وأغلب الظنّ أنّنا سنكون وجهاً لوجه أمام المزيد من الوعي التآمريّ المتفشّي، وربّما أمام مزيد من الراديكاليّات العدميّة التي تمعن في تفتيت مجتمعات لا يعوزها التفتّت، ومعها محاولات بونابرتيّة، مأسويّة أو هزليّة، لبيعنا الخلاص العسكريّ. والحال أنّ الإحباط السابق، القوميّ، كان يمكن أن يكون صحّيّاً، أي أن يقرّب العرب من واقع أوطانهم ودولهم، ومن إدراك الفارق بين القدرات والشعارات، ومن أخذ العالم في الحسبان لدى احتساب موازين القوى. وهذا ما لم يحدث إلاّ جزئيّاً جدّاً وبطرق شديدة الالتواء، وكان من نتائج عدم حدوثه، الذي استثمره الاستبداد والإيمان النضاليّ، أن تراكمت طبقات فوق طبقات من الأزمات والتناقضات التي بات على «الربيع العربيّ» أن يواجهها. أمّا الإحباط المقبل فأخطر. فهو لا يكتفي بإعلان انهيار كلّ شيء، أنظمةً وثوراتٍ، علمانيّةً وإسلاماً سياسيّاً، بل يعلن أيضاً أنّ ما من علاج في الأفق المنظور، وأنّ العلاج النظريّ المفترض تواجهه حساسيّة تتحكّم بالجسد وتحول دون تلقّيه ذاك العلاج. وقد تتسابق الأفكار والمجتمعات في العودة إلى حالة صفريّة: فتنهدم الأولى إذ تستحوذ عليها لا أدريّة شاملة وشالّة، وتنهدم الثانية لصالح مكوّنات خام لا يتمّ بلوغها إلاّ بدم كثير. الواقع لا يُحتمل، والتغيير مسدود، أمّا الذين يقولون «الآتي أعظم» فلا يكذبون. لقراءة المقال كاملا اضغط هنا